جاؤوا من مختلف المناطق اللبنانية حاملين صور أبنائهم وأشقائهم الذين فقدوا خلال الحرب الأهلية التي شهدها لبنان بين عامي 1975 و1990، وما زال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم. وبعدما يئس الأهالي من الدولة التي أهملت حقهم في معرفة مصير أبنائهم، سلموا ملف التحقيق الرسمي حول مصير أبنائهم إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، آملين بتحقيق تغيير إيجابي وإنهاء معاناتهم.
عملية التسليم هذه تمت في بيت المحامي (بيروت) بعد ضغوط مارسها المجتمع المدني على الدولة، لكشف نتائج التحقيقات الرسمية. وأقر مجلس شورى الدولة بحق أهالي المفقودين بالاطلاع على نتائج التحقيقات الرسمية التي أجرتها الحكومة اللبنانية قبل نحو عقد ونصف، معلنة أن "جميع المفقودين قتلوا خلال الحرب الأهلية"، الأمر الذي استفز الأهالي فلجأوا إلى المنظمات الدولية. الصليب الأحمر تبنّى هذه القضية، وتسلّم ملف التحقيقات الذي أفرجت عنه الحكومة اللبنانية وأعطته للأهالي.
في السياق، قالت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني لـ "العربي الجديد" إن "الملفات بقيت سرية، ولم يطلع عليها الأهالي، على أن يتم قراءتها تدريجياً خلال الأشهر المقبلة". وتضيف: "لا نملك مرجعية سياسية. مرجعيتنا الوحيدة هي الدولة التي لا تعترف بنا". وطالبت الحكومة "بتشكيل بنك للحمض"، لافتة إلى أننا "أكثر من يريد إقفال ملف الحرب، لأننا لا نعيش بل ننتظر، ونحن في الشارع منذ 32 عاماً".
بدوره، لفت رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر فبريزيو كاربوني إلى أننا "نعي تماماً دورنا ومسؤولياتنا في دراسة هذه المستندات"، آملا أن "يسهل ذلك عملنا بخاصة أننا ندعم حق الأهالي في المعرفة".
من جهته، قال وزير العمل السابق شربل نحاس لـ "العربي الجديد" إن "تسليم التحقيقات يعدّ خطوة نحو الأمام، وهو اقرار بفشل الدولة، إذ لا يمكن للمواطن اللجوء إلى دولته للمطالبة بحقوقه، ما يضطره للجوء إلى منظمات دولية". وأضاف: "أهملت الدولة الملف طيلة الثلاثين عاماَ الماضية".
خلال الحرب، فقد عبد الهادي الذي كان يقاتل في صفوف الجيش اللبناني. توفيت والدته خلال تأدية مناسك الحج، من دون أن تعرف عنه شيئاً. الوالد لم يتحمل فقدانهما، فمات إثر تعرضه لسكتة قلبية. قالت شقيقته نعمت: "كان في الـ 42 من عمره حين فقد. لكن البحث مستمر. مرت سنوات وأنا أبحث عما قد يوصلني إلى مكانه. كبرت وصار عمري 70 عاماً وما زلت أبحث عنه. يعتقد المعنيون أن الأمل في قلوبنا سينطفئ، لكنهم لا يعلمون أنها تحترق يومياً".
تابعت: "صعدت أدراج السراي الـ 114 مرة من أجل مقابلة رئيس الوزراء شخصياً، لأطالبه بالحقيقة". لدى الحديث عن دور الدولة وما قدمته للأهالي، تبكي نعمت وتسأل: "لو كان ابن أحد المسؤولين مفقوداً، هل كان سيكتفي بالنظر إلى زوجته تموت أمام عينيه، وتنتظرعودة ابنها؟".
أما نزهة أسعد، فقد اختطف زوجها ابن مدينة صور (جنوب لبنان) حين كان في الـ 32 من عمره. تصمت قليلاً محاولة استرجاع الأحداث الصعبة التي عاشتها بسبب غيابه. تمسح دموعها، قائلة إن ابنتيها الصغيرتين تزوجتا وهما لا تعرفان والدهما سوى من خلال صور قديمة مهترئة. ألا يكفي هذا لوصف حالة البؤس التي عشتها وما زلت؟".
كثيرة هي القصص. عائلات كثيرة أيضاً عاشت المعاناة عينها، الانتظار. ميرنا الأمين كان عمرها عاماً واحداً حين فقد أشقاؤها الثلاثة. حين كبرت، تمنت لو أنها عرفتهم وتحدثت إليهم. تبكي لأنها لم تتمكن من التحدث لأطفالها عن أخوالهم وتصف بعضاً من تفاصيل حياتهم اليومية. أملت أن يساهم الملف الذي سلم إلى الصليب الحمر في تحقيق العدالة وكشف مصير المفقودين". تختم قائلة: "أوصاني أهلي بعدم تصديق الدولة التي أعلنت وفاتهم".
