بين دشمتين كان المرمى الأول، وفي الناحية الأخرى مرمى ثانٍ، حدوده حجران. أرض الملعب ما تبقّى من زفت الشارع الذي كان رئيسياً قبل أن تقطعه الحرب ومليشياتها قبل سنوات. والدشمة مكعب حجري عملاق ضروري لإقفال الطرقات في أوقات الحرب، ويمكن أن يظهر اليوم، يسدّ الشوارع التي فيها بيوت زعماء لبنان وقصورهم.
أما الكرة التي تتقاذفها أقدامنا الصغيرة، فليست أكثر من علبة مشروبات غازية معدنية فارغة. واللاعبون فتية حفاة من كلّ الأعمار. لا ينتبهون لرضّة في أرجلهم أو كدمة أو جرح، إلاّ ما كان منها كبيراً، يمكن مداواته عندها في المستوصف الحزبي المجاور وإسعافاته الأولية البدائية.
بين حربين أو ثلاث، وانقطاع الكهرباء لأكثر من عام، ومدارس تفتح يوماً وتغلق أياماً، وحماسة حملها مارادونا ورومينيغه وبلاتيني وزيكو ورفاقهم من مونديال 1986، واستعداد لماتهويس وغوليت وفان باستن في بطولة أوروبا 1988، كنا نشارك في حربنا الخاصة التي لا يملك أيّ منا تمويلاً خارجياً من أجل تعزيز سلاحها الرئيسي.. الكرة.
تطورت اللعبة، وباتت يومية، لا تحدّها المعارك الصغيرة الداخلية بين أحزاب المنطقة. يهتم كلّ منا بالعثور على تلك العلبة الفارغة، فإن وُجدت بدأت "المطاحشة"، التي لا تنتهي بأهداف هنا أو هناك، بل بغياب كامل للضوء.
يوماً ما قرر الفتية الكبار المشاركة. احتلوا الملعب، وطردونا منه. فتحولنا إلى متفرجين بعدما كنا لاعبين.
لكنّ الكبار كانوا يحملون خططاً أكبر من مجرد علبة فارغة. جمعوا في البداية ثمن كرة بلاستيكية. لم تصمد طويلاً، فقد دفنها أحدهم في رمال شاطئ خلدة في رحلة نادرة، ونسيها هناك. من بعدها جمعوا ثمن كرة مطاطية. وبالفعل، استمرت مبارياتهم لفترة، وبات بعض الصغار المحظوظين يشاركونهم حين يغيب أحدهم. لكنّ الكرة اصطدمت برأس أم بلال وأسقطت نظارتها الطبية السميكة.
الحاجّة التي أنهكتها الحرب، ولم تنهك لسانها السليط، شتمت كلّ ما يمكن أن يُشتم فينا، كباراً وصغاراً. وأمرت بصوت مرعب حفيدها - اللاعب معنا - بجلب الكرة. وبين سخرية البعض وخجل آخرين، لم يعلم أحد من أين أخرجت سكيناً ذبحت بها الكرة الجميلة.
عاد الملعب إلينا بعدها، نحن الصغار، وعدنا إلى كرتنا الأصلية، علبة معدنية فارغة. قيل إنّ الحرب انتهت، فرجعنا إلى المدرسة، ووزعت علينا حملة إغاثية أعظم إعانة على الإطلاق، لم ننتبه لكلّ المواد الغذائية التي كانت معها. كانت كرة "جوّاني برّاني" منيعة، حتى على سكين أم بلال، كما كنا نراهن.
أصبح لكلّ واحد منّا كرة. لكنّ قذائف "الحرية والسيادة والاستقلال" نسفت ملعبنا.. وعادت الحرب الطويلة.
أما الكرة التي تتقاذفها أقدامنا الصغيرة، فليست أكثر من علبة مشروبات غازية معدنية فارغة. واللاعبون فتية حفاة من كلّ الأعمار. لا ينتبهون لرضّة في أرجلهم أو كدمة أو جرح، إلاّ ما كان منها كبيراً، يمكن مداواته عندها في المستوصف الحزبي المجاور وإسعافاته الأولية البدائية.
بين حربين أو ثلاث، وانقطاع الكهرباء لأكثر من عام، ومدارس تفتح يوماً وتغلق أياماً، وحماسة حملها مارادونا ورومينيغه وبلاتيني وزيكو ورفاقهم من مونديال 1986، واستعداد لماتهويس وغوليت وفان باستن في بطولة أوروبا 1988، كنا نشارك في حربنا الخاصة التي لا يملك أيّ منا تمويلاً خارجياً من أجل تعزيز سلاحها الرئيسي.. الكرة.
تطورت اللعبة، وباتت يومية، لا تحدّها المعارك الصغيرة الداخلية بين أحزاب المنطقة. يهتم كلّ منا بالعثور على تلك العلبة الفارغة، فإن وُجدت بدأت "المطاحشة"، التي لا تنتهي بأهداف هنا أو هناك، بل بغياب كامل للضوء.
يوماً ما قرر الفتية الكبار المشاركة. احتلوا الملعب، وطردونا منه. فتحولنا إلى متفرجين بعدما كنا لاعبين.
لكنّ الكبار كانوا يحملون خططاً أكبر من مجرد علبة فارغة. جمعوا في البداية ثمن كرة بلاستيكية. لم تصمد طويلاً، فقد دفنها أحدهم في رمال شاطئ خلدة في رحلة نادرة، ونسيها هناك. من بعدها جمعوا ثمن كرة مطاطية. وبالفعل، استمرت مبارياتهم لفترة، وبات بعض الصغار المحظوظين يشاركونهم حين يغيب أحدهم. لكنّ الكرة اصطدمت برأس أم بلال وأسقطت نظارتها الطبية السميكة.
الحاجّة التي أنهكتها الحرب، ولم تنهك لسانها السليط، شتمت كلّ ما يمكن أن يُشتم فينا، كباراً وصغاراً. وأمرت بصوت مرعب حفيدها - اللاعب معنا - بجلب الكرة. وبين سخرية البعض وخجل آخرين، لم يعلم أحد من أين أخرجت سكيناً ذبحت بها الكرة الجميلة.
عاد الملعب إلينا بعدها، نحن الصغار، وعدنا إلى كرتنا الأصلية، علبة معدنية فارغة. قيل إنّ الحرب انتهت، فرجعنا إلى المدرسة، ووزعت علينا حملة إغاثية أعظم إعانة على الإطلاق، لم ننتبه لكلّ المواد الغذائية التي كانت معها. كانت كرة "جوّاني برّاني" منيعة، حتى على سكين أم بلال، كما كنا نراهن.
أصبح لكلّ واحد منّا كرة. لكنّ قذائف "الحرية والسيادة والاستقلال" نسفت ملعبنا.. وعادت الحرب الطويلة.