أكتبُ عن آشبري (3/3)

01 فبراير 2018
(غرافيتي على قطار الأنفاق في بوخارست، رومانيا)
+ الخط -
لم أتوقف عن الخروج برفقة إيرينا، ولو لعدة مرّات في الأسبوع، وبدأتُ أشعر بالأُلفة تجاهها. لم أعد أشعر بأنها قبيحة؛ كان جسدها رشيقاً وتشرب معي ونحن متلاصقان. لم يكن يتخلل حديثنا الكثير من المواضيع، لكنّنا أحببنا الترنّح سكْراً والرّقص مع أيّ أحد آخر خارج الوقت المخصّص، مصطدمين بكل شريكين فتيّين جميلين. وكان ذلك الادّعاء الهادئ: القبيحون الفاسدون يحاولون تصيّدَ الطالبة الريفية نقيّة الوجه وحسنة اللباس.

كانت من منطقة فاليني دي مونتي وكانت نُكتتي الوضيعة المفضّلة، أن أصلها يعود إلى المكان الذي اغتيل فيه يورغا، وحُشِيَ عضوُه الذكري في فمه، وهو تفصيل لم يكن موثوقاً للغاية، لكنه كان يجعلها تضحك وتقرصني على سبيل الدعابة. لم نقم بأشياء خارقة للعادة سويةً، لأنني لم أكن أحب أكثر من الشرب في مقاهي الهواء الطلق، وتحويل نفسي إلى فرجة، بينما تجلس هي إلى جواري وتؤدي دور الجوقة. كان يعتريها الحزن أحياناً، فأحاول تخفيف وطأته وأصبح أكثر آدميةً. لم أدرِ إن كنتُ أصبتُ النجاح في ذلك. لم يتجاوز الأمر أننا تبادلنا القبلات مرات قليلة، وحين كانت تمسّد مؤخرة عنقي كنتُ أصاب بفورة غضب، لأن عذوبة كهذه تُصيبني بالاشمئزاز.

ذات ليلة، وكان كلانا مفلساً، دعتني إلى حيث تقيم. قالت بأنه لن يكون هناك مشكلة من طرف أخيها ميرتشا، الذي سيكون سعيداً برؤيتها رفقة فتىً. لم أوافق في البداية، لأنني كنتُ ثملاً حتى التشوّش، لكنها راودتني بدماجانة نبيذ من فاليني (المكان الذي اغتيل...). وبهذه الوسيلة وصلنا إلى السور في الثانية صباحاً. تبعتُها على رؤوس أصابع قدميّ إلى الحديقة وانتظرتُ حتى هدّأتِ الكلب الألزاسي المهتاج. ثم دخلنا المنزل.

قادتني في الظلام إلى غرفتها التي تشبه المقصورة وفي داخلها فرشة تنام عليها. خرجتْ من الغرفة ثم سرعان ما عادت بدماجانة خرافية وكأسين. تحولتُ إلى وضعية الطيار الآلي من جديد، أشرب- أدخّنُ- أتكلّم دون هدف محدّد عن يدِ بارميغيانينو المهولة، عن التحوير الأسلوبي، الذي هو المعادل المنهجي للخراب الداخلي، عن لورين والرزانة الوصفية التي بها وضع حداً للضوضاء، ثم واثباً خمسة قرون للأمام إلى "مدرسة نيويورك"، التشدّد، التصويرية التي ترى في الصورة مكوِّناً ثقافياً واجتماعياً وسياسياً.

تمدّدنا على فرشتها وبدأنا نتبادل القُبَل، لكنّني بدأتُ أشعر بالدوار وبالكاد تسنّى لها أن تقفز من جانبي قبل أن أتقيّأ كمّاً مهولاً من البيرة والنبيذ على كامل فرشتها، ضاحكاً ضحكاً هستيرياً وسط نعيب لهاثيَ الذي تخلّل دفقات القيء. أمضينا في تنظيف الفرشة حتى الصباح، نعمل جنباً إلى جنب، وقد جعلتني هذه الحادثة العرضية أشعر بالقرب منها أكثر من أي وقت مضى. حتى إني أخبرتها كم كنتُ أشبه "سباد" في Trainspotting، مع فرق أني أفضل حالاً منه بقليل.

