احتلت الأوضاع في الشرق الأوسط، بما في ذلك في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سورية، العراق وليبيا، الحيز الأكبر من حوار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مع الصحافي توماس فريدمان، الذي نشر، أمس الجمعة، في صحيفة "نيويورك تايمز"، واعتبر فيه أن بلاده لن تتدخل أكثر في مناطق مثل الشرق الأوسط حتى تتوافق المجتمعات المحلية على رؤية سياسية شاملة تقوم على أساس "لا منتصر/ لا مهزوم"، مشدداً على أن "الولايات المتحدة لن تكون سلاح جو للشيعة في العراق أو لأي فصيل آخر هناك".
تقديم التنازلات لحل مشاكل العراق
وبخصوص الوضع في العراق، قال أوباما "نحن لا نستطيع مساعدتهم إن لم يساعدوا أنفسهم. نعم يمكن لجيشنا أن يتدخل ويسيطر على المشكلة لوقت من الزمن، ولكن هذا لا ينهي جذور الأزمة". وأضاف "لأجل إقامة مجتمع متعايش بشكل سلمي ومستدام، لا بد أن تنبع القرارات من إرادة أفراد المجتمع أنفسهم، هم فقط القادرون على تحديد كيفية تعايشهم واستيعاب مصالح بعضهم البعض".
وشدد على "ضرورة تقديم كل منهم لتنازلات لصالح هذا العقد الاجتماعي المتصالح. نعم يمكننا مساعدتهم ومشاركتهم كل خطوة من الطريق، ولكن لا نستطيع أن نفعل ذلك بالنيابة عنهم".
وبخصوص إرسال قوات جوية وخبراء عسكريين إلى إقليم كردستان، قال أوباما: "عندما نكون أمام ظرف استثنائي ينطوي على تهديد بالإبادة الجماعية، وعندما يتوفر إجماع دولي قوي حول حاجة هؤلاء الناس للحماية، وعندما تكون لدينا القدرة على ذلك، فإننا ملزمون بالتدخل".
وفي معرض جوابه عن سؤال حول عدم التدخل المبكر فور سيطرة "داعش" على مدينة الموصل، قال أوباما "لم نبدأ بالغارات الجوية في جميع أنحاء العراق لأننا لم نشأ أن نرفع الضغط عن رئيس الوزراء، نوري المالكي، بل أردنا أن نشجعه وحلفاءه على المضي في الإصلاحات السياسية وعدم الاعتماد علينا لانتشالهم من مشاكل صنعوها، ويعتقدون بأننا يجب أن نحلها نيابة عنهم، وهو ما سيشجعهم على الاستمرار في ذات السياسات الخاطئة التي اتبعوها خلال السنوات الماضية".
وأضاف أوباما "رسالتنا لجميع الأطراف في العراق، أننا شركاء للجميع، ولن نرسل قواتنا لدفن المشاكل من دون حلها جذرياً، ونحن مع الجميع ما داموا على استعداد لتأليف حكومة عراقية موحدة تقوم على حل وسط، وما داموا على استعداد لمواصلة بناء قوة أمنية غير طائفية مسؤولة أمام حكومة مدنية".
ومضى يقول "نعم لدينا مصلحة استراتيجية في دحر داعش، ولن نسمح لهم بإقامة الخلافة عبر سورية والعراق، ولكن لا يمكننا إنجاز المهمة إلا إذا علمنا أن لدينا شركاء على الأرض قادرين على ملء الفراغ. ولضمان تحالف القبائل السنية والقادة المحليين معنا علينا أن نلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم لكي يكون لديهم قناعة بأنهم يقاتلون من أجل شيء ما".
واعتبر الرئيس الأميركي أن "القوة الوحيدة التي يمكن أن تُضعف الولايات المتحدة حالياً هي (نحن)، فالسياسة لدينا مختلة، وعلينا أن ندرك أن الانقسامات الرهيبة في الشرق الأوسط هي تحذير لنا: فالمجتمعات لا تبنى إذ اتخذت الفصائل السياسية مواقف متطرفة، فكلما كان البلد متنوعاً، كان أقل ميلا لاتخاذ مواقف متطرفة".
وحول ما إذا كانت الأمور تسير على نحو أفضل لو تم تسليح المتمردين السوريين العلمانيين في وقت مبكر، أو لو بقيت قوات أميركية في العراق، قال أوباما: "لم تكن هناك حاجة لوجود قوات أميركية في العراق، لو أن الأغلبية الشيعية لم تهدر الفرصة في تقاسم السلطة مع السنة والأكراد".
وأضاف "لو لم تستفرد الأغلبية الشيعية بالسلطة وقبلت بشراكة السنة والأكراد بطريقة أكثر فاعلية، ولو لم تسن تشريعاً مثل اجتثاث البعث، لما كان هناك ضرورة لتدخل أي قوات خارجية، ولكن حدث ما حدث بسبب غياب الإرادة في تقاسم السلطات، ولو كانت قواتنا هناك، لوقعت عاجلاً أو آجلاً في مرمى النيران المتبادلة بين الأطراف المحلية".
