كان المفترض لو أن الأحوال عادية أن تدخل الحملة الانتخابية في أميركا في هذا الوقت مرحلتها النهائية، لكن الترتيبات تغيرت بالاضطرار.
الحزب الديمقراطي كان برنامجه أن يعقد مؤتمره الوطني الأسبوع الماضي ليعتمد ترشيح جو بايدن ونائبه رسمياً. لا المؤتمر حصل (تأجل إلى 17 – 20 أغسطس/ آب القادم على أن يعقد بصورة مصغرة وبالفيديو)، ولا بايدن رسا بعد على اسم نائب له.
أيضاً الحزب الجمهوري أعاد النظر بترتيباته وخرج عن المألوف بقرار لعقد مؤتمره ( 24 – 27 أغسطس/ آب) في مدينتين، في سابقة غير معروفة.
وحتى الآن لم يحسم بعد ما إذا كان المؤتمر ستجري أعماله كالعادة بصورة حيّة وبمشاركة ألوف الحزبيين، وفق ما يرغب الرئيس دونالد ترامب، أم بالفيديو وبحضور رمزي.
في الحالتين جاء ارتباك الحزبين كنتيجة لفورة كورونا وفوضى إدارة أزمته. فالفيروس الآن في حالة فلتان بدرجة مستعصية، وهو باق في الساحة بدرجة أو بأخرى، وإلى غاية العثور على علاج لمواجهته أو لقاح للقضاء عليه.
ووفق الإجماع الطبي أن بلوغ هذه النقطة ما زال على مسافة سنة وأكثر برغم كل التجارب الواعدة التي تجريها المختبرات. الحقيقة الأهم أن التعامل الأميركي الرسمي المغلوط مع الوباء أدى إلى استفحاله ووصوله إلى نقطة التحكّم بالسياسات والأجندات، فضلاً عما يثيره من المخاوف والرعب من تداعياته المختلفة.
الرئيس ترامب وجد نفسه مؤخراً في مأزق مزدوج. فإن أقرّ بالخطأ والتقصير لكان عليه دفع الفاتورة العالية انتخابياً. وإن استمر في المكابرة، لكان عليه دفع ثمن الإصرار على الغلط وتحمّل تبعاته.
حتى الآن بدا بوضوح أنه اعتمد الخيار الثاني من خلال التقليل من خطورة الفيروس على طريقة "عنزة ولو طارت". بقي حتى آخر مقابلة مطولة وهامة له أمس الأحد يشدد على صوابية مقاربته وتعامله "الأنجح" مع المحنة، برغم جنون الأرقام التي تقترب من 4 ملايين إصابة، وتتجاوز 140 ألف وفاة.
الرئيس ترامب وجد نفسه مؤخراً في مأزق مزدوج. فإن أقرّ بالخطأ والتقصير حول كورونا لكان عليه دفع الفاتورة العالية انتخابياً. وإن استمر في المكابرة، لكان عليه دفع ثمن الإصرار على الغلط وتحمّل تبعاته
يصرّ على أن العدد ما كان وصل إلى هذا الحد "لولا تزايد الفحوصات والمسح الصحي"! وكأن الكتمان يزيل الخطر.
ولم يتردد حتى الآن في نقض كافة الإرشادات بخصوص فائدة الكمامات التي يرى أنها ربما "كانت مضرّة"!، وبالتالي لا ينبغي أن تكون إلزامية "حتى لا نمس بحريات الأميركيين"! رغم ثبات فعاليتها ومناشدة المعنيين بضرورة استخدامها.
كما انفرد بالدعوة المبكرة إلى "العودة إلى المدارس" بصرف النظر عن تسبب التجمع في التفشي السريع، كما جرى بعد التخلي المبكر عن الإغلاق في مايو/ أيار الماضي. وأكثر ما أثار الاعتراضات عليه كانت مخاصمته للمرجع الموثوق الدكتور أنطوني فاوشي، رئيس قسم الأمراض المُعدية في مؤسسة الصحة الوطنية، الذي طالما نسف "تفاؤلات" الرئيس.
بعض الجمهوريين من حكام الولايات ومن أعضاء الكونغرس، خاصة في مجلس الشيوخ، خرجوا عن صمتهم ووجهوا انتقادات للرئيس على غير عادة. بل منهم من بدأ يبتعد عنه، وكأن سفينته قد بدأت بالغرق في ضوء الهبوط في رصيده وخطر انعكاس ذلك على أوضاعهم الانتخابية إذا واصلوا تجاهل استخفافه بالجائحة، فيما الكلفة البشرية تتصاعد، وحالة الضيق الاقتصادي تتفاقم.
وازدادت الخشية مؤخراً من تزايد نسبة الجرائم والعنف، خاصة في بعض المدن الكبرى بنتيجة ارتفاع البطالة وانتهاء مفعول مخصصات الدعم والتحفيز التي تنتهي مع نهاية الجاري، في لحظة يسود فيها الاعتقاد بأن التعافي الاقتصادي ما زال على نفس مسافة العثور على اللقاح وأكثر.
التسليم الواسع في واشنطن أن الرئيس ترامب خسر معركة كورونا، في أقله حتى الآن. والتسليم الآخر أن معركة الرئاسة صارت مرهونة بهذه الأخيرة وخسائرها البشرية والاقتصادية. وعليه لا عجب أن بعض الجمهوريين بدأ يتبلور هروبهم من تحت ظل الرئيس.