21 فبراير 2018
أميركا التي لا نعرفها
قدم جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، في مراكش، بمناسبة انعقاد مؤتمر مبادرات رجال الأعمال، الأسبوع الماضي، تجربة نجاح بلاده، في خطاب قصير. قال: "إن نجاح النموذج الأميركي في الاقتصاد والسياسة قائم على مبادئ الحرية التي تسمح بالاختلاف والإبداع والابتكار". وأضاف: "نموذجنا ناجح، لأنه يحترم الحرية والملكية الخاصة، ويقوم على قضاء مستقل، وتعليم متطور، يربي الأولاد على الشك في كل شيء، وعلى السعي إلى التعلم الدائم، إضافة إلى ارتكاز نظامنا الإداري على آليات كثيرة، لمحاربة الرشوة والفساد والاحتكار".
هذه هي الوصفة الأميركية للنجاح، وعلى بساطتها الظاهرة، فإنها تخفي عمليات تاريخية معقدة سياسية وقانونية ودستورية واقتصادية وثقافية، جرت على مدى قرنين، إلى أن وصل الأميركيون إلى هذا النموذج الخاص الذي صار ناجحاً اليوم، وخلق إمبراطورية كبيرة وقوة اقتصادية مؤثرة في العالم.
للأسف الشديد، أخطاء الدبلوماسية الأميركية المتكررة، وانحيازها إلى إسرائيل، ومغامراتها العسكرية في العراق وأفغانستان منعت جيلاً كاملاً في العالم العربي، من قراءة التجربة الأميركية في الاقتصاد والسياسة والفكر والتكنولوجيا والتعليم والإدارة قراءة موضوعية، للتعلم منها والاستفادة من جوانبها المشرقة، وهي كثيرة.
صورة أميركا لدى قطاعات واسعة من الشباب متناقضة جداً، فمن جهةٍ، هناك ملايين من الشباب يحلمون بالهجرة إليها، للبحث عن فرص في التعليم أو العمل أو الحرية، غير موجودة في بلدانهم. ومن جهة أخرى، يكره ملايين الشباب العرب أميركا، ويرونها شيطاناً كبيراً، لأنها تحالفت مع الديكتاتوريين العرب، وضمنت لهم استقرار أنظمتهم أمام مطالب الشعوب في الحرية والكرامة، كما عمدت أميركا إلى تدمير العراق واحتلاله، وإيقاظ الفتنة الطائفية فيه، وغزت أفغانستان ودولاً أخرى عديدة، وأكبر جرائم أميركا، في العالم العربي، انحيازها إلى الكيان الصهيوني في جرائمه ضد الفلسطينيين والتوقيع للاحتلال على شيك على بياض.
منع هذا التناقض في النظرة لأميركا مجتمعات العالم العربي من الاستفادة من عبقرية النموذج الأميركي في إدارة الدولة والمجتمع، وفي النجاح الاقتصادي والسياسي والعلمي، وفي علاقة الدين بالسياسة، وفي مجال احتضان المهاجرين وإدماجهم في دور الإعلام ومراكز البحث في صناعة القرار.
ساسة واشنطن، وبفعل الدور المؤثر للوبيات في صناعة القرار الأميركي، سمحوا للوبي الصهيوني في أميركا باختطاف جزء من القرار الدبلوماسي الخاص بالعالم العربي، وسمحوا لإسرائيل أن توجه أميركا ضد التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى أصبحت أميركا، بتحريضٍ من تل أبيب، صخرة صلبة في مواجهة الحركات التحررية، والتيارات الديمقراطية التي تقاوم من أجل تحرير فلسطين، ومن أجل تحرير بلادها من الفساد والاستبداد والطغيان.
لقد أيدت الولايات المتحدة ثورات الربيع العربي قبل ثلاث سنوات، وأبدت حماساً كبيراً لزعزعة عروش الاستبداد في القاهرة ودمشق وطرابلس الغرب وتونس وصنعاء، وغيرها من البلدان التي تحركت فيها رياح التغيير. لكن، بمجرد أن بدأت صناديق الاقتراع في هذه البلدان تفرز قوى "إسلامية" لا ترضى عنها أميركا، ولا تقاسمها الرؤية نفسها للسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، حتى انقلبت عليها، ورجعت تؤيد موجة الانقلابات والثورات المضادة بضغط من إسرائيل، وبتشجيع من وزارة الدفاع "البنتاجون" التي تنظر إلى المنطقة من منظور عسكري وأمني واستخباراتي، فلا تهمها كثيراً شعارات الخارجية الأميركية وخطاباتها الدبلوماسية عن الحرية والديمقراطية ومستقبل الشباب. لقد أظهرت التجربة التونسية أن (الأصولية) ليست قدر العالم العربي، وأن التونسيين، بعد أن صوتوا لحركة النهضة بعد الثورة، رجعوا وعاقبوها، ولو نسبيّاً، على الفشل في إدارة مرحلة دقيقة من عمر البلاد، واتجهوا إلى "نداء تونس". والآن، يتجه مهد الربيع العربي إلى تجربة تحول ديمقراطي مهمة وتاريخية، بعد أن قبل الإسلاميون بالهزيمة، وانصاعوا لقانون اللعبة.
