أم الحيران وعتير تقاومان عنصرية الاحتلال

17 سبتمبر 2015
قرية أم الحيران مهددة بالتهجير (فرانس برس)
+ الخط -

مؤسف جداً، أن تجد الفلسطيني بالكاد يسمع عن هموم النقب وحكاياتها، فكيف بغير الفلسطيني؟ الأكيد أن النقب لا ينال حقّه في الإعلام وإن نال فغالباً ما لا نسمع إلا عن خبر تهجير قرية وهدم أخرى، ولكن ماذا عمّا وراء الخبر، ولماذا يرفض البدوي السكن في مدينة على السكن في قرية غير معترف بها، ثم ماذا عن آهات المواطن الذي يرى كلاب اليهود تُعطى حقوقاً لا يحلم بها وهو ابن البلاد، وماذا عن سياسة تخضير الصحراء وكيف يُعاني البدو منها؟ في هذا التقرير سنطّلع على شيء من حكايات أهل النقب من سكّان القرى غير المعترف بها.


مثل النازية والأبارتهايد... غيتو "البدو"!
الاحتلال الإسرائيلي أذكى بكثير من أن يُعلن الحرب على أهل النقب، فمن يطّلع على قانون برافر قد يتخيّل أن الدولة لا تُريد إلا الخير لأهل النقب فهي لا تريد إلا أن تقوم بتجميعهم في تجمعات سكنيّة مُتحضّرة، ويستحيل أن تقرأ عن برافر دُون أن تسمع كلمة (تحضّر) وكأن (البداوة) عارٌ لا بُد من التخلص منه، والعيش في قوالب تُريدها اسرائيل، وحينها فقط يمكنها أن تضمن لهم حقوقهم في الماء، الكهرباء وخدمات الصحة والتعليم، فماذا يُريد البدو أفضل من هذا؟

في قرية عتيّر التقينا بسالم وسألناه عن صعوبة الحياة في القرية؟ ولماذا يُصر هو وأهله على البقاء في قرية غير معترف بها وبظروف صعبة؟ فراح يؤكد لنا، لا تصدقوا من يقول أن الحياة هناك غير جميلة، حياتنا أجمل من حياة البدو الذين تم تجميعهم في المدن مكتظة، وأكد لنا أنهم استطاعوا التغلب على الكثير من المشاكل في موضوع المياه والكهرباء ولكن المشكلة أن اسرائيل لا تتركهم بحالهم وتسعى إلى تهجيرهم.

سالم وغيره ترعرعوا على قصص لربما لم نسمعها، إنها حكايات التجمعات السكنية البدوية التي أقامتها إسرائيل ضمن خطة لتجميع البدو في 7 بلديات بدوية ثابتة لا غير مُنذ عام 1968، أشهر هذه البلدات هي مدينة رهط والتي تضمن حوالى 60 ألف نسمة، بحسب الاستراتيجية الإسرائيلية كان يُفترض بتجميع البدو أن يؤدي إلى تحسين مستوى معيشتهم ولكن الواقع كان مختلفاً فمدينة رهط تُدرج اليوم على أسفل السلم الاقتصادي الاجتماعي الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن فيها كثافة سكانية عالية وفوق هذا تعتبر رهط من أفقر البلدان في "إسرائيل" بحيث تصل نسبة العاطلين عن العمل فيها إلى 80% من السكان، كما أنها تفتقر إلى المصانع وفرص العمل، ويسجل نحو 20 ألف شخص في مكتب العمل لتلقي مخصصات البطالة.

لا شك أن كثيرين من البدو رفضوا فكرة التجميع ، فهي لا تختلف كثيراً في واقع الأمر عن سياسة الغيتو التي استخدمت في ألمانيا النازية وكذلك عن نظام الابارتهايد في جنوب افريقيا ولذلك فقد قرر نصف سكّان النقب البقاء في أراضيهم، هؤلاء لم يتم الاعتراف بقراهم وأصبحوا بمثابة كابوس مزعج بالنسبة لإسرائيل حتى أن ارئيل شارون كتب في عام 2000: ".. نحو 900,000 دونم من أراضي الحكومة ليست بأيدينا، وأنّما هي بأيدي السكّان البدو. إنني، كمقيمٍ في النقب، أرى هذه المشكلة كلّ يوم. إنّها، في الأساس، ظاهرة ديمغرافيّة... نتيجة للضّعف، ولربّما أيضًا نتيجة لنقص الوعي حول هذه المسألة، فإننا، كدولةٍ، لا نفعل شيئًا لمواجهة هذا الوضع... إنّ البدو ينتزعون مناطق جديدة. إنّهم يقتطعون من احتياطيّ أراضي الدولة، ولا أحد يقوم بأمر جدّي بشأن ذلك ..".

