في ثمانينيات القرن الماضي وحين كنت تلميذة في إحدى مدارس الأونروا في غزة، اعتمدتني المعلمات عاماً بعد عام في مهمة خاصة وهي إعداد الوسائل التعليمية التي تستخدم في الشرح خاصة في مادة العلوم، حيث كنت أمتاز بموهبة الخط العربي بأنواعه.
ولذلك تعاقدت مع صاحب المكتبة المقابلة للمدرسة فكنت أشتري الورق الأبيض المخصص لمجلات الحائط وأرسم فوقه الجهاز التنفسي للإنسان ممثلا بالرئتين والحجاب الحاجز وألوّنه باللون الزهري الفاتح دلالة على الصحة، وارسم الجهاز الهضمي في الشهر التالي ثم أجزاء الزهرة المذكرة والمؤنثة في الشهر الثالث حسب تسلسل الدروس في الكتاب.
وقد كان الأمر ممتعا بالنسبة لي لأني كنت احفظ الدروس وأفهمها بمجرد أن أرسمها واقرأ كل المعلومات الخاصة بها والتي تساعدني على الرسم، فكبرت وتفوقت في مادة العلوم حتى بعد تفرعها في المرحلة الثانوية إلى الكيمياء والفيزياء والأحياء.
وقد كان الأمر ممتعا بالنسبة لي لأني كنت احفظ الدروس وأفهمها بمجرد أن أرسمها واقرأ كل المعلومات الخاصة بها والتي تساعدني على الرسم، فكبرت وتفوقت في مادة العلوم حتى بعد تفرعها في المرحلة الثانوية إلى الكيمياء والفيزياء والأحياء.
مرت السنوات وغادرت المدرسة وظلت معلماتي يحتفظن بالوسائل التعليمية البسيطة التي أعدها وتحمل اسمي في أحد أركانها، وحين أصبحت أماً بدأت أمارس هذه الهواية مع ابنتي الأولى حتى تطورت عجلة التكنولوجيا ولم يعد هناك مكان للوسيلة التعليمية البسيطة التي أعدها في البيت وأقوم برسمها بيدي وبألوان بسيطة ومستخدمة خامات قليلة متوفرة في البيت أحيانا مثل قطع الإسفنج الملون.
وبدأت المكتبات تنتشر حول المدارس وتعلن عن توفير آلات الطباعة الحديثة التي تصمم الوسائل التعليمية باستخدام برامج الكمبيوتر المختلفة، وما على الطالب سوى أن يحدد الرسم الذي يريد تحويله للوحة بمقاسات كبيرة ويدفع مبلغا ماليا يتفاوت حسب المنافسة بين المكتبات.
ويزود صاحب المكتبة باسمه واسم معلم المادة لكي يذيل به الوسيلة التعليمية بعد الانتهاء من تصميمها ويحملها الطالب في اليوم التالي وهو في طريقه إلى المدرسة ويراها للمرة الأولى حين يفردها أمام ناظري المعلم، وينال الدرجات المخصصة للأنشطة من المعلم فيما تتابعه أعين باقي الزملاء الفقراء الذين لا يستطيعون دفع تكلفة إعداد مثل هذه الوسائل للمكتبات بالحنق والغيرة.
تزعجني ابنتي الصغيرة منذ بداية هذا العام الدراسي وكما فعلا في الأعوام السابقة لأنها تطالبني بمبلغ من المال تدفعه لصاحب المكتبة المجاورة للبيت مقابل إعداد وسيلة تعليمية، وترفض رفضا تاما أن تخصص بعض الوقت لكي نصمم سوياً وسيلة تعليمية تساعدها على فهم دروسها أثناء إعدادها.
وهكذا خرجت الوسيلة التعليمية من دورها الأساسي لتصبح وسيلة لربح البعض، ولحصد الدرجات لبعض الطلاب، ونيل التقدير من موجه المادة بالنسبة للمعملين والشعور بالغبن لدى الطلبة المعوزين.
على الجانب الآخر لا ننكر ما وفرته التكنولوجيا من وسائل تعليمية سهلت على الطلبة جانباً كبيراً من الفهم والاستيعاب، فبات بالإمكان شرح وتوضيح كل شيء يتعلق بالمعارف والعلوم عبر الحاسوب وأجهزة العرض الإلكترونية ولم تعد الحصة مقتصرة على خارطة يحملها معلم التاريخ والجغرافيا بين يديه أو بطاقة حروف تقليدية أعدت يدوياً أو ما شابه ذلك، فالمعلم اليوم بات يدعم حصته بالعديد من الوسائل الثابتة كالصور المتحركة كالأفلام وصار بإمكانه أن يشاهد كل التجارب في مختبر العلوم وأن يحضر إجراء عمليات جراحية سواء بصورة مباشرة أو عبر تسجيلها على قنوات التواصل الاجتماعي.
وفي ظل مثل هذه الظروف والتجهيزات التي أصبحت متوفرة بين أيدي الطلبة بات لزاماً على مدارسنا أن تحقق نتائج باهرة وعلى طلبتنا أن يحرزوا التفوق مع ضرورة الانتباه إلى أهمية أن يبدع الطالب بكلتا يديه وسائله التعليمية الخاصة، فلا يطغى أيهما على الآخر.