هذه هي الوصفة الأميركية للنجاح، وعلى بساطتها الظاهرة، فإنها تخفي عمليات تاريخية معقدة سياسية وقانونية ودستورية واقتصادية وثقافية، جرت على مدى قرنين، إلى أن وصل الأميركيون إلى هذا النموذج الخاص الذي صار ناجحاً اليوم، وخلق إمبراطورية كبيرة وقوة اقتصادية مؤثرة في العالم.
للأسف الشديد، أخطاء الدبلوماسية الأميركية المتكررة، وانحيازها إلى إسرائيل، ومغامراتها العسكرية في العراق وأفغانستان منعت جيلاً كاملاً في العالم العربي، من قراءة التجربة الأميركية في الاقتصاد والسياسة والفكر والتكنولوجيا والتعليم والإدارة قراءة موضوعية، للتعلم منها والاستفادة من جوانبها المشرقة، وهي كثيرة.
صورة أميركا لدى قطاعات واسعة من الشباب متناقضة جداً، فمن جهةٍ، هناك ملايين من الشباب يحلمون بالهجرة إليها، للبحث عن فرص في التعليم أو العمل أو الحرية، غير موجودة في بلدانهم. ومن جهة أخرى، يكره ملايين الشباب العرب أميركا، ويرونها شيطاناً كبيراً، لأنها تحالفت مع الديكتاتوريين العرب، وضمنت لهم استقرار أنظمتهم أمام مطالب الشعوب في الحرية والكرامة، كما عمدت أميركا إلى تدمير العراق واحتلاله، وإيقاظ الفتنة الطائفية فيه، وغزت أفغانستان ودولاً أخرى عديدة، وأكبر جرائم أميركا، في العالم العربي، انحيازها إلى الكيان الصهيوني في جرائمه ضد الفلسطينيين والتوقيع للاحتلال على شيك على بياض.
منع هذا التناقض في النظرة لأميركا مجتمعات العالم العربي من الاستفادة من عبقرية النموذج الأميركي في إدارة الدولة والمجتمع، وفي النجاح الاقتصادي والسياسي والعلمي، وفي علاقة الدين بالسياسة، وفي مجال احتضان المهاجرين وإدماجهم في دور الإعلام ومراكز البحث في صناعة القرار.
ساسة واشنطن، وبفعل الدور المؤثر للوبيات في صناعة القرار الأميركي، سمحوا للوبي الصهيوني في أميركا باختطاف جزء من القرار الدبلوماسي الخاص بالعالم العربي، وسمحوا لإسرائيل أن توجه أميركا ضد التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى أصبحت أميركا، بتحريضٍ من تل أبيب، صخرة صلبة في مواجهة الحركات التحررية، والتيارات الديمقراطية التي تقاوم من أجل تحرير فلسطين، ومن أجل تحرير بلادها من الفساد والاستبداد والطغيان.
لقد أيدت الولايات المتحدة ثورات الربيع العربي قبل ثلاث سنوات، وأبدت حماساً كبيراً لزعزعة عروش الاستبداد في القاهرة ودمشق وطرابلس الغرب وتونس وصنعاء، وغيرها من البلدان التي تحركت فيها رياح التغيير. لكن، بمجرد أن بدأت صناديق الاقتراع في هذه البلدان تفرز قوى "إسلامية" لا ترضى عنها أميركا، ولا تقاسمها الرؤية نفسها للسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، حتى انقلبت عليها، ورجعت تؤيد موجة الانقلابات والثورات المضادة بضغط من إسرائيل، وبتشجيع من وزارة الدفاع "البنتاجون" التي تنظر إلى المنطقة من منظور عسكري وأمني واستخباراتي، فلا تهمها كثيراً شعارات الخارجية الأميركية وخطاباتها الدبلوماسية عن الحرية والديمقراطية ومستقبل الشباب. لقد أظهرت التجربة التونسية أن (الأصولية) ليست قدر العالم العربي، وأن التونسيين، بعد أن صوتوا لحركة النهضة بعد الثورة، رجعوا وعاقبوها، ولو نسبيّاً، على الفشل في إدارة مرحلة دقيقة من عمر البلاد، واتجهوا إلى "نداء تونس". والآن، يتجه مهد الربيع العربي إلى تجربة تحول ديمقراطي مهمة وتاريخية، بعد أن قبل الإسلاميون بالهزيمة، وانصاعوا لقانون اللعبة.