أقليات وشغب على طريق البيت الأبيض

20 مارس 2016
من أحداث الشغب في يوتا (جورج فري/Getty)
+ الخط -

اتخذ مسار الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية منحى تصادمياً، بعد أحداث شغب وقعت، أمس السبت، في ولاية يوتا، في ظلّ غياب المرشح القادر على مخاطبة الأميركيين عموماً، إذ إن كل مرشح يركز اهتمامه على فئة أو شريحة اجتماعية معينة يعتقد أنها قادرة على ترجيح فوزه على منافسيه.

في سالت لايك سيتي، عاصمة ولاية يوتا، اندلعت أعمال شغب، أمس، بين أنصار رجل الأعمال الساعي لتمثيل الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة دونالد ترامب، ومحتجين على خطابه المعادي للقيادي في الحزب، مرشح الرئاسة السابق، ميت رومني.

بدأ كل شيء حين كانت محطات التلفزة الأميركية تنقل خطاباً مسائياً لترامب في المدينة، تعرّض فيه لرومني. وتساءل ترامب في الخطاب ما إذا كان "رومني ينتمي فعلاً لطائفة المورمون (التي تُعدّ سالت لايك سيتي معقلاً رئيسياً لها) أم لا؟". وجاء هجوم ترامب على رومني رداً على الهجمات المتكررة للأخير ضد ترامب. وبعد خطابه احتدمت الصدامات بين أنصار ترامب ورومني من جهة، كما بين الشرطة وأنصار رومني من جهة أخرى.

وتكشف حالات الشغب ازدياد حدة الاعتماد على تناقضات المجتمع وانقساماته خلال الانتخابات التمهيدية، لأن التنافس في هذه المرحلة لا يتم بين حزبين كبيرين كما هو الحال في الانتخابات العامة، بل يكون الصراع بين فكرين متناقضين، هما في العادة الفكر الليبرالي الذي يمثله الديمقراطيون، والفكر المحافظ الذي يمثله الجمهوريون، وليس بين مكونات اجتماعية عرقية أو دينية.

أما في الانتخابات التمهيدية، فإن التنافس يتم داخل الحزب الواحد، المتجانس فكرياً وسياسياً إلى حدّ كبير، فيضطر كل مرشح في محاولته لكسب التأييد، إلى اللجوء لتناقضات أخرى، تكون في الغالب اجتماعية لا سياسية. وفي بداية هذه المرحلة كان عدد المرشحين كبيراً ويكاد يمثل جميع أطياف المجتمع الأميركي، ولكن الانسحابات التي تلاحقت على وقع تتالي المراحل الانتخابية، اختصرت العدد إلى أربعة مرشحين في المعسكر الجمهوري، واثنين من المعسكر الديمقراطي.

في السياق، ينتمي أربعة من المرشحين إلى الأغلبية البيضاء وواحد إلى الأقلية اللاتينية، أما الأميركيون السود الذين ينتمي إليهم الرئيس الحالي باراك أوباما، فقد انسحب مرشحهم الجمهوري جراح الأعصاب بن كارسون، فيما غابت الأقليات الأخرى عن المنافسة منذ البداية. غير أن المرشحين البيض الأربعة (اثنان من الحزب الديمقراطي واثنان من الحزب الجمهوري)، وزّعوا اهتماماتهم على فئات اجتماعية محددة.

اقرأ أيضاً: إندبندنت: مستوى ترامب اللغوي يلامس طفلا بـ11 عاما

لدى مجتمع الأميركيين السود، تُركّز الساعية للحصول على الترشيح الديمقراطي هيلاري كلينتون، على أصواتهم، فتزور كنائسهم وتحضر مناسباتهم ومهرجاناتهم، سواء في أوهايو أو ديترويت أو فلوريدا، وكذلك في الولايات الجنوبية، التي تزداد كثافة الأميركيين السود فيها، الذين يعود إليهم الفضل في النجاحات التي حققتها كلينتون هناك.

أما سبب تركيز كلينتون عليهم، فنابع من تجربتها المريرة عام 2008، عندما هزمها منافسها المغمور حينذاك باراك أوباما بسبب تأييد هؤلاء له. ومن اللافت أن كلينتون أهملت القطاع النسائي، اعتقاداً منها أنها ستحصل تلقائياً على تأييد النساء، كما أهملت الأغلبية البيضاء، للسبب عينه.

بالنسبة لمجتمع الأقلية اللاتينية، فإنهم يؤيدون تلقائياً المرشح الجمهوري تيد كروز من تكساس، بعد انسحاب الجمهوري الآخر ماركو روبيو من فلوريدا. مع ذلك، لم يبذل الثنائي أي جهد لكسب تأييد اللاتينيين، علماً أن محاولات روبيو، قبل انسحابه، في كسب تأييد فئات أخرى باءت بالفشل، في حين كان الوضع أفضل بالنسبة لكروز.