صعوبة في تدريب سوريين علمانيين
أما بالنسبة إلى سورية، فرأى أوباما أن "الاعتقاد بفكرة أن التسليح المبكر للمتمردين كان سيحدث تغييراً في المعادلة هو ضرب من الخيال". وأضاف "فكرة أنه يمكننا توفير بعض الأسلحة الخفيفة أو حتى الأسلحة الأكثر تطوراً إلى معارضة من الأطباء والمزارعين والصيادلة وغيرهم، وأن هؤلاء سيكونون قادرين على محاربة جيش ليس جيد التسليح وحسب، بل مدعوماً من روسيا، ومن إيران، ومن حزب الله صاحب الخبرات القتالية العالية، هذه الفكرة لم تكن مطروحة".
واعتبر أنه "حتى هذا الوقت، لدينا صعوبة في تجنيد، وتدريب وتسليح كادر كاف من المتمردين السوريين العلمانيين، ليس هناك الكثير من القدرة وكذلك ليس هناك الكثير من الأمل".
وأضاف الرئيس الأميركي "نحن بحاجة إلى التركيز على المشكلة في نطاقها الأشمل، والتي تتلخص في أن هناك أقلية سنية ساخطة في العراق، وهناك أغلبية سنية ساخطة في سورية، أي أن الغضب السني يمتد من بغداد إلى دمشق".
ومضى يقول "ما لم نتمكن من منح هؤلاء صيغة تلبي تطلعاتهم، فإننا سنواجه الكثير من المشاكل. لسوء الحظ، أن الأغلبية الشيعية في العراق لم تفهم ذلك تماماً خلال السنوات الماضية، والجيد أن مثل هذا التفهم بدأ يتنامى الآن".
واعتبر أنه "للأسف لا يزال لدينا أيضاً معضلة (الدولة الإسلامية في العراق والشام). والسؤال بالنسبة لنا هنا لا ينبغي أن يقتصر على كيفية التصدي لـ"داعش" عسكرياً، ولكن أيضاً كيف يمكن التفاهم مع الأغلبية السنية في تلك المنطقة".
وحول ما إذا كانت إيران تقوم بدور مفيد في المنطقة، قال أوباما: "لقد أدرك الإيرانيون، أخيراً، أن الموقف المتشدد من قبل الشيعة داخل العراق، سوف يفشل على المدى الطويل، وهذا بالمناسبة درس لكل الدول. إذا ما استولى القوي على كل الغنائم، فلا شك أنه سينهار لاحقاً". والدليل أن الدولة الوحيدة التي تسير فيها التحولات السياسية على ما يرام، هي تونس، لأن الفصائل السياسية هناك اعتمدت مبدأ "لا منتصر"، و"لا مهزوم"، لذلك لم تحتج تونس لأي تدخل خارجي.
نتنياهو قوي وعباس ضعيف
وحول ما إذا كان يشعر بالقلق بشأن إسرائيل، قال أوباما "من المدهش أن نرى ما أصبحت عليه إسرائيل على مدى العقود القليلة الماضية. لقد حفروا في الصخر بشكل لا يصدق لإقامة هذا البلد النابض بالحياة، إنها تجربة ناجحة بشكل لا يصدق، لقد باتت دولة غنية وقوية وهو دليل على براعة وطاقة ورؤية الشعب اليهودي". واستمر في دفاعه عن إسرائيل قائلاً إنها "قادرة عسكرياً، فأنا لست قلقاً بشأن بقاء إسرائيل. علينا أن نعترف بأن لديهم مطالب مشروعة، ونعترف بأن هذه هي أرضهم وهذا إقليمهم".
ورداً على سؤال عما إذا كان ينبغي أن يكون أكثر قوة في الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للتوصل إلى اتفاق على أساس "الأرض مقابل السلام"، قال أوباما: "لا بد أن يبدأ الأمر من عندهم".
وأضاف "تشير نتائج استطلاعات الرأي إلى أن شعبية نتنياهو عالية في الأوساط الإسرائيلية وقد ارتفعت بعد حرب غزة، ما لم يشعر ببعض الضغوط الداخلية، فإنه من الصعب أن نراه يقدم على بعض التنازلات الصعبة".
وفي ما يتعلق بالرئيس الفلسطيني، قال أوباما "المشكلة مختلفة قليلاً، إذ يبدو نتنياهو قوياً جداً وبالمقابل يبدو عباس أضعف، إذ يتعذر جمعهما إلى طاولة لاتخاذ قرارات جريئة كتلك التي اتخذها (أنور) السادات و(مناحيم) بيغن أو (اسحق) رابين، فالأمر يستدعي بُعد نظر من قبل القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية، وهذا أمر غالباً ما يصعب على السياسيين".
أما في الشأن الليبي، فدافع أوباما عن قرار التدخل في ليبيا، قائلاً "كان التدخل في ليبيا قراراً سليماً لمنع وقوع مذبحة هناك، لكن ترك الأمور تتطور هناك من دون متابعة كافية على الأرض لإدارة المرحلة الانتقالية والعبور بالبلاد نحو الديمقراطية، ربما كان من أكثر الأمور المؤسفة في سياستنا الخارجية".
وأخيراً، تطرق إلى المسألة الأوكرانية، معتبراً أنه "على الرغم من العقوبات الغربية، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يغزو أوكرانيا في أي وقت، وإذا فعل، فإنه سيكون من الصعب العودة الى علاقات عمل تعاونية مع روسيا خلال الفترة المتبقية من ولايتي".