بعد حوالى 10 سنوات، كانت خطّة برافر جاهزة لمُصادرة ما تبقى للبدو من أراضٍ وقرى، حيث كان يُفترض بالمخطط مصادرة نحو 800 ألف دونم من أراضيهم وإزالة نحو 40 قرية من قراهم، ولكن اندلاع المظاهرات في كُل أنحاء فلسطين، وفي النقب بشكل خاص، حيث تم اعتقال 45 شاباً في بلدة حورة وحدها، أدى إلى تراجع الحكومة عن برافر، ولكن الشيء الأكيد، أن أطماعها في النقب لا زالت هي هي.

للكلاب حقوق أكثر من العباد!
قبل فترة قليلة، دخلت جرافات الحكومة الإسرائيلية بحماية مشددة من الشرطة والجيش إلى أراضي قرية أم الحيران، الأكيد أنها لم تدخلها لتعبيد شوارعها والتأسيس لبنية تحتية راقية، ولكنها دخلتها بهدف واضح وصريح وهو: بدء أعمال البناء في مستوطنة حيران على أراضي قرية أم الحيران العربية.

ولعلّ المأساة، كُل المأساة، عندما تقف على تلّة تُشرف على قرية أم الحيران المهددة بالتهجير مع خبير في قضايا النقب الأستاذ والحقوقي خليل العمور فيشرح لك عن أحوالها الصعبة مؤكداً أنه إذا كانت مدينة رهط تُدرج على أسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي مع علامة 1 من 10 فإن أم الحيران قد تأخذ 3 تحت الصفر أو 2 تحت الصفر في أحسن الأحوال.

ثم يطلب منك النظر إلى "جيران أم الحيران"، إلى (جولدوغ)، وهو بمثابة فندق راقٍ للكلاب اليهودية المدللة، تُقيم فيه الكلاب وتحظى بمعاملة خاصّة بالإضافة إلى التدريبات وإمكانية الدفن "الكريم" عند الممات.

بحسب موقع باتنت الإسرائيلي فقد بدأت فكرة هذا الفندق عام 1977 على يد مستوطن وزوجته من عشّاق نوع خاص من الكلاب يُسمى (بوكسر)، حيث قاموا في البداية باستقدام كلاب بوكسر من مختلف انحاء العالم لتربيتها في إسرائيل، اليوم يفتخر الاثنان بوجود فرقة كلاب مؤلفة من 17 كلب بوكسر "صبّاريّة" تقيم في الفندق وتشارك في المعارض المختلفة، وكلمة (صبّاري) هي كلمة صهيونية تفيد إلى صقل شخصية اليهود الذين تم تجميعهم من أنحاء العالم ليجتمعوا على ثقافة واحدة (صبّارية).

الأكيد أن هذه الكلاب الإسرائيلية الصبّارية تحظى برعاية خاصّة ولديها بنية تحتية ومرافق وخدمات أفضل بكثير من تلك التي يحظى بها أبناء البلاد، ولذلك نجد الأستاذ خليل العموّر يحدثنا بنكتة مؤلمة ساخرة مفادها أنه لو كان مارتن لوثر كينغ اليوم بيننا لقال: عندي حُلم .. أن أكون كلباً يهودياً .. عساني أحظى بحقوق مساوية!

ازرع شجرة .. واخلع إنساناً
تفتخر إسرائيل بأنها من أقوى الدول في مُقاومة التصحر، فتحويل الصحراء إلى أرض خضراء هو جوهر روح الحركة الصهيونية كما يقولون، ويفتخرون كُل الفخر بغابة يتيّر، كأكبر غابة في إسرائيل في واحدة من أكثر المناطق جفافاً في العالم، ولعل إسم يتيّر الإسرائيلي ليس ببعيد عن إسم عتّير العربي، فعتير هي قرية أخرى غير معترف بها تنوي إسرائيل تهجير أهلها لتخضير الصحراء وزراعة المزيد من الشجر في غابة يتير.

وبحسب مؤسسة عدالة الحقوقية، فإن المخطط المفصّل رقم 11/03/264 وهو مخطط "غابة يتير" فإنه سيمتد على مساحة 124500 دونم بما فيها قرية عتيّر والتي تُعتبر بحسب المخطط منطقة خالية من السكان مع أن عدد سكُانها حوالى 500 شخص، ولكن المخطط يتجاهل وجود القرية وسكانها تماماً ولهذا فإنه يسمح للسلطات بهدم كُل مبنى قائم دون الحاجة إلى دفع تعويضات أو توفير بدائل سكنيّة للسكان الأصليين.

(فلسطين)

المساهمون