بعيداً عن المجموعات العرقية، لا يبدو أن هناك من يخاطب شرائح الشباب والعمال والنساء والفقراء، أكثر من المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، الذي مكّنه تركيزه على هذه الفئات من أن يصبح مفاجأة الموسم الانتخابي، وأن يحقق انتصارات لم تكن متوقعة على كلينتون. ومع أنها تقدّمت عليه في الولايات الجنوبية، إلا أنه يأمل من جانبه في أن يهزمها في ولايات الشمال والغرب، لا هي فحسب، بل أيضاً أي منافس جمهوري قد يواجهه لاحقاً. وما جعل ساندرز متقدماً، هو وعوده للطلاب الشباب بالتعليم المجاني، والتطبيب المجاني للنساء وكبار السن، فضلاً عن وعوده لعمال المصانع برفع أجورهم وتحصينهم من منافسة السلع الأجنبية لمنتجاتهم.

في مجتمع الأميركيين البيض البروتستانت، يبدو ترامب الوحيد، تقريباً، الذي يمثل مصالحهم، وقد استطاع استقطاب نسبة كبيرة من هذه الفئة، بأساليب غير مباشرة عن طريق مهاجمة الأقليات الدينية والعرقية الأخرى والمهاجرين، بجرأة غير مسبوقة، إلى درجة أنه أصبحت تُطلَق على ترامب ألقاب عدة، منها "عدو الكاثوليك" و"عدو المورمون" و"عدو المسلمين"، فضلاً عن المكسيكيين والمثليين جنسياً وغيرهم.

ولم تكن هجمات ترامب على الأقليات نابعة من فراغ، بل لتحقيق أهداف مدروسة، كونه أدرك أنها الوسيلة المثلى لكسب الأغلبية البيضاء، عن طريق إثارة مخاوفها من فقدان مصالحها ونفوذها لصالح الأقليات العرقية والدينية، أو لصالح المهاجرين الآتين من كل بقاع الأرض. بهذه الطريقة استطاع ترامب أن يحقق الفوز الكبير في عدد كبير من الولايات، وفي مقابل خسارته لناخب واحد من الأقليات، يكسب ثلاثة ناخبين على الأقل من المنتمين للأغلبية البيضاء، سواء كانوا ديمقراطيين أم جمهوريين.

أما بالنسبة للانتماء الجغرافي، فلم يرفع ورقته سوى المرشح الوحيد، الذي لم يحقق أي انتصار يذكر حتى الآن في أي ولاية من الولايات، وهو حاكم ولاية أوهايو الجمهوري جون كيسيك، الذي لم يلجأ لأي عصبية عرقية أو دينية تدعمه ولم يجد أي فئة اجتماعية يهاجمها أو تهاجمه، الأمر الذي جعل حملته توصف بأنها "بلا طعم ولا لون ولا رائحة"، فقرر في النهاية التخندق في ولايته أوهايو، والعمل على كسبها بتركيز حملته على أريافها ومدنها الصغيرة، أما المدن الكبرى، حتى وإن صوّتت له حالياً، إلا أنها لن تمنح أصواتها إلا لمرشح ديمقراطي، كما جرت عليه العادة في الانتخابات السابقة.

ويبدو أن دور حاكم أوهايو المتفق عليه مع قيادات حزبه، في البقاء في السباق الانتخابي، يهدف إلى حرمان ترامب من أصوات ولاية أوهايو، في سياق المحاولات الجمهورية لقطع الطريق على ترشيح ترامب، واختيار غيره، في المؤتمر الحزبي المقرر بين 18 يوليو/ تموز المقبل و21 منه، في كليفلاند ـ أوهايو.

التغيير المتصاعد في التركيب السكاني للمجتمع الأميركي لصالح ذوي الأصول اللاتينية، ومخاوف الجمهوريين ممّا يخبئه المستقبل لهم، دفع الحزب إلى إيلاء اهتمامه الكبير بالأقلية اللاتينية، لدرجة العمل على عرقلة ترامب لصالح كروز.

وقد تزايدت رغبة الجمهوريين في الاستفادة من هذه الأقلية، منذ أن نجح خصومهم في الحزب الديمقراطي في كسب النسبة الأكبر من السود، ولولايتين متتاليتين، عن طريق ترشيح أوباما للرئاسة. ويعتقد الجمهوريون أن الأقلية اللاتينية يمكنها أن ترجّح كفتهم في المراحل المقبلة، إذا تمكّن الجمهوريون من استقطاب الأميركيين الناطقين بالإسبانية، والمرتبطين بجذورهم في دول أميركا الجنوبية والوسطى.

اقرأ أيضاً: يهود أميركيون يتقرّبون من ترامب... لضمان مصالح إسرائيل

المساهمون