خرجتُ، فأمامي نهار شاقّ في مكتب الجريدة الأولى، في House of the Spark. كان السيد ميريل قد طلب مني تحقيقاً حول متاجر الكتب المستعملة التابعة لمقاطعة بوخارست. أمضيتُ الأسبوع الفائت في تجميع البيانات، والقيام بجولات على كافة المكتبات التي أعرفها، لكن في ذلك اليوم كان يجب أن أعرض أمامه شطراً من النص المكتوب، هذا إذا لم يكن كامل التحقيق المؤلَّف من خمسة وعشرين ألف كلمة. 

ركبتُ المترو إلى آفياتوريلور. حين خرجت من المحطة، كان ضوء النهار قد طلع، لذلك توقّفتُ عند حانة قرب موقف الحافلات وشربتُ كأسين من بيرة البراميل. تجرعتُ الأول بصعوبة، لكن حين بدأتُ بالثاني، كنتُ قد دخلتُ المنطقةَ حيث يبدأ المرءُ الشعورَ بالخلود. لم أعد أحسّ بالألم الواخز في رئتي اليسرى بل بإحساس مَن غسله ماء تشطيف الصحون الوسخة من خزْيِه المتدفق خارجاً على شكل موجاتٍ. ذكّرتُ نفسي بأنني كنت بصدد الكتابة عن آشبري وأنه يجب ألا ألقي بالاً لأخلاقيات الدهماء، للفيلّات على سترادا أوسترولوي، أو لكلّ ذوات الأعضاء الأنثوية اللواتي أثقلن كاهلي.

في المكتب كان عملي مُثمراً. وريثما وصل بقية الموظفين، كانت ساعة قد مضت وأنا منكبّ على الكتابة ثم خلال الاجتماع عرضتُ على السيد ميريل نصاً مطبوعاً من عشرة آلاف كلمة. أبرزَ السيد ميريل شفته السفلى من تحت شاربيه، ومضى في القراءة وهو يكاد يومئ علامةَ الاستحسان، بعدها بدأ بتوبيخ ميرتشيوني لعدم إصغائه، لكن ميرتشيوني لم يكن يصغي لأن أذنيه كانتا تطنّان إثرَ دوارِ خمرةٍ بحجم البيت.

كان التحقيق ناجحاً. وبعد ذلك حلَّ نهار آخر وليل آخر.

في ذلك المساء تلاقى خمسةٌ منّا في مقهى أرجنتين. حضرتْ صديقةُ صديقٍ مع البنت ذات العينين الزرقاوين الواسعتين والرأس الحليقة، التي لاحت مثل فتاة فرقة الـ"سْكُوْنْكْ أنانسي" مع فرق أنها بيضاء. بدأت بجدال معها عبر الطاولة، لأنها أميل قليلاً إلى أن تكون اشتراكية ولديَّ مشكلة مع الاشتراكيين: كنت أظنّهم مثل هاتين الشخصيتين في الرسوم المتحركة، هِكْل وجِكْل، اللذين كانا دائماً يُبديان اعتراضات تافهة من موقعهما على الهوامش.

وكانت بالإضافة إلى ذلك مسألة كبرياء: كانت طالبة رياضيات في سنتها الأخيرة، أكبر مني عمراً، وتعيش على المال الذي يُحوَّل إليها من قبل والديها، اللذين كانا فلاحين من مكان ما قربَ موريني، لكن هنا في بوخارست كانت ممتلئة حدَّ الانتفاخ بالشأن المتعلّق بالطبقة العاملة، في حين أنه كان عليَّ السعي ذاهباً آيباً بين مكتبيّ صحيفتين، والكفاح كي لا أفقد منحتي الدراسية.

لكن بغض الطرف عن ذلك الادّعاء، كنتُ مستاءً من تانيا: كان لصوتها رنّة حلقية تشوبها خشونة أرجعتُها إلى رفعة الطبقة؛ كانت شفتاها مكتنزتين، شهوانيتين وذات ابتسامة محبّبة. كانت مشكلتي في أنني أجلس إلى جوار إيرينا، التي توجسّت إزاء شيء ما يحدث. كان عليَّ أن أهدئ من روعها بطريقة ما فبدأت بتقبيلها، لكن الغرض الأهم كان استفزاز الأخرى.

