ألمانيا ترفض زواج اللاجئات القاصرات

15 يناير 2017
ما زالت صغيرة على الارتباط (ألكسندر كورنر/ Getty)
+ الخط -

تحدّد ألمانيا سنّ الزواج القانونيّة بثمانية عشر عاماً. لكنّ المعنيّين اليوم، يجدون أنفسهم أمام معضلة زواج القاصرات التي ظهرت، خصوصاً مع موجات اللجوء الأخيرة.

جاء قرار المحكمة العليا في مدينة بامبيرغ التابعة لولاية بافاريا في جنوب ألمانيا، القاضي بقبول زواج فتاة قاصر لم يتخطّ عمرها 15 عاماً، ليسلّط الضوء على الخطر المترتّب على زواج القاصرات في ألمانيا. يُذكر أنّ مكتب رعاية الأطفال والقصّر في البلاد كان قد أبطل في وقت سابق زواجها من قريب لها.

طُرح ملفّ زواج القاصرات للبحث من قبل السياسيين ورجال الدين ورجال القانون في ألمانيا، لا سيّما أنّ السجل المركزي لشؤون الأجانب كان قد أظهر في إحصاءات أخيرة أنّ ثمّة زيجات كثيرة لقاصرات في البلاد. وبيّن أنّها تزيد عن 1475 حالة دون السنّ القانونية وأنّ معظمها أتت بين اللاجئين الذي هجّروا من دول الشرق الأوسط. فكانت القاصرات الأكثر عدداً من سورية، فيما تحدّرت الأخريات من أفغانستان والعراق بالإضافة إلى دول في أوروبا الشرقية كبلغاريا ورومانيا وبولندا. وقد تراوحت أعمارهنّ بين 16 و18 عاماً، فيما سُجّل زواج 361 طفلة لم تتجاوز أعمارهنّ 14 عاماً.

يقول خبراء في علم الاجتماع، إنّ عائلات كثيرة عمدت خلال هروبها إلى تزويج بناتها بهدف حمايتهنّ وعدم تعرّضهنّ للاغتصاب أو ما شابه. وهو ما أشار إليه صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة أخيراً، إذ أكّدت أنّ في 51 في المائة من زيجات السوريين يكون أحد الزوجَين (على الأقل) قاصراً، وغالباً ما تكون الزوجة. وقد أوضحت أنّه قبل اندلاع الحرب السورية، لم تكن النسبة تتجاوز 13 في المائة.

على خلفيّة الجدال السياسي والإعلامي، لم يكن أمام وزير العدل الألماني، هايكو ماس، الذي سبق أن أكّد مسؤولية الدولة في حماية الأطفال، إلا تشكيل مجموعة عمل تضمّ ممثلين عن أحزاب الائتلاف الحاكم ومندوبين عن الولايات وعدد من رجال الدين والقانون. أمّا مهمّتها فوضع مسوّدة يمكن من خلالها اعتماد آلية تحدّ من زواج الأطفال، خصوصاً أنّ ثمّة أولويّة في ألمانيا لرعاية الأطفال والمساواة في المعاملة بين الرجال والنساء. كذلك فإنّ زواج هؤلاء لا يتوافق مع المفاهيم والقيم السائدة في البلاد. تجدر الإشارة إلى أنّ القانون الألماني يحظر زواج من هم دون 18 عاماً، إلا أنّه سمح باستثناءات قليلة، منها ما يتعلق بالعقود المسجّلة خارج ألمانيا. فيأتي التعامل معها بحسب قوانين البلد الذي سجّل فيه العقد. وفي حالات أخرى، تسمح المحكمة المختصة بشؤون الأسرة بعقد القران شريطة أن يكون أحد الطرفين قد تجاوز 18 عاماً والآخر لا يقلّ عن 16 عاماً.




في هذا السياق، أوردت صحيفة "دي فيلت" الألمانية أخيراً، أنّ وزارة الداخلية اقترحت فرض غرامات مالية قدرها ألف يورو على الأئمة الذين ينظمون عقود زواج الفتيان والفتيات الذين تقلّ أعمارهم عن 16 عاماً. ومن المتوقّع أن تقدّم مجموعة العمل الاتحادية المختصة بمناقشة زواج الأطفال مشروع قانون لتعديل قانون الزواج، لكنّ هذا الأمر موضوع نزاع إذ إنّ قانونيين كثيرين يؤيّدون الإبقاء على القانون الحالي وما يتضمّنه من استثناءات، ومنها موافقة محكمة الأسرة أو القبول بعقود الزواج المبرمة في الخارج. كذلك، يشيرون إلى أنّ ما يحصل حالياً هو بسبب تدفّق الأعداد الكبيرة من اللاجئين، مشدّدين على أنّ المطلوب هو التمسّك بالنظام القانوني الألماني وعدم السماح وتحت أي ظرف بزواج من هم دون 16 عاماً وعلى اللاجئين التقيّد بذلك.

من جهتها، عبّرت مفوضة الحكومة لشؤون الاندماج آيدان أوزوغوز عن رفضها الحظر العام على زواج القصر، مخافة من أن يؤدّي ذلك في بعض الحالات إلى التهميش الاجتماعي. ولفتت في حديث صحافي إلى مجموعة "فونكه" الإعلامية، إلى أنّه في حال لم يُعترف بزواجهنّ، فإنهنّ سوف يتعرّضن للضغط الاجتماعي وسوف يفقدن حقّ الإرث والنفقة ويصبح أولادهنّ غير شرعيين وعودتهنّ إلى بلدانهنّ شبه مستحيلة.

في المقابل، كان لوزراء العدل في عدد من الولايات رأي آخر. من هؤلاء وزير العدل في ولاية بافاريا الذي طالب بأن يشمل التنظيم القانوني ليس الإلغاء فحسب إنما الإبطال، مشدداً على أنّ هذا الأمر أولوية لحماية الأطفال ورفاهيّتهم. بدورها، أكّدت منظمات حقوقية ومؤسسات من المجتمع المدني على أنّه لا يجدر أن يتضمّن القانون "منطقة رمادية" في هذا الملف، إذ إنّ زواج الأطفال دون 18 عاماً غير مقبول كلياً. ودعت إلى اتخاذ إجراءات سريعة ووضع مخطط يحظر هذا النوع من الزيجات على كل الأديان.

إلى ذلك، حذّرت منظمات إنسانية عدّة من هذه الزيجات، إذ إنّها تأتي بأكثرها بالإكراه، وبالتالي ثمّة خوف من تعرّض الفتيات لعنف جنسي بالإضافة إلى منعهنّ من التحصيل العلمي. إلى ذلك، لفتت جمعيات تهتم بشؤون المرأة إلى أنّها لا تعدّ الزواج في المساجد زواجاً قانونياً مدنياً، مشدّدة على أنّ الزواج من قاصرات هو استغلال جنسي للأطفال من قبل الرجال. وتبيّن الأرقام والتواريخ أنّ فتيات كثيرات جرى تزويجهنّ قبل اللجوء، في حين أنّ لاجئين كثيرين عقدوا زواجهم في المساجد داخل ألمانيا بعد تعارف داخل مخيّمات اللجوء.


المساهمون