كانت لأنس أرشافي أحلامه. لم يكن يتوقع أن تمر عليه أحداث كهذه. ترك مدرسته في مدينة حلب في سورية، هو الذي نزح إلى لبنان حين كان في السادسة من عمره فقط. اليوم، لا يعرف القراءة والكتابة، وقد صار في التاسعة من عمره. كان يقطن في حي مساكن هنانو في حلب. إلا أن الحرب دفعته وعائلته المكونة من تسعة أفراد إلى النزوح.
بداية، انتقل وعائلته إلى بيروت، حيث مكثوا بعض الوقت. إلا أن تجربتهم في هذه المدينة كانت قاسية. يذكر أنس أن شخصاً يجهله رمى قارورة غاز على جده، فمات. حينها، انتقلوا إلى بلدة الصرفند في الجنوب اللبناني، واستأجروا منزلاً. كانت الحياة هناك أفضل. المشكلة أن والده كان عاجزاً عن تأمين بدل إيجار المنزل، ما اضطر الأولاد إلى العمل.
يتابع أنس: "تركت المدرسة لأساعد والدي في تأمين بدل إيجار المنزل وغيره من مقوّمات الحياة الأساسية، مع أن والدي أصرّ على أن أتابع تعليمي. لكنني رفضت وأصررت على مساعدته. تركت المدرسة وصرت أبيع الورود في مدينة صيدا على مقربة من الجامعات. صباح كلّ يوم، يقلني خالي إلى المنطقة لأبدأ العمل، وأعود إلى البيت نحو الساعة السادسة مساء". يتابع أنس: "نحن أربعة صبيان في البيت، يعمل ثلاثتنا فقط لأن الرابع ما زال صغيراً". يضيف أن شقيقيه الأكبر سناً "يعملان في محل لبيع الألبسة في بلدة الصرفند، فيما اخترت بيع الورود، كون هذا العمل مناسباً لسني".
أما شقيقاته، وعددهنّ ثلاث، فقد تزوجت إحداهن في لبنان، لافتاً إلى أن شقيقتيه الأصغر سناً لا تذهبان إلى المدرسة لأن المنهاج اللبناني يختلف عن ذلك السوري. يقول: "حين رغب أهلي في تسجيلهما في إحدى المدارس، قررت الإدارة وضعهما في صفوف للأصغر سناً، فرفضا. في الوقت الحالي، تعلمهما أمي، هي التي عملت معلمة في سورية. لكن النزوح جعلنا نخسر كل شيء".
يتمنى أنس أن تنتهي الحرب ويعود إلى حلب. فقد سرقت طفولته وحرم من المدرسة التي كان يحبها. اليوم يبيع الورد في صيدا، وخصوصاً لطلاب الجامعات، هو الذي كثيراً ما يعرض عليه شراء أزهاره. حين يقف معهم، يرى حلماً ضاع منه. حتى لو عاد إلى حلب، لن يكون عمره ست سنوات كما غادرها. لن يتمكن من العودة إلى صفه ولقاء أصدقائه. ربما صار لكل واحد منهم قصته مع النزوح. ربما يكونون قد اضطروا جميعاً إلى ترك المدرسة. لكن ما يجمعهم هو الخوف من الحرب والمستقبل.
اقرأ أيضاً: محمود يبيع الخضر في عين الحلوة