ثم بعد برهة، وبالتحديد، بعد أن طلب أحدهم زجاجة فيرنيه، بدأت الأشياء تحتدم؛ توقفتُ عن إبداء اللطف والاهتمام وأرسلتُ غمزة غرام إلى تانيا بأقصى ما يمكن من الوضوح، بينما لم أزل ممسكاً بيد إيرينا. لا أتذكّر الآن الترتيب الذي تنامت وفقَه الأحداث، لكن ما هو أكيد أن إحداهن اقترحت أن نذهب إلى مدينة سيبيو في تلك الليلة بالضبط، لأن صديقة لهن تملك شقة حيث ستسمح لنا بقضاء عطلة نهاية الأسبوع.

أبدت إيرينا اعتراضاً بسيطاً، لكنني أبطلْتُه. جمَعْنا ما لدينا من مال ووجدنا أن ما بيننا أقلّ من مليون "لِيو". لذلك قررنا أن نرشوَ بائع تذاكر القطار ليدعنا نسافر من دون هذه التذاكر. اشترينا بعض كحول تانيتا المنكَّه بالقهوة من المحطة وأتذكر الآن بوضوح العتمةَ بين مقصورات القطار، حيث تشاركنا لفافات الـ Kent، مع طعم الكحول المقيت، وبعد ذلك قاطع التذاكر الذي لم يستطع تلقي الرشوة لأنه كان مرَاقَباً من قبل المفتّش، وهو الذي أنزلَنا من القطار في سينايا.

أحد الفتيان الذين رافقونا غيّر رأيه وقرّر العودة إلى بوخارست، الذي أبقانا نحن الخمسة: أنا، إيرينا، تانيا، يوانا أخت تانيا، وكاتا، الذي كان ضمن دفعتي في الجامعة. اشترينا زجاجة فودكا تشاوشيسكو من كشك المحطة وبدأنا تمريرها فيما بيننا، ونحن نحاول بأصابع إبهامنا إيقاف سيارة عابرة ما على طريق سيناي المتحلق. ويا لمفاجأتنا، إذ توقفت في نهاية الأمر شاحنة مغطاة بقماش بلاستيكي وقال لنا السائق إنه سيقلّنا إلى براسوف، إذا أردنا.

صعدنا إلى صندوق السيارة، وسط الإطارات، أرهقتنا الارتجاجات المرعبة لهذا الكركدن الصاخب الذي يسمى شاحنة، إلى أن غفوتُ بين ذراعي إيرينا، وأنا أفكر بـ تانيا، البنت ذات العينين الواسعتين التي تجلس إلى جوارنا في الظلام، وبوجه تشاوشيسكو على زجاجة الفودكا التي حملت اسمه. وحلمتُ كما في الطفولة أنني أطير في شاحنة سحرية، وفي صندوقها احتشد كلّ أولاد صفّيَ الدراسي، وأني أمسك بيد فلورنتينا، البنت التي كانت تجلس على المقعد المجاور.

من براسوف تابعنا الاعتماد على السيارات العابرة وفي موضع ما حول كودليا افترقنا، لأن بيك-أب الـ داسيا توقّف ليقلَّ كاتا ويوانا ولم يكن ثمة متّسع للباقين منا. بالضبط لحظةَ انولَدَ أملٌ، رجل خمسينيّ، يقود فولسفاكن غولف، ركنَ وأوصلنا إلى ضواحي سيبيو. احتل ثلاثتنا المقعد الخلفي وأمسكت بيد إيرينا، التي كانت إلى يميني. في حين كانت يدي اليسرى طليقة إلا من الاحتراق بمجاورة جلد تانيا. بعد وهلة، قامت بالمبادرة وقبضت على يدي، من تحت سترتي الملقاة في حضني. أكملتُ السفر إلى سيبيو، ممسكاً بيد كلٍّ منهما، وإلى أن ترجّلنا من السيارة، عرفتُ ماذا كان يجب أن أفعله.

انطلقت تانيا إلى مركز المدينة للقاء الآخرين، أما إيرينا وأنا فذهبنا إلى حانة. لقد عرفتْ بالأمر. طلبتْ صودا، وطلبتُ بيرة.

- "انظر، دعني أقل لك بوضوح: أحب تلك الفتاة تانيا. أحبها جداً...".