"أسباب سياسيّة" تعرقل عمل اللجنة
عملية التسليم هذه تمت في بيت المحامي (بيروت) بعد ضغوط مارسها المجتمع المدني على الدولة، لكشف نتائج التحقيقات الرسمية. وأقر مجلس شورى الدولة بحق أهالي المفقودين بالاطلاع على نتائج التحقيقات الرسمية التي أجرتها الحكومة اللبنانية قبل نحو عقد ونصف، معلنة أن "جميع المفقودين قتلوا خلال الحرب الأهلية"، الأمر الذي استفز الأهالي فلجأوا إلى المنظمات الدولية. الصليب الأحمر تبنّى هذه القضية، وتسلّم ملف التحقيقات الذي أفرجت عنه الحكومة اللبنانية وأعطته للأهالي.
في السياق، قالت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني لـ "العربي الجديد" إن "الملفات بقيت سرية، ولم يطلع عليها الأهالي، على أن يتم قراءتها تدريجياً خلال الأشهر المقبلة". وتضيف: "لا نملك مرجعية سياسية. مرجعيتنا الوحيدة هي الدولة التي لا تعترف بنا". وطالبت الحكومة "بتشكيل بنك للحمض"، لافتة إلى أننا "أكثر من يريد إقفال ملف الحرب، لأننا لا نعيش بل ننتظر، ونحن في الشارع منذ 32 عاماً".
بدوره، لفت رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر فبريزيو كاربوني إلى أننا "نعي تماماً دورنا ومسؤولياتنا في دراسة هذه المستندات"، آملا أن "يسهل ذلك عملنا بخاصة أننا ندعم حق الأهالي في المعرفة".
من جهته، قال وزير العمل السابق شربل نحاس لـ "العربي الجديد" إن "تسليم التحقيقات يعدّ خطوة نحو الأمام، وهو اقرار بفشل الدولة، إذ لا يمكن للمواطن اللجوء إلى دولته للمطالبة بحقوقه، ما يضطره للجوء إلى منظمات دولية". وأضاف: "أهملت الدولة الملف طيلة الثلاثين عاماَ الماضية".
خلال الحرب، فقد عبد الهادي الذي كان يقاتل في صفوف الجيش اللبناني. توفيت والدته خلال تأدية مناسك الحج، من دون أن تعرف عنه شيئاً. الوالد لم يتحمل فقدانهما، فمات إثر تعرضه لسكتة قلبية. قالت شقيقته نعمت: "كان في الـ 42 من عمره حين فقد. لكن البحث مستمر. مرت سنوات وأنا أبحث عما قد يوصلني إلى مكانه. كبرت وصار عمري 70 عاماً وما زلت أبحث عنه. يعتقد المعنيون أن الأمل في قلوبنا سينطفئ، لكنهم لا يعلمون أنها تحترق يومياً".
تابعت: "صعدت أدراج السراي الـ 114 مرة من أجل مقابلة رئيس الوزراء شخصياً، لأطالبه بالحقيقة". لدى الحديث عن دور الدولة وما قدمته للأهالي، تبكي نعمت وتسأل: "لو كان ابن أحد المسؤولين مفقوداً، هل كان سيكتفي بالنظر إلى زوجته تموت أمام عينيه، وتنتظرعودة ابنها؟".
أما نزهة أسعد، فقد اختطف زوجها ابن مدينة صور (جنوب لبنان) حين كان في الـ 32 من عمره. تصمت قليلاً محاولة استرجاع الأحداث الصعبة التي عاشتها بسبب غيابه. تمسح دموعها، قائلة إن ابنتيها الصغيرتين تزوجتا وهما لا تعرفان والدهما سوى من خلال صور قديمة مهترئة. ألا يكفي هذا لوصف حالة البؤس التي عشتها وما زلت؟".
كثيرة هي القصص. عائلات كثيرة أيضاً عاشت المعاناة عينها، الانتظار. ميرنا الأمين كان عمرها عاماً واحداً حين فقد أشقاؤها الثلاثة. حين كبرت، تمنت لو أنها عرفتهم وتحدثت إليهم. تبكي لأنها لم تتمكن من التحدث لأطفالها عن أخوالهم وتصف بعضاً من تفاصيل حياتهم اليومية. أملت أن يساهم الملف الذي سلم إلى الصليب الحمر في تحقيق العدالة وكشف مصير المفقودين". تختم قائلة: "أوصاني أهلي بعدم تصديق الدولة التي أعلنت وفاتهم".
"أسباب سياسيّة" تعرقل عمل اللجنة
أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر برنامجاً بهدف تجميع بيانات حول المفقودين من خلال ذويهم، عام 2012. وبعد جهد استمر عامين، بات مشروع اللجنة لجمع عينات الحمض النووي جاهزاً، لكن لم تتم الموافقة عليه لأسباب سياسية، بحسب رئيس بعثة اللجنة الدولية فبريزيو كاربوني. وأضاف: "سنقدم كتاباً مبسطاً إلى وزارة الداخلية للحصول على الموافقة".