صباح كلّ يوم، تصطحب أم يسر طفليها إلى المدرسة، آملة أن يجد كلّ من يسر وصابر مستقبلاً أفضل مما يعيشانه اليوم. ظروفهم قاسية في مخيّم الغزالية في بغداد الذي نزحوا إليه بعد مقتل ربّ العائلة، في قصف. وعندما تعود إلى خيمتها، تخيط الملابس لتوفّر لولدَيها لقمة العيش ومصاريف الدراسة.
تقول أم يسر: "على الرغم من كل ما مررنا به، من ظروف نزوح قاسية وعيش معسّر في المخيمات بالإضافة إلى فقدان زوجي الذي تركني وحدي مع الصغيرين، إلا أنني أواصل الحياة لأكسب رزقي وأعيل طفليّ. وبما أنني أتقن الخياطة، وجدت لنفسي عملاً في هذا المجال". تضيف: "ولأن الكهرباء لا تتوفّر في المخيمات، أخيط الملابس بالطريقة التقليدية، بالإبرة والخيط فقط، وأطرّزها يدوياً. وهذا عمل متعب، خصوصاً للنظر، لكن لا بدّ من ذلك".
بالنسبة إلى أم يسر، "أنا أفضل حالاً من غيري من النازحين. عشرات العجزة والمعوّقين والأيتام لا يجدون معيلاً ولا من يعتني بهم، ويرتكزون على بعض مساعدات إنسانية من منظمات المجتمع المدني".
بعد الظهر، تقصد أم يسر المدرسة من جديد للعودة بولديها. وتصرّ على مرافقتهما، إذ تخشى عليهما، "فهما كلّ ما بقي لي". أما في المساء، فتساعدهما في دروسهما على ضوء الفانوس أو الشمعة. وتأمل الأرملة أن يكملا دراستهما، سائلة: "ما ذنب الصغار ليخبروا ما ذقناه من عذاب وحسرة؟ لذلك أجدني حريصة على دراستهما، لعلهما يتمكنان يوماً ما من مواجهة الحياة". وتشجّع أم يسر سكان المخيّم الآخرين على حثّ أبنائهم على إكمال الدراسة وتحدّي النزوح. وتنصحهم قائلة: "لا نريد أن نزيد مأساتنا بالجهل والتخلف. علينا أن نواجه التشرد بالعلم. مهما حصل، العلم هو الطريق الصحيح نحو الأمل الذي ننشده".
وبحسرة تتابع: "صحيح أنني لا استطيع إطعامهما بالشكل المطلوب إذ إن الطعام قليل، بالإضافة إلى أنني بالكاد أستطيع توفير بعض النقود من الخياطة لشراء الطعام والخبز ومستلزمات دراستهما، إلا أنني سوف أستمر في التحدي مستعينةً بالله، حتى تنتهي هذه الأزمة". وهي غالباً ما تقف تماماً كما نساء المخيم الأخريات في الطابور، للحصول على حصة من المساعدات الإنسانية لا سيّما المواد الغذائية. وتشعر بالألم وهي تخبر أن "المرأة العراقية تتحمل أعباء أكثر من الرجال، لا سيّما مع فقدان المعيل، أكان زوجاً أو أباً أو أخاً، ليواجهن الحياة وحدهنّ".
وتؤكد أم يسر على أن "ما يهوّن عليّ مصيبة النزوح هو مشاهدة ولدَيّ وهما يدرسان بجدّ وينجحان في المدرسة. عندها أشعر بسعادة حقيقية".
اقرأ أيضاً: مليونا طفل عراقي فقدوا مدارسهم بالحرب والتهجير