نظرتْ في عينيَّ ثم أخفضت نظرتها. شعرتُ بالأسى لكبريائها الممرّغ، لسترتها الواقية من المطر، لأظافرها بالطلاء الباهت.

- "ألم يكن بوسعك أن تقول لي ذلك في بوخارست؟".

لا أتذكر ما الذي تمتمتُ به كجواب. لكن في ذلك الحين لم يعد اهتمامي منصبّاً عليها، كنتُ بكل بساطة أتظاهر بالاهتمام، بالنسبة إليّ كان أكثر ما يشغلني كتابتي عن آشبري وأنني محتاج إلى أقذر ما أمكنني من التجارب. أعلم أنها صفعتني على وجهي وأراقت بيرَتي فوق رأسي، ما نتج عنه طردنا من الحانة ثم وقفتُ معها على جانب الطريق إلى أن تمكّنت من العثور على ركوب مجاني في سيارة تُعيدها إلى بوخارست. بعد أن ركبت الـ داسيا سوبر نوفا، مدّت رأسها من نافذتها وصرختْ: "أتعرف ماذا أيها الـمُستمني الرخيص؟ لم تخبرني أبداً عمّا يهتمّ ويُعنى به آشبري!".

وهكذا التقيتُ بـ تانيا.

بعد أن خربشتُ على جدران شقّته، استشاط سيزار الرجل الذي يعمل في كونيكس غيظاً، وكان سبب ذلك نفوره من القصائد أكثر مما هو تلطيخ الجدران. أجبرنا على إعادة طلائها وأنذرَنا بأنه علينا الانتقال. كان طول سيزار ستَّ أقدام وستّ بوصات ولم يعنِ شيئاً كم كان هيبياً، فلم يكن يتورع عن ضربك بمنتهى القوة، ولذلك بدأنا البحث عن مسكن آخر. ارتأتِ الفتاتان أنه من حيث يتوجب علينا الانتقال بكل الأحوال، فيجب اختيار مكان أكبر، وبذلك لن يتوجب علينا تحمّل كلّ منّا الاصطدام بالآخر في نفس الغرفة مثل الحشّاشين.

أعلمْنا الجميع بذلك فأخبرَنا أحد شركاء الشرب في Fat Man's أن شخصاً يدعى فيليب يريد الانتقال من شقة بثلاث غرف تقع قبالة متجر تيتان الكبير. وأكّدنا له بأننا معنيون بالانتقال وذات مساء التقينا به وزوجته التي كانت حبلى. كان مدمن خمور كبير بنفس القدر الذي كنتُ عليه، وبقينا نشرب حتى الرابعة فجراً، الساعة التي تستجمع فيها الجرذان شجاعتها وتبدأ بالتراكض بين قدميك تحت الطاولة. أخبرني أنه يريد تغيير حياته، وذلك كان سبب انتقاله؛ فتلك الشقة باتت تلوح بعيدة للغاية، ولم تكن المكان الأمثل لتربية طفل. في ذلك الحين، لم أفهم ما الذي كان يعنيه.

بعد ثلاثة أيام، قرعنا باب فيليب. فتحَ الباب وهو في سرواله الداخليّ وابتسامة عريضة على شفتيه. وعلى العكس تماماً، لم تبتسم زوجته آنكا. دخلنا، بوجل، وحالما وطئتْ قدماي غرفة الجلوس، فهمتُ. فهمتُ وفي تلك اللحظة بعضاً من الحال. كانت الشقة رائعة: فسيحة، بثلاث غرف نوم، وشرفتين، إحداهما كانت طويلة للغاية. لكن لم يكن بوسعك التجوّل فيها. قد مضى على فيليب زمن مديد مذ أقلع عن قذف زجاجاته الفارغة إلى الخارج.

ثمة في غرفة الجلوس سبيل وحيد للمرور، بالكاد يكفي اتساعه لأن تسير فيه، بمحيط زجاجاتٍ من كل صنف وقياس على الجانبين. كان الأمر ذاته ينطبق على الغرف الأخرى وعلى الشرفتين. ابتسم فيليب بأُنْسٍ؛ بدا صحيح الجسم، بل وافر العافية. لديه شيء من الكرش، لكن بغض النظر عن ذلك لم يبدُ كمن تجرّع أطناناً من السُّمّ. كان في الخامسة والثلاثين، وأنكا أصغر منه بخمس سنوات، غير أنها بدت أكبر من ذلك بكثير، بالجيوب الملوّنة بلون الندوب تحت عينيها. صافح كلٌّ الآخرَ على سبيل الاتفاق وأثناء نزولي في المصعد، شعرتُ بأنني أكاد أنفجر باكياً. لكنني ضبطتُ نفسي، لأنني على عكس أيّ أحد آخر، كنتُ أكتبُ عن آشبري وذلك ما استنهضني مهما بلغ سوء الحال.

