ألمانيا وتركيا... المصالح أكبر من الاختلافات

07 مارس 2017
أردوغان وميركل في لقائهما الشهر الماضي (خليل صغير كايا/الأناضول)
+ الخط -
على وقع الاشتباك السياسي والكلامي بين ألمانيا وتركيا، يُعقد اليوم الثلاثاء، لقاء بين وزيري خارجية البلدين، مولود جاويش أوغلو وزيغمار غابريال، لمناقشة الملفات الأخيرة، ومنها خوض تركيا حملة تعديل الدستور على الأراضي الألمانية ومخاطبة الجالية التركية التي يقدّرعدد ناخبيها بنحو 1.4 مليون نسمة، في ظل تأكيد بعض الخبراء بأن "الحكومة الألمانية تتعامل بعناية دقيقة مع التصعيد الأخير، لأنها تخشى من سلبيات ما بخصوص اتفاق اللاجئين". وعلى الرغم من أن كلام الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي شبه قرار منع مهرجانات لأنصاره في ألمانيا، بـ"الممارسات النازية"، صبّ زيتاً على نار كانت بدأت تخمد في الساعات الأخيرة على صعيد التوتر العاشر بين البلدين في غضون عام واحد، إلا أنه لا يتوقع أن يؤثر كلام أردوغان، والرفض القاطع الذي جوبه به من برلين، نظراً لحساسية أي كلمة تذكّر بالتاريخ النازي بالنسبة لحكام برلين، على مصير الاجتماع الوزاري اليوم الثلاثاء.

في هذا السياق، فإن اللقاء اليوم في مدينة هامبورغ، لن يكون "سلبياً" وفقاً لما كتب غابريال في مقال له في صحيفة "بيلد"، يوم الأحد، اعتبر فيه بأنه "يجب ألا نسمح بتدمير الصداقة بين بلدينا، وألمانيا ليست ضد تحدث السياسيين الأتراك لأغراض إنتخابية فيها، ولكن ضمن شروط واضحة". وحذّر من التصعيد. وجاء مقاله في خضمّ اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الألمان بـ"الممارسات النازية" في مسألة منع عقد تجمّعات لوزراء له، ورفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تلك الاتهامات. مع العلم أن ميركل ورئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم، أجريا اتصالاً هاتفياً، يوم السبت الماضي، وصفته الجهات التركية بـ"البنّاء والمثمر".

وبدا واضحاً بحسب المواقف المتلاحقة، أن الكثير من السياسيين رفضوا ما جاء من تصريحات على لسان بعض المسؤولين الألمان رداً على الجانب التركي في هذا الملف. واعتبروا أن "البلدين يخوضان الكثير من الملفات الحساسة وتجمعهما الكثير من المصالح والقواسم المشتركة من النواحي السياسية والاقتصادية، وأن تعكيرها سيكون له مردود سلبي على كلا الطرفين، ليس أقلّه انهيار الاتفاق التركي الأوروبي بشأن اللاجئين، الذي تمّ التوصل إليه في مارس/آذار الماضي".

في هذا الإطار دعا رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، توماس أوبرمان إلى "التعامل بحكمة مع الفعاليات التي ينوي الوزراء الأتراك المشاركة بها في ألمانيا، لحشد تأييد الجالية التركية للتعديلات الدستورية المقررة في 16 أبريل/نيسان المقبل في تركيا".



وذكر خبراء في القانون الألماني أن "الدستور يسمح بتنظيم الفعاليات على الأراضي الألمانية، والقانون كفل حرية الرأي والتعبير لجميع الزوار على أراضي ألمانيا. وهو ما تضمنته المادة 47 من قانون الإقامة". وأشار الخبراء إلى "حقّ الأجانب في الانخراط في الأنشطة السياسية في إطار التشريع العام، إلا أن هناك فقرة في المادة نفسها نوّهت إلى امكانية وضع قيود أو حظر، إذا ما تبيّن أن العملية من الممكن أن تهدد التعايش السلمي بين الألمان والأجانب أو السلامة والنظام العام، وإذا ما كانت تتعارض مع مصالح السياسة الخارجية للجمهورية الاتحادية الألمانية، أو لتعزيز جهود الأحزاب في الخارج، كذلك إذا كانت الأهداف والوسائل تتنافى مع القيم الأساسية لنظام الدولة التي تحترم كرامة الانسان". مع العلم أن ميركل وفي ردها على اتهامات أنقرة بإلغاء الحكومة الألمانية للتجمعين، قالت إن "القرار في تلك المسائل يعود للسلطات المحلية في تلك المدن ونحن نطبق حرية التعبير". إلا أن بعض الصحافة الألمانية، ومنها "دي فيلت"، انتقدت السلطات الألمانية على إلغائها التجمّعات التركية، وأوردت على صفحاتها ما مضمونه أن "على المجتمع الألماني أن يتحلّى بثقة كافية وأن يسمح للمسؤولين الأتراك بمخاطبة جاليتهم من دون تقييد لحرية الرأي".

