15 نوفمبر 2024
أميركا لن تكون إلَّا منحازة لإسرائيل
لعلَّ اللقاء السادس عشر الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأميركي، باراك أوباما، يكون الأكثر إنتاجية، إسرائيليا، في صيرورة العلاقة المتوترة بين الرجلين، بل وقل التنافر الشخصي بينهما، منذ وصولهما إلى سُدَّتَيِّ الحكم في بلديهما، مطلع عام 2009، فالقمة التي جمعت بينهما في واشنطن الاثنين الماضي هدفت، بالدرجة الأولى، إلى إرساء قواعد للتعايش بين حكومتي البلدين في الأربعة عشر شهراً المتبقية من عمر إدارة أوباما. المفارقة هنا أن لكليهما مصلحة شخصية في ذلك، فأوباما لا يريد أن ينهي مشواره السياسي بصيت أشاعه نتنياهو وحلفاؤه في واشنطن أنه لا يحمل ودَّا لإسرائيل، ولا يبالي بأمنها ومصالحها، على الرغم من أن إدارته قدمت لإسرائيل من الدعم الأمني والعسكري ما لم تقدمه إدارة أميركية من قبل. أما نتنياهو، فقد جاء يريد إصلاح العلاقة مع الحزب الديمقراطي واليهود الأميركيين، والتي تضررت كثيراً جراء تحديه الفجِّ أوباما، والذي وصل إلى حَدّ محاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية أواخر عام 2012 لصالح المرشح الجمهوري، حينئذ، ميت رومني، ثمَّ محاولته إفشال الاتفاق النووي مع إيران وتحريضه الكونغرس الأميركي عليه في مارس/آذار الماضي.
يمثل المعطى السابق لحسابات الرجلين الإطار العام للموضوع. ولكن، في التفاصيل، فإن المسألة أعمق من ذلك، فنتنياهو جاء إلى واشنطن طالبا أثماناً مقابلة للاتفاق النووي مع إيران، وذلك بعد أن أصبح واقعاً لا يمكن له إفشاله، في حين أن إدارة أوباما وجدت نفسها في وضع المعطي، لا الآخذ في عامها الأخير في الحكم، ودخول البلاد في مزاج الانتخابات والمزاودات الحزبية، لاسترضاء إسرائيل ولوبيها وحلفائها في الولايات المتحدة. وفعلا، لم تتردد إدارة أوباما في قبول مطالب إسرائيلية كثيرة من حيث المبدأ.
فقد طلبت إسرائيل تجديد مذكرة تفاهم عسكرية بين البلدين، مدتها عشر سنوات، وقعتها عام 2007 مع إدارة الرئيس السابق، جورج بوش. وبموجبها، تحصل على دعم عسكري بقيمة تتجاوز ثلاثة مليارات سنوياً، وقد تَمَّ لها ذلك. فعلى الرغم من أن الاتفاق ينتهي عام 2017، أي بعد انتهاء رئاسة أوباما، إلا أن الأخير أراد أن يكون له "شرف" تمديد الاتفاق، بل وتعزيزه. وتريد إسرائيل رفع المعونة العسكرية السنوية من 3.1 مليار دولار إلى ما بين 4-5 مليارات دولار سنوياً عشر سنوات. ومن الواضح أن إدارة أوباما والكونغرس سينفذان الأمر. أيضا، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة تزويدها بطائرات إف-35 فائقة التطور، وقنابل خارقة للتحصينات وأنواع أخرى من الأسلحة المتقدمة، ويبدو أن إدارة أوباما لن تتردد في تلبية هذا الطلب كذلك.
الطلب الثالث، قد يكون الجديد في سياق العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، حيث ألمح نتنياهو إلى أنه يريد من إدارة أوباما أن تعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل عام 1967، وأن تقر بشرعية ضمها له عام 1981، ذلك أن أمنها الآن يتطلب ذلك، كما يقول. وحسب منطق نتنياهو، لم تعد سورية التي نعرفها قائمة اليوم، مع دخول الصراع فيها عامه الخامس، وانهيار السلطة المركزية فيها، وسيطرة الجماعات "السنية الجهادية" والمليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا على كثير من الأرض. وبالتالي، لم يعد هناك طرف سوري يمكن التفاوض معه. صحيح، أنه لا توجد أي مؤشرات على أن إدارة أوباما وافقت على هذا الطلب الإسرائيلي، غير أن مجرد تَجَرُّؤ نتنياهو على طرق هذا الموضوع الآن يَشي باتجاهات الريح مستقبلا في واشنطن في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، حيث إن أبرز المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين أقرب إلى إسرائيل من أوباما.
السؤال الذي يطرح هنا، ما المقابل الذي ستحصل عليه إدارة أوباما في مقابل تلبية كل هذه المطالب الإسرائيلية؟ الجواب، وبدون أي تحفظات، لا شيء يذكر. فأوباما الذي دان "العنف" الفلسطيني، وشدد على "حق" إسرائيل، بل و"واجبها"، في "حماية مواطنيها"، لم يستطع أن يحصل من نتنياهو على أكثر من التزامٍ باهت، مقرون باشتراطات مجحفة، بالحفاظ على وضع يسمح بقيام دولة فلسطينية عبر مفاوضات سياسية في السنوات المقبلة. جاء هذا الرجاء الأميركي المهين على خلفية إقرار مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية بأنه لا توجد فرصة لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فيما تبقى للإدارة من عمر. ولا داعي للتذكير، هنا، أن أوباما كان قد وعد، منذ يومه الأول في الحكم، بأن يكون قيام دولة فلسطينية أولوية كبرى لديه.
