وفي حين استغربت الكلمة دعم دول قوى في ليبيا ترفض الحل الدولي في هذا البلد، فإنها كانت شديدة الوضوح في تحميل المجتمع الدولي المسؤولية بشأن التطورات في اليمن، من حيث تقاعسه في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ما منح الفرصة لقوى سياسية في البلاد للقيام بإجراءات انقلابية عرقلت الحل السياسي. وظهر أمير قطر وكأنه يتحدث باسم شعوب العالم الثالث في ملاحظته النقدية وحرفيتها بأنه "لا يجوز التفريق بين حياة المدنيين في إسطنبول وباريس وغزة ونيويورك وحلب وغيرها، لأنه لا توجد حياةٌ ذات وزنٍ نوعيٍ أكبر من حياةٍ أخرى"، وذلك في زمن بات تقسم فيه شعوب العالم إلى فئات تستحق التضامن العالمي، إن تعرض مواطن من جنسية غربية لاعتداء، بينما يقتل الآلاف من شعوب لا تستحق حتى التفاتة من وسائل إعلام غربية ولا من حكام دول "العالم الأول".
ولمّا كان "الموسم" السنوي لأعمال الجمعية العامة المتحدة أشبه بمنتدى، يطرح فيه قادة العالم وممثلو دوله رؤاهم وأفكارهم في المستجدات والقضايا الماثلة، فإن ما خاطب به أمير دولة قطر، هذا المنتدى، ومن خلاله العالم، كان الأكثر وضوحاً من بين بقية الكلمات، خصوصاً في الشؤون العربية، وقضايا الإرهاب والتطرف والتضامن العالمي في مواجهة أزمة تزايد اللاجئين في العالم، وكذلك في ما يتعلق بالحاجة المؤكدة إلى أن تقوم الأمم المتحدة بمسؤولياتها، وإلى أن تغادر "الضعف في النظام القانوني والمؤسسي" لها، بحسب تعبير الشيخ تميم في كلمته التي توقفت عند "انتقائية مجلس الأمن في معالجة القضايا، ولا سيما عندما يتعلق الأمر باستخدام الدول للقوة في العلاقات الدولية". وكأن أمير قطر هدف في التأشير إلى هذه "الانتقائية"، نقل ما يتم تداوله في النقاش السياسي المغلق أو المحدود إلى الفضاء الدبلوماسي الدولي الواسع.
بهذا المدخل، بدت كلمة أمير قطر أقرب إلى مرافعة من الشعوب العربية بشأن ما تتطلع إليه من إنصاف وعدالة في قضاياها في مداولات الأمم المتحدة. وقد حضرت الشعوب العربية، بالتعيين، في كلمة الشيخ تميم، في التأكيد على أنه "لا يمكن أن تقبل الشعوب العربية بأي نوع من تطبيع العلاقات مع إسرائيل مع استمرار الاحتلال وممارساته، وقبل تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية". وقد قال الأمير، أيضاً، إن حكومة إسرائيل لا تكتفي برفض قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام الشامل العربية، "بل تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع عبر خطط استيطانية طويلة المدى في الضفة الغربية والقدس، وتقيم احتلالها على التمييز والفصل العنصري". ومرة أخرى، أكد مسؤولية مجلس الأمن، في فرض الشرعية والإجماع الدوليين.
واستمع العالم، في مناسبة هذا الجمع الدولي، إلى تشريح واف للمأساة السورية، وبالتأشير إلى نموذج كبير الدلالة في هذا الخصوص، وهو مدينة داريا التي قال أمير قطر، إنها قدمت نموذجاً للثورة السلمية التي بدأت برمي الجنود بالورود، وبعد مذابح كبرى، سقط في إحداها المئات، غالبيتهم من النساء والأطفال، "اضطرت، مثل غيرها، أن تدافع نفسها، ومنذ ذلك الحين، تعرّضت داريا للقصف المتواصل وحصار التجويع". ومن منصة الأمم المتحدة نفسها، تساءل الشيخ تميم بن حمد عن السبب الذي يجعل سكانها ينتهون إلى "أن يتفرج المجتمع الدولي على تهجيرهم في عملية تطهير ديموغرافي مفضوحة؟، بينما لم يسيطر عليها تنظيم تكفيري متطرف، ولم يرتكب ثوارها تجاوزات". ويسأل الأمير في هذا السياق: "لماذا لم يصدر تحذير ضد قصفها وتهجير سكانها، كالإنذار الذي صدر ضد قصف قوى أخرى في محافظة الحسكة؟". وفي مطالعته نفسها، ذكّر أمير قطر العالم، أن "هذا الشعب العظيم ظل يتعرّض للقتل في تظاهرات سلمية، وللتعذيب في السجون، طوال عام، دون أن يدافع عن نفسه"، وذلك في إشارة إلى السنة الأولى للثورة السورية التي قال، الشيخ تميم، إن النظام حاول جرّها إلى العنف بشكل مدروس، و"عمل عبر خطاب سياسي موجه على شق الشعب السوري إلى طوائف".
وبشأن اليمن، جدد أمير قطر تأكيد بلاده دعمها عودة الشرعية سبيلاً وحيداً لضمان أمن اليمن ووحدته واستقراره، وقال "لا شك أن تقاعس المجتمع الدولي في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وبخاصة القرار 2216، منح الفرصة لبعض القوى السياسية في اليمن للقيام بإجراءات انقلابية عرقلت الحل السياسي المنشود الذي يحقق مصلحة الشعب اليمني في الوحدة والاستقرار". وعن المستجدات في ليبيا، استهجنت كلمة الشيخ تميم بن حمد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعم دول قوى في ليبيا ترفض الحل الدولي، وتعمل على إفشال قرار مجلس الأمن بالقوة، مع أن القرار ينص على معاقبة مثل هذه القوى. وقال أمير قطر "في الوقت الذي تنشغل فيه قوات وضعت نفسها تحت تصرف المجلس الرئاسي في مكافحة الإرهاب، انتهزت قوى أخرى رافضة للحل الدولي الفرصة، لكي تحتل موانئ تصدير النفط، في ظل صمت دولي... هل هكذا نشجع الليبيين على مكافحة الإرهاب؟".
واتّساقاً مع ما حفلت به من انتقادات لأداء المجتمع الدولي في غير شأن وملف، أوضحت الكلمة أن "التعامل بمعايير مزدوجة مع ظاهرة الإرهاب، أو ربطها بدين أو ثقافة بعينها، أو إعفاء الحكومات التي ينطبق على سياستها وصف الإرهاب من هذه التهمة، يعقد الجهود لاستئصال الظاهرة، ويقوي الذرائع التي يستخدمها الإرهابيون". وارتباطاً بالمنحى الإنساني العام الذي تبدى في كلمته التي خاطب بها المجتمع الدولي، جاء أمير قطر على قضية حماية اللاجئين، وشدّد على أن تقديم المعونات والمساعدات لهم "واجب إنساني ملح وراهن لا بد من القيام به".