أميركا ـ روسيا والألم السوري

أميركا ـ روسيا والألم السوري

26 سبتمبر 2015
+ الخط -
من غير الواقعي الاعتقاد بأن الولايات المتحدة "ترفض" التدخّل الروسي في سورية، لا بل من غير المستحبّ تصديق أن الأميركيين قد يواجهون الروس في موضوع القواعد العسكرية في الساحل السوري. ومن غير الوارد إطلاقاً أن يقع الصدام العسكري بين الروس والأميركيين، مهما كانت الذريعة، ما لم تُقصف موسكو أو واشنطن. غير ذلك، كل ما يحصل بينهما يُدار بأطرافٍ أخرى، أو بتدخّل مباشر لطرف دون آخر.
قد يعود السبب إلى مؤتمر يالطا (1945) أو إلى التجارب النووية المتبادلة (الحرب الباردة 1947 ـ 1991)، وحتى إلى أزمة الصواريخ النووية الكوبية (1962). ومع أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة أغرق الآخر في مستنقعات ـ حروب، كفييتنام بالنسبة للأميركيين وأفغانستان بالنسبة للروس، فإن ذلك كله لم يلغ مبدأ "عدم الاشتباك المباشر". وإذا تمّ الاعتبار أن روسيا السوفييتية أقوى من روسيا البوتينية، فإن التدخّلين العسكريين للجيش الروسي، في جورجيا (2008)، وفي أوكرانيا عبر ضمّ شبه جزيرة القرم (2014)، لم يدفع الولايات المتحدة إلى القيام بردّ فعلٍ عسكري، بل تمّ الاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية أو رسائل التنديد، ما يفيد بأن الروس والأميركيين يدركون الخطوط الحمر، ولا يريدون تجاوزها.
لذلك، لا يخرج التدخّل الروسي في سورية من هذا السياق، وأي لقاءٍ أو حديثٍ بين الطرفين لن يتخطى إطار "تنظيم التوازن"، سواء التقى ويلتقي مسؤولون عسكريون وسياسيون روس نظراءهم الأميركيين، أو حتى في اللقاء المرتقب بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، على هامش أعمال الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد غد الاثنين. على أن التشبّث الروسي بـ"سورية المفيدة" لم يكن ليأتي لولا جملة عوامل، أبرزها: نيل الأميركي اتفاقاً نووياً مع إيران، ما دفعه إلى إغلاق، لا إقفال، باب الشرق الأوسط خلفه. كما تمّ الاتفاق على ضمان "أمن إسرائيل"، بعد زيارة رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أخيراً إلى موسكو، وتعهّد بوتين أمامه بـ"عدم تضارب المصالح الجويّة بين الطائرات الروسية والإسرائيلية في الأجواء السورية"، فضلاً عن "عدم إمكانية فتح جبهتي جنوب لبنان والجولان السوري بوجه الإسرائيليين".
ولا تقف المسألة عند هذا الحدّ، بل إن التدخّل المُستتبع بشرط "التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد"، ليس بطبيعة الحال بنداً روسياً فحسب، بل بات مرغوباً به أميركياً وأوروبياً. كل لأسبابه: الأميركي بسبب اعتماده مبدأ "الواقعية السياسية"، ببراغماتية قلّ نظيرها، تحت شعار "المحافظة على المصالح الأميركية"، والأوروبي بسبب تدفّق المهاجرين إليه، تحديداً من سورية. بالتالي، إن بعض "الممانعة" الأميركية في السؤال المتوقع أن يطرحه أوباما على بوتين، في لقائهما، حول "جدوى مساعدة الأسد"، يُمكن إدراجه في سياق "إبداء الاهتمام بالوضع السوري والشعب السوري" فقط، وهو أمر لم يحصل فعلياً في السنوات الماضية، حين شُرّد هذا الشعب وقُتل. وفي هذا الصدد، لا يُمكن تجاهل تأكيد الأميركيين أن "برنامج تدريب المعارضة السورية فشل، كون عدد المتدرّبين فعلياً لم يتخطَّ الأربعة أو خمسة عناصر". وفي هذا التصريح نوعٌ من حركة استباقية، تُمهّد، ليس فقط لمرحلة انتقالية في المواقف، بل أيضاً لمرحلة دعم قوات النظام، على اعتبارها أنها "القوة الوحيدة الموجودة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".
بالتالي، سيبقى الكلام عن "مرحلة انتقالية سياسية" كلاماً، تماماً كما كان الكلام عن "دعم الشعب السوري في ثورته"، على أن "الواقعية السياسية"، الأميركية والروسية، ستدفع نحو التفاهم في مرحلة لاحقة على خطواتٍ، قد تكون مفاجئة لأي متتبع لسير الأحداث في السنوات الأخيرة، لكنها ستُكرّس المؤكد: أن لا أحد يعبأ أو يبالي بالإنسان في الشرق الأوسط. وجميعنا بالنسبة إليهم، أرقام، في ملفات مكدّسة في البيت الأبيص أو الكرملين.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".