استغرق الأمر أسبوعاً حتى تخلّصنا من آخر زجاجة، حتى مسحنا آخر الرواسب عن غطاء الأرضية، حتى أتممنا تهوية الشقة، وتخفيف بعض حدة الرائحة الكريهة كرائحة القبور. في تلك الليلة حلمتُ بمولود أنكا، مُجهَضاً، يُشفَط من الرحم كجيفة من تابوت، أخضرَ، بلون الندوب، بعينين مفتوحين على اتساعهما، اللتين كانتا عينيّ تانيا. انتقلنا إلى الشقة ورغم أننا توقعنا أن يكون كل شيء أفضل بكثير مما كان، إلا أننا أدركنا أن كلَّ فتنة كللتْ حياتنا السابقة المشتركة قد كمنتْ في شروط شقة الغرفة الضيقة، فنحن ههنا معزولون ضمن غرف منفصلة، ضمن شراكات منفصلة، ما كان يعني أننا الآن مُكرَهون على تبادل النظرات وحتى على التحدّث فيما بيننا. لم أعد أحب عينيّ تانيا؛ وكان من الجليّ أنها لم تعد تحبني هي الأخرى.

استثار كلٌّ منا عصبية الآخر، هي باشتراكيتها، وأنا بنخبويّتي. وأحياناً خلال الشتاء، خطر لي أنني لم أعد أريد الكتابة عن آشبري، وبدلاً عنه سأكتب عن بارميغيانينو؛ أدركتُ أن مدرسة نيويورك قد نالت مني وأتلفت أعصابي وأنني عالق في معبرٍ سيء من إحدى روايات التيار السائد. بين فترة وأخرى أفكر بـ إيرينا، غالباً مع تبكيت، الذي غالباً ما أمرّ به في هذه الفترة، ذلك أنني لم أعد أكتب عن آشبري. كما أنه الشتاء حين حدث وانفصلتُ عن تانيا: فقد وجدتْ في النهاية عملاً في الأبحاث، وكانت تخونني مع زميل قديم في الأربعين من عمره، وفي نفس الآن كنت أخونها مع امرأة التيقتُ بها في حفلٍ.

عدنا إلى بعضنا عشرات المرات، لكننا لم نستمر معاً لأكثر من يومين. وذات ليلة، عدتُ إلى البيت متأخراً للغاية، ثملاً حتى الانطفاء، واستلقيتُ كي أنام على ممسحة الأقدام في الردهة. حين أقبلت تانيا لتوقظني وتلتمس مني ألا أعكّر صفوها بعد ذلك، شرحتُ لها فحوى كلّ ما كتبه آشبري، وما مكنون الحميّة التي تضطرم في صدري. وقلتُ إني أعتذر عن كلّ شيء، عن كل شيء قد حدث بالمطلق، وإني سأطرد نفسي عن ممسحة الأقدام، لولا أن ممسحة الأقدام الخاصة بي كانت، بمعنى أو بآخر، ملتصقة بجلدي.


بطاقة: ولد Bogdan-Alexandru Stănescu عام 1979، وهو شاعر وكاتب ومترجم روماني، يعمل أستاذاً في جامعة بوخارست. له في الشعر: "حين، بعد المعركة، التقطنا أنفاسنا" (2012)، و"آناباسيس" (2015). وكتابا مقالات: "ما الذي يبقينا بعيدَين، رسائل من نزل مانوك" (الصورة، 2010)، و"أدخلِ الشبحَ، رسائل متخيَّلة إلى أوسيب ماندلشتام" (2015). ترجم أعمالاً لـ تينيسي ويليامز، وجيمس جويس، وساندرا نيومان، وألبرتو مانغويل.

* ترجمة: أحمد م. أحمد

 
دلالات
المساهمون