وهو ما لفت إليه أيضاً العديد من المراقبين، في تأكيدهم على عدم الانجرار إلى رد الفعل ومعالجة الأمور بروية، مشدّدين في الوقت عينه على ضرورة أن "يتحلّى المسؤولون الأتراك الذين يودون مخاطبة جمهورهم في ألمانيا بالمسؤولية، والترفّع عن المهاترات والالتزام بسقف خطاب لا يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية في مرمى الآخرين".

اقتصادياً، اعتبر خبراء اقتصاد ألمان أن "العلاقات التي تربط البلدين مهمة ومؤثرة لكلا الطرفين، فالاقتصاد التركي يعتمد بشكل كبير على ألمانيا، على الرغم من تزايد معدل البطالة في تركيا أخيراً، والانكماش النسبي في الاقتصاد التركي خلال الربع الأخير من العام الماضي، الذي وصل إلى 1.8 في المائة، كذلك فإن برلين تُعتبر أكبر شريك لأنقرة، وأكثر من 10 في المائة من الصادرات التركية تذهب إلى ألمانيا تليها بريطانيا والعراق وايطاليا. وصُنّفت أنقرة من أهم 13 شريكاً تجارياً لبرلين، مع وصول نسبة الحركة التجارية بين البلدين العام الماضي إلى 7 مليارات يورو تقريباً. كما أن هناك العديد من الشركات التي تصدّر بضائعها إلى ألمانيا، وأهمها قطاع الملابس والنسيج، وتمّ تأسيس العديد من الشركات فيها لانخفاض تكاليف الانتاج وانخفاض الأجور.

وبلغت الاستثمارات المباشرة بين البلدين في عام 2015، بحسب تقارير اقتصادية 387 مليون يورو، وحلّت ألمانيا في المرتبة العاشرة، على الرغم من تزايد أعداد الشركات الألمانية العاملة في أنقرة، التي وصل عددها إلى 6491 شركة بينها 431 شركة حديثة النشأة. بالتالي فإن انسحاب الشركات الألمانية من السوق التركية سيشكل ضربة قوية للطرفين، في وقت تشهد فيه العلاقات التركية مع ايران تطوراً لافتاً، وهي قد تشكل مركز تنافس للشركات الأجنبية في المنطقة. بالإضافة إلى كل ذلك، فإن تحويلات المهاجرين الأتراك المقيمين في ألمانيا منذ عقود، سيتأثر بها الاقتصاد التركي مع انخفاض تدفق رأس المال الثابت من الخارج، في حال تطوّر الخلاف بين البلدين. وقد كشف المصرف المركزي الألماني أن "المبالغ المحوّلة في عام 2015 بلغت 826 مليون يورو، فيما بلغت حتى الربع الأخير من العام الماضي 657 مليون يورو".

في المقابل، فإن حركة السياحة من ألمانيا باتجاه تركيا تأثرت بسبب الوضع الأمني الذي عانت منه أنقرة، رغم أن تركيا كانت تعتبر وجهة تقليدية للألمان، إلا أن العدد انخفض في عام 2016 إلى الثلث. وكشفت الأرقام أن 3.8 ملايين ألماني زاروا تركيا، في مقابل 5.6 ملايين في عام 2015. مع ذلك بقي السائح الألماني صاحب الكتلة الديمغرافية الأكبر من السياح التي تزور تركيا. كما تستفيد تركيا من ميزانية الاتحاد الأوروبي ومن ألمانيا، بحكم اتفاق الهجرة الموقع في مارس/آذار الماضي من أموال تصرف على اللاجئين المقيمين على أراضيها، تصل قيمتها إلى 3 مليارات يورو على أن تستفيد أيضاً في عامي 2018 و2019 من ثلاثة مليارات أخرى.