هذه أوروبا وهذا لبنان

04 مايو 2024

أرسولا فون دير لاين (يمين) وميقاتي (وسط) ونيكوس خريستودوليدس في بيروت (2/5/2024/فرانس برس)

+ الخط -

ليست المشكلة في تخصيص الاتحاد الأوروبي مليار يورو سنوياً للبنان، بين عامي 2024 و2027، لدعمه في ملفّ اللاجئين السوريين، حسبما جاء في مؤتمر صحافي في بيروت جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي مع الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، أول من أمس الخميس. المشكلة في كيفية الوثوق بالنظام اللبناني عموماً، المعروف بتسوّله وبفساده وبرفضه تطبيق إصلاحاتٍ اقتصادية مطلوبة منذ وقوع الكارثة المالية في عام 2019.

إذا فكّرنا كالأوروبيين، نعلم أنّهم لا يأبهون سوى بكيفية إقفال حدودهم، خصوصاً من جهة قبرص، أمام لبنان، لمنع تدفّق اللاجئين منه، وغالبيتهم من السوريين. ليس المهمّ هنا كيف يحكم اللبنانيون بلادهم، ولا ما إذا كانوا صُنواً للفساد، بل "أغلقوا الحدود وافعلوا كلّ ما تشاؤون خلفها". قد تتشابه هذه الفكرة مع خطوة مماثلة أقدم عليها الأوروبيون منذ سنوات، حين قرّروا دعم تركيا مالياً من أجل منع اللجوء منها إلى أراضيهم. الفارق بين بيروت وأنقرة أنّ في تركيا دولةً حقيقيةً، ونظاماً ذا قدرة اقتصادية ـ سياسية على التحرك. أما في لبنان، فإنّ مصطلح "دولة" لا يُمكن الركون إليه في البلاد، ولا يُتَداوَل سوى في الكتب المدرسية، وفي سياق تاريخيّ لا أكثر. بالتالي، فإنّه لو مُنِحَت مائة مليار يورو، لا ملياراً واحداً للنظام في لبنان، فلن يُجدي الأمر نفعاً، في غياب بُناةِ دولةٍ حقيقيين.

لذلك، ولأنّ حارتنا صغيرة، نعلم أنّ المستفيدين من الأموال الأوروبية الجديدة سيكونون من أركان النظام وأزلامه. منهم من سيبدأ بتوظيفه لشراء الأصوات الانتخابية في تشريعيات 2026، إذا أُجريت، ومنهم من سيدشّن قصراً جديداً في منطقة خلّابة، ومنهم من سيعمل على تحويل حصته المالية إلى حساباتٍ في مصارفَ غربيةٍ، أوروبية تحديداً. ما الذي يتبقّى هنا؟... المشكلة. ولنا في ملفّاتٍ مثل الكهرباء والبنى التحتية والاتصالات والنفط والطبابة والتعليم، وغيرها، أمثلة فاقعة على كيفية استفادة فاسدين من أموال مُجتمعية، فيما تتوالد المشاكل وتتشعّب، وكأنّه من الطبيعي أن يكون البلد هكذا.

في المقابل، تحويل مسألة مثل اللجوء السوري إلى قضية خلافية، بغية تكريس العُنف بين الناس، من أغراض العمل السياسي "التقليدي" في لبنان. لمن لا يعرف، فإنّ صُنّاع القرار في بيروت لم يهدفوا يوماً إلى معالجة مشكلة، مهما صغرت أو كبرت، بل إلى الاستثمار فيها، ولو وصل الأمر إلى حدّ سفك الدماء. لا يأبه هؤلاء بما إذا كان المفترض أن يكون الواجب الإنساني في صلب العمل السياسي الأساس في أيّ حراك لمعالجة الأزمات، بلّ إنّ سلوكهم رجالَ عصابات يُظهر الوجه الحقيقي للجمهورية اللبنانية.

نحن الآن في عام 2024. في مثل هذا الوقت من العام المقبل سنجد وسائل الإعلام اللبنانية، والسياسيين، والرأي العام، يتحدّثون عن اللجوء السوري في لبنان، ودائماً بصيغةٍ مُتطرّفةٍ وشموليةٍ ونمطيةٍ، لا بصيغةٍ منطقيةٍ وعقلانيةٍ. هل سيسأل أحد أين صُرفتْ الأموال الأوروبية في هذا الصدد؟ لن يسأل أحدٌ، ولا حتّى الأوروبيين، طالما أنّ قلعتهم محروسة من الجهة اللبنانية. وهل سيستفسر أحدٌ عما حصل للإصلاحات الاقتصادية المطلوبة من لبنان؟... بالطبع لا. لا يُمكن الوثوق برجال عصابات. التاريخ واضح في هذا الشأن. غير أنّه يمكنك شراؤهم، وشراء بنادقهم، وكأنّ منطق استئجار مليشيات من أطراف خارجية خلال الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، عاد بنسخة أكثر حداثوية، مع غطاء سياسيّ شرعيّ هذه المرّة.

لا دولةَ في لبنان. هذا صعب على الإدراك، لكنّه حقيقة واقعة. هذه "الدولة" موجودة فقط للقضاء على من تبقّى من أشخاص يحترمون أنفسهم قبل مجتمعهم، فيما مجرمو هذا البلد يسرحون خارج سجونه. ربما لو يتم وضع "أوادم" لبنان في السجون، سيكون أرحمَ لهم من حرّيةٍ خارجها تحت أيدي فاسدين.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".