أكراد سورية: أوّل مَن حملوا السلاح في وجه التنظيمات

18 يونيو 2014
يتخوّف الأكراد من تمدّد داعش (سافين حامد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يتابع أكراد سورية الأخبار المتسارعة من العراق، بعدما سيطر تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، على كبرى مدنه، وهو التنظيم الذي أعلن الحرب ضدهم في أواخر العام 2012.
ميدانياً، يسيطر "داعش" على الحدود البرية المتاخمة للمنطقة ذات الأغلبية الكردية في شمال وشمال شرق سورية، في الريف الشمالي لدير الزور جنوباً، وصولاً إلى بلدتي الشدادي والهول في جنوب الحسكة، وعلى مدينة الرقة، أكبر معاقله في سورية، غرباً.
وبعد انسحاب قوات النظام السوري من المناطق ذات الغالبية الكردية، صيف العام 2012، سيطر حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الفرع السوري لحزب "العمال" الكردستاني، تدريجياً على المنطقة الممتدة من ريف حلب، كوباني وعفرين، مروراً بمنطقة رأس العين، سري كانيه، وتل تمر والدرباسية وعامودا، إضافة الى القسم الأكبر من مدينتي الحسكة والقامشلي وريفيهما، انتهاءً بالمالكية أو ديركا حمو، بحسب التسمية الكردية.
وأسفرت المعارك بين وحدات "الحماية الشعبية"، التابعة لـ"الإدارة الذاتية الديمقراطية" الكردية من جهة، و"داعش"، وحليفتها اللدود "جبهة النصرة" من جهة أخرى، عن خسارة التنظيمات مناطق عدة، لصالح وحدات الحماية، كان آخرها منطقة اليعربية، تل كوجر، البوابة الحدودية بين سورية والعراق، والتي ما تزال تحت سيطرة الأكراد، وتل براك وتل حميس، وتقدمت باتجاه مناطق في ريف الحسكة الجنوبي".

ويروي سكان مدينة رأس العين، والتي تقع في أقصى الشمال السوري، قصصاً وحكايات عن الانتهاكات والفضائع التي ارتكبتها التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها "داعش" و"النصرة"، عندما قررت في نهاية العام 2012 تحرير المدينة من بقايا القوات الموالية للنظام السوري.
فبعد معارك استمرت لثلاثة أيام، أعلنت التنظيمات سيطرتها على المدينة، وأذاعوا من على منابر الجوامع، عبارات متشددة أشهرها: "سلّم نفسك تسلم"، بينما كان شعار: "مالكم مالنا وحلالكم حلالنا"، الأكثر تطرفاً.
وسط كل هذا، يبرز "الزعيم"، وهو رجل في عقده السادس، يرتدي زيّاً كردياً، شبيهاً بملابس قوات "البشمركة"، في إقليم كردستان العراقي. "الزعيم" من مواليد رأس العين، وأول كردي يحمل السلاح في وجه التنظيمات المتشددة، ويروي أنه "في عصر 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، شكلنا أول مجوعة كردية مسلحة مؤلفة من 12 متطوعاً من أبناء القرية لمحاربة الكتائب المتطرفة".
وأشار الى "أننا قررنا الدفاع عن أهلنا وشرفنا، وهم جاؤوا للسيطرة على هذه المدينة لأنها كردية، ونحن دافعنا عن وجودنا وتاريخنا وإرثنا".
"احتلت التنظيمات المتطرفة رأس العين بحجة تحريرها من النظام السوري. وبرأيي، جاؤوا ليحتلوها، وقام مقاتلوهم بنهب وسرقة ممتلكات سكانها واعتدوا على كرامات الناس"، حسب ما لفت الناشط في مجال حقوق الانسان، محي الدين عيسو، لـ"العربي الجديد". وجزم بأنّ "لا حاضنة اجتماعية لمثل تلك التنظيمات في المناطق الكردية، ولم تتمكّن من اختراق تلك المناطق، لوجود قوة سياسية وعسكرية واجتماعية متماسكة للأكراد من ناحية، وللاختلاف الجذري بين قيم وعادات المجتمع الكردي عن قيم التنظيمات الجهادية من ناحية أخرى".
ورأى الصحافي، سيرالدين يوسف، وهو من أبناء مدينة القامشلي، شمال شرق سورية، أن "أكراد سورية معنيون بالدرجة الأولى بحروب داعش ومشتقاتها، كونهم أول مَن حاربوا هذه التنظيمات على صعيد المنطقة، وقدموا أكثر من 500 شهيد في سبيل حماية شعبهم ومناطقهم من هؤلاء الجَهَلة والمتخلّفين".
بينما استبعد رئيس "الاتحاد الديموقراطي"، صالح مسلم، "قدرة داعش في السيطرة على كامل الحدود العراقية ـ السورية"، مشيراً الى أن "التنظيم حاول السيطرة على معبر تل كوجر بعد سيطرته على الموصل، لكن مقاتلي البشمركة ووحدات حماية الشعب قاتلوه وصدّوه في قرية السلمية على بعد نحو 20 كيلومتراً من تل كوجر".
ويشكل هذا التنسيق بين البشمركة، في إقليم كردستان العراق من جهة، ووحدات الحماية الشعبية الكردية في سورية، من جهة ثانية، أول عمل مشترك بين الجانبين، بحسب كلام مسلم.
بينما لفت المتحدث الرسمي باسم "مجلس شعب روج أفا" (كردستان الغربية)، شيرزاد عادل اليزيدي، الى أنّ "الهجمة التي تقودها داعش ضد أكراد سورية، وصلت الى حد ارتكاب جرائم التطهير العرقي والابادة الجماعية، كما حصل في تل عران وتل حاصل في ريف الحسكة".
وأوضح "ذهب الحقد العنصري بهذه الجماعات الى درجة تحليل دم الأكراد وأعراضهم وممتلكاتهم، وأخذوا ينادون في الجوامع معلنين جهادهم ضد الأكراد، كما حصل في كري سبي أو تل أبيض بريف الرقة".
وأشار الى أنّ "وحدات الحماية الشعبية أثبتت على مدى عامين متتاليين كفاءتها العسكرية وسطّرت عشرات الملاحم البطولية". وأضاف أنّ "داعش سيطر خلال أيام على كبرى مدن العراق، غير أنه لم يستطع خلال عامين التقدم شبراً واحداً نحو المناطق الكردية في سورية".
 
