13 يونيو 2021
أميركا والإخوان والإرهاب
ربما جاءت لهجة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في أثناء شهادته أخيرا أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بشأن جماعة الإخوان المسلمين، صادمة للسعودية والإمارات ولنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، وهي نظم سعت مرارا وتكرارا إلى إدراج الجماعة على لائحة الإرهاب الأميركية، بعدما أدرجتها على لائحة الإرهاب وفق قوانينها الداخلية، فتيلرسون أكد نصا أن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين، تنظيماً بأكمله، على لائحة الإرهاب يعقد الأمور، وبرّر ذلك بكبر حجم أعضائه (خمسة ملايين على حد قوله)، فضلا عن مشاركة عديدين منهم في حكم دولهم. واكتفى بذكر البحرين وتركيا، على الرغم من عدم دقة مثال تركيا. صحيح أن تيلرسون لم يعف "الإخوان" كليا من الإرهاب، بدليل قوله إنه تم تقسيمهم إلى مجموعات، وإن عددا منها مستمرة بارتكاب العنف والإرهاب، وتم تصنيفها على لائحة الإرهاب (في إشارة ضمنية إلى حركة حماس)، وصحيح أيضا أن الموضوع لم يغلق كليا بدليل قوله إن إدارته تراقب "الإخوان المسلمين"، وهي مراقبةٌ تجعل إمكانية تضمين التصنيف منظماتٍ أخرى أمرا واردا. لكن، يبدو أن هذا لم يكن المطلوب خليجيا أو مصريا.
لم تخل تصريحات الوزير الأميركي من ثلاث دلالات أساسية: تتعلق الأولى بتوقيتها، حيث
جاءت في ذروة أزمة الخليج، والجهود الإماراتية السعودية لوسم قطر بالإرهاب عبر دعمها "الإخوان المسلمين"، ومطالبتها بالتخلي عن هؤلاء، وطرد قياداتهم منها، فمعنى خروج هذا التصريح في هذا التوقيت تبرئة قطر من دعم الإرهاب، على الأقل في شقه الإخواني، وليس الشق المرتبط بحركة حماس التي يبدو أنها المقصودة بتصريحه عن المنظمات الإخوانية الإرهابية. وتتسق هذه الرؤية، إلى حد كبير، مع رؤية الرئيس دونالد ترامب "الواقعية" بعد وصوله إلى الحكم، والتي عبر عنها مؤخرا في قمة الرياض، حيث لم يشر صراحة إلى "الإخوان" عند حديثه عن التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وأشار إلى "حماس" وحزب الله .
وتتعلق الدلالة الثانية بشخصية تيلرسون نفسه، فهو الذي سبق أن قال أمام الكونغرس نصا إن "هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية يجب أن يكون أولويتنا القصوى في الشرق الأوسط. وبعد تدميره، فإن علينا التركيز على تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين". إذن، هو لم يستثن "الإخوان" من المواجهة المقبلة. ولكن، يبدو أنها مواجهة مؤجلة إلى حين الانتهاء من ملفاتٍ داخلية وخارجية، قد تكون لها الأولوية في الأجندة الأميركية. وبالتالي، فإن هذا التناقض الظاهري في كلام الرجل، ومن قبله ترامب، يحمل دلالة ثالثة حول تغليب الإدارة الحالية وجهة النظر ضرورة تأجيل وسم "الإخوان" بالإرهاب على وجهة النظر الأخرى التي يتبناها صقور الجمهوريين في الكونغرس، مثل تيد كروز وغيره ممن تقدّموا بمشروع القانون للكونغرس
خمس مرات متتالية، بدعم وضغط وإلحاح إماراتي مصري. وقد جاء تبني الوجهة الأولى لاعتبارات عملية، وليس من أجل عيون "الإخوان المسلمين"، فهناك إشكالات عديدة لوسم أميركا "الإخوان" بالإرهاب، أولها صعوبة إثبات الشرط الثالث بشأن إدراج أيّ منظمةٍ إرهابية على لائحة الإرهاب، وهو الشرط المتعلق بتهديد الأمن القومي الأميركي، إذ يصعب إثبات ذلك، بل إن خبرات دول سابقة في هذا المجال أثبتت غير ذلك، ومنها تحقيقات الحكومة البريطانية قبل نحو عامين، والتي لم تصنف "الإخوان" جماعة إرهابية، على الرغم من ضغوط الإمارات والسعودية أيضا في هذا الاتجاه، وهو ما دعمه أيضا التقرير الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني الذي كان واضحا في هذا الشأن، وقد فند بوضوح ادعاءات ربط "الإخوان" بالتطرف، وليس حتى بالإرهاب. وبالتالي، سيكون صدور هذا القرار الأميركي بمثابة المرة الأولى التي يحدث فيها التصنيف على أساس أيديولوجي، وليس من واقع ارتكاب جرائم إرهاب فعلي.