باختصار، لا تكف الإدارات الأميركية المتعاقبة تُقَرِّعُ مسامعنا، نحن العرب، بـ"العلاقة الاستثنائية" التي تربطها بإسرائيل. ومع ذلك، ثمة من ما زال لا يريد أن يفهم ذلك، بل وتراه يصر على المضي في طريق عدميٍّ، راجيا أن تَعْدِلَ الولايات المتحدة عن انحيازها. لا تستطيع أميركا أن تكون إلَّا منحازة لإسرائيل، هذا ليس حكماً قيمياً، بل تصريح أطلقه أوباما يوماً، فمن يفهم؟
يمثل المعطى السابق لحسابات الرجلين الإطار العام للموضوع. ولكن، في التفاصيل، فإن المسألة أعمق من ذلك، فنتنياهو جاء إلى واشنطن طالبا أثماناً مقابلة للاتفاق النووي مع إيران، وذلك بعد أن أصبح واقعاً لا يمكن له إفشاله، في حين أن إدارة أوباما وجدت نفسها في وضع المعطي، لا الآخذ في عامها الأخير في الحكم، ودخول البلاد في مزاج الانتخابات والمزاودات الحزبية، لاسترضاء إسرائيل ولوبيها وحلفائها في الولايات المتحدة. وفعلا، لم تتردد إدارة أوباما في قبول مطالب إسرائيلية كثيرة من حيث المبدأ.
فقد طلبت إسرائيل تجديد مذكرة تفاهم عسكرية بين البلدين، مدتها عشر سنوات، وقعتها عام 2007 مع إدارة الرئيس السابق، جورج بوش. وبموجبها، تحصل على دعم عسكري بقيمة تتجاوز ثلاثة مليارات سنوياً، وقد تَمَّ لها ذلك. فعلى الرغم من أن الاتفاق ينتهي عام 2017، أي بعد انتهاء رئاسة أوباما، إلا أن الأخير أراد أن يكون له "شرف" تمديد الاتفاق، بل وتعزيزه. وتريد إسرائيل رفع المعونة العسكرية السنوية من 3.1 مليار دولار إلى ما بين 4-5 مليارات دولار سنوياً عشر سنوات. ومن الواضح أن إدارة أوباما والكونغرس سينفذان الأمر. أيضا، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة تزويدها بطائرات إف-35 فائقة التطور، وقنابل خارقة للتحصينات وأنواع أخرى من الأسلحة المتقدمة، ويبدو أن إدارة أوباما لن تتردد في تلبية هذا الطلب كذلك.
الطلب الثالث، قد يكون الجديد في سياق العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، حيث ألمح نتنياهو إلى أنه يريد من إدارة أوباما أن تعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل عام 1967، وأن تقر بشرعية ضمها له عام 1981، ذلك أن أمنها الآن يتطلب ذلك، كما يقول. وحسب منطق نتنياهو، لم تعد سورية التي نعرفها قائمة اليوم، مع دخول الصراع فيها عامه الخامس، وانهيار السلطة المركزية فيها، وسيطرة الجماعات "السنية الجهادية" والمليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا على كثير من الأرض. وبالتالي، لم يعد هناك طرف سوري يمكن التفاوض معه. صحيح، أنه لا توجد أي مؤشرات على أن إدارة أوباما وافقت على هذا الطلب الإسرائيلي، غير أن مجرد تَجَرُّؤ نتنياهو على طرق هذا الموضوع الآن يَشي باتجاهات الريح مستقبلا في واشنطن في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، حيث إن أبرز المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين أقرب إلى إسرائيل من أوباما.
السؤال الذي يطرح هنا، ما المقابل الذي ستحصل عليه إدارة أوباما في مقابل تلبية كل هذه المطالب الإسرائيلية؟ الجواب، وبدون أي تحفظات، لا شيء يذكر. فأوباما الذي دان "العنف" الفلسطيني، وشدد على "حق" إسرائيل، بل و"واجبها"، في "حماية مواطنيها"، لم يستطع أن يحصل من نتنياهو على أكثر من التزامٍ باهت، مقرون باشتراطات مجحفة، بالحفاظ على وضع يسمح بقيام دولة فلسطينية عبر مفاوضات سياسية في السنوات المقبلة. جاء هذا الرجاء الأميركي المهين على خلفية إقرار مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية بأنه لا توجد فرصة لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فيما تبقى للإدارة من عمر. ولا داعي للتذكير، هنا، أن أوباما كان قد وعد، منذ يومه الأول في الحكم، بأن يكون قيام دولة فلسطينية أولوية كبرى لديه.
باختصار، لا تكف الإدارات الأميركية المتعاقبة تُقَرِّعُ مسامعنا، نحن العرب، بـ"العلاقة الاستثنائية" التي تربطها بإسرائيل. ومع ذلك، ثمة من ما زال لا يريد أن يفهم ذلك، بل وتراه يصر على المضي في طريق عدميٍّ، راجيا أن تَعْدِلَ الولايات المتحدة عن انحيازها. لا تستطيع أميركا أن تكون إلَّا منحازة لإسرائيل، هذا ليس حكماً قيمياً، بل تصريح أطلقه أوباما يوماً، فمن يفهم؟