وتخوّف العديد من مسؤولي الادارة الذاتية الديمقراطية المشتركة، من أن تؤدي التطورات الأخيرة وتوسّع حروب داعش في سورية والعراق، الى تهديد شامل لأمن المنطقة، وتهديد النسيج الاجتماعي والسلم الاهلي والاستقرار الاقليمي والدولي.
ومن حق مسؤولي الإدارة الخشية ممّا يجري، كونهم يعتبرون أن الاتفاق بين الأطراف الكردية والعربية والسريانية، التي قسّمت مناطق شمال وشمال شرق سورية الى ثلاث كانتونات: مقاطعة الجزيرة، مقاطعة كوباني، مقاطعة عفرين، نموذج حلّ لسورية المستقبلية، وتعكس صورة الدولة الديمقراطية التعددية اللامركزية.
من جهته، أكد منسق العلاقات الخارجية لحركة "المجتمع الديمقراطي"، أحد مسؤولي الادارة الذاتية، عبد الكريم عمر، أن "أكراد سورية يتعرضون للهجمات منذ نحو عام من التنظيمات، بدعم ومساندة من دول إقليمية تتصدّرها تركيا". وأشار الى أن "الأكراد خاضوا معارك شرسة مع داعش، واستشهد المئات من الضحايا المدنيين العُزّل، وأرسلوا لنا سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وارتكبوا مجازر بحق المدنيين".
من ناحيته، اعتبر المحلل السياسي الكردي، صلاح بدرالدين، أن "غزوات داعش الأخيرة تهدف الى فرض حصار على إقليم كردستان، لإجهاض تجربته الديموقراطية الفيديرالية الواعدة، واجبار قيادته على التخلي عن مواقفها، لا سيما الموقف من الملف السوري عموماً ومن القضية الكردية على وجه الخصوص".
وأكد أنّ "المنطقة تتجه نحو مزيد من الانقسامات والمواجهات". وحذر من "اندلاع المزيد من الحروب الطائفية والمذهبية بعد فتنة داعش في حربها الأخيرة".

المساهمون