ويتعلق ثاني هذه الإشكاليات بعلاقات الولايات المتحدة مع الدول التي يوجد فيها "الإخوان" بصورة رسمية، ويشاركون فيها إما في العمل المجتمعي أو العمل السياسي أو المشاركة في الحكم بصورة أو بأخرى، مثل الكويت والأردن والمغرب وتونس والبحرين وغيرها، إذ معنى اتخاذ هذا القرار مطالبة هذه الدول بأن تحذو حذو واشنطن من ناحية، وتحظر الجماعة وتتحفظ على أموالها، وتمنع أعضاءها من الدخول أو الخروج. وهو أمر صعب إثباته، ناهيك عن إمكانية التزام الدول به، خصوصا في ظل الانتشار الكبير للإخوان في العالم. وربما هذا ما قصده تيلرسون في شهادته أخيرا. أما ثالث هذه الإشكاليات فهو ما يتعلق بكيفية تطبيق القرار حال صدوره داخل الولايات المتحدة ذاتها، لا سيما مع عدم وجود كيان يحمل اسم الإخوان المسلمين، كما يصعب إثبات وجود علاقة لبعض المؤسسات الأميركية الإسلامية بـ"الإخوان".
لكن، ليس معنى الإشكالات السابقة أن "الإخوان" بعيدون عن مرمى النيران الأميركية، فربما تطاولهم لاحقا، لاسيما في ظل وجود إدارة أميركية متحفزة دائما ضد الإسلام السياسي بصفة عامة، فضلا عن إصرار اللوبي المصري الإماراتي السعودي على تحقيق هدفه بشأن وسمهم بالإرهاب أميركيا، وربما عالميا بعد ذلك.
لم تخل تصريحات الوزير الأميركي من ثلاث دلالات أساسية: تتعلق الأولى بتوقيتها، حيث
وتتعلق الدلالة الثانية بشخصية تيلرسون نفسه، فهو الذي سبق أن قال أمام الكونغرس نصا إن "هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية يجب أن يكون أولويتنا القصوى في الشرق الأوسط. وبعد تدميره، فإن علينا التركيز على تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين". إذن، هو لم يستثن "الإخوان" من المواجهة المقبلة. ولكن، يبدو أنها مواجهة مؤجلة إلى حين الانتهاء من ملفاتٍ داخلية وخارجية، قد تكون لها الأولوية في الأجندة الأميركية. وبالتالي، فإن هذا التناقض الظاهري في كلام الرجل، ومن قبله ترامب، يحمل دلالة ثالثة حول تغليب الإدارة الحالية وجهة النظر ضرورة تأجيل وسم "الإخوان" بالإرهاب على وجهة النظر الأخرى التي يتبناها صقور الجمهوريين في الكونغرس، مثل تيد كروز وغيره ممن تقدّموا بمشروع القانون للكونغرس
ويتعلق ثاني هذه الإشكاليات بعلاقات الولايات المتحدة مع الدول التي يوجد فيها "الإخوان" بصورة رسمية، ويشاركون فيها إما في العمل المجتمعي أو العمل السياسي أو المشاركة في الحكم بصورة أو بأخرى، مثل الكويت والأردن والمغرب وتونس والبحرين وغيرها، إذ معنى اتخاذ هذا القرار مطالبة هذه الدول بأن تحذو حذو واشنطن من ناحية، وتحظر الجماعة وتتحفظ على أموالها، وتمنع أعضاءها من الدخول أو الخروج. وهو أمر صعب إثباته، ناهيك عن إمكانية التزام الدول به، خصوصا في ظل الانتشار الكبير للإخوان في العالم. وربما هذا ما قصده تيلرسون في شهادته أخيرا. أما ثالث هذه الإشكاليات فهو ما يتعلق بكيفية تطبيق القرار حال صدوره داخل الولايات المتحدة ذاتها، لا سيما مع عدم وجود كيان يحمل اسم الإخوان المسلمين، كما يصعب إثبات وجود علاقة لبعض المؤسسات الأميركية الإسلامية بـ"الإخوان".
لكن، ليس معنى الإشكالات السابقة أن "الإخوان" بعيدون عن مرمى النيران الأميركية، فربما تطاولهم لاحقا، لاسيما في ظل وجود إدارة أميركية متحفزة دائما ضد الإسلام السياسي بصفة عامة، فضلا عن إصرار اللوبي المصري الإماراتي السعودي على تحقيق هدفه بشأن وسمهم بالإرهاب أميركيا، وربما عالميا بعد ذلك.