أثار إعلان نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم، الذي ينتمي عرقياً إلى قومية الأزبك القاطنين في شمال أفغانستان، عن عمله على تشكيل مليشيات خاصة، يبلغ عدد جنودها نحو عشرين ألفاً لمساندة الجيش الأفغاني في مجابهة الجماعات المسلّحة، استغراب الشعب الأفغاني وقلقه، كما أعاد إلى أذهان الأفغان الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها المليشيات التي شكّلتها الحكومة الأفغانية الموالية للاتحاد السوفييتي عام 1979 لمواجهة المجاهدين، والتي سيطرت على مناطق في أفغانستان حتى مجيء حركة "طالبان" إلى الحكم عام 1996. وكان دوستم قائد مجموعة مليشيات تنتمي إلى عرقية الأزبك، تُسمى مليشيات "كلم جم" والذي يعني في اللغة المحلية "سارقي السجاد".
وبرر دوستم فكرة تشكيل المليشيات بقوله إن "الوضع الأمني الراهن في البلاد من أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الأفغانية"، وإنه يريد أن يساهم في ما وصفه بنجاة الشعب الأفغاني من ويلات الحرب التي فرضتها الجماعات المسلحة. وشدد على أن مليشياته سوف تتحرك باتجاه جنوب أفغانستان، وبالتحديد إلى إقليمي هلمند وقندهار معقلي حركة "طالبان" لقمع الجماعات المسلحة، بعد القضاء عليها في شمال البلاد.
وعلى عكس ما كان يتوقعه دوستم الذي لعب دوراً خطيراً في أحداث أفغانستان منذ ثمانينيات القرن الماضي، لم يرحب الأفغان بهذه الفكرة بل إنها أثارت غضب السياسيين والعسكريين، إذ قال مسؤول أمن قندهار الجنرال عبد الرزاق، وهو أحد أبرز المطلوبين لحركة "طالبان"، إن ما يحلم به نائب الرئيس الأفغاني أمر خطير للغاية، لأنه محاولة لترويج فكرة الدويلات داخل الدولة، وإن الأفغان لن يقبلوا فكرة تشكيل المليشيات أياً كان قائدها، إذ إنها لعبت دوراً سيئاً وخطيراً بعد سقوط الحكومة الأفغانية الموالية للاتحاد السوفييتي.
وأشار عبد الرزاق إلى أن "أفغانستان اليوم ليست تلك التي كانت قبل عشرة أعوام أو أكثر، حين كان دوستم يقود المليشيات الأزبكية، لأن أجهزة الأمن قادرة على مواجهة أي تحدٍ أمني، ولا داعي لتشكيل مليشيات على أسس عرقية وقبلية"، محذراً من أن أي خطوة كهذه ستخلق فوضى في البلاد.
اقرأ أيضاً: سباق أميركي ــ إيراني على "طالبان أفغانستان"
وفي السياق نفسه، أعرب قائد القوات الدولية المتواجدة في أفغانستان الجنرال جون كيمبل عن قلقه إزاء إعلان نائب الرئيس الأفغاني، قائلاً إن "تشكيل مليشيات على أسس عرقية وقبلية خطوة غير لائقة، وإنها ستمهد الطريق إلى أمراء الحرب لبسط نفوذهم، وهو أمر لن يقبله الأفغان ولا المجتمع الدولي".
وعلى الرغم من كل ذلك، لا يزال دوستم مصمماً على المضي قدماً في تشكيل المليشيات، متحدياً بذلك حركة "طالبان" وزعيمها الملا عمر، قائلاً إن "جنودي مستعدون لمواجهة طالبان وزعيمها". ولكن يبدو أن دوستم نسي أنه ترك أفغانستان هاربا إلى أوزبكستان بعد أن استولت الحركة على شمال البلاد، ولم يتمكن من العودة من منفاه إلا بعد مجيء القوات الأميركية والدولية إلى أفغانستان.
وفي خطٍ مواز، برزت في الآونة الأخيرة جماعة جديدة تسمّي نفسها بـ "جماعة الموت"، التي تهدف إلى مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حسب ما ادعى المتظاهرون من أنصار الجماعة في مدينة مزار عاصمة إقليم بلخ، أثناء تظاهرة شارك فيها مئات من أنصار الجماعة الشهر الماضي. ويرى خبراء أن دوستم الذي يحظى بنفوذ عسكري في شمال أفغانستان وبالتحديد لدى الأزبك، هو وراء فكرة "جماعة الموت"، وأنه أسلوب جديدة انتهجه الجنرال لتوسيع دائرة نفوذه العسكري في الساحة الأفغانية.
ويعود تاريخ تشكيل المليشيات في أفغانستان إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما شكّلت الحكومة الأفغانية الموالية للاتحاد السوفييتي مليشيات على أسس قومية وعرقية لمواجهة الأحزاب الجهادية التي كانت تقاوم القوات السوفييتية. وكان عبد الرشيد دوستم، الذي نشأ في إقليم سربل في شمال البلاد، يقود مليشيات تابعة للعرقية الأزبكية التي كانت تدعى مليشيات "كلم جم" المعروفة بشراستها في القتل والنهب.
ومع مرور الأيام تطور دوستم ومليشياته حتى أصبحت كياناً مهماً داخل الدولة أثناء حكم محمد نجيب الله لأفغانستان، ولكن في العام 1992 نشبت خلافات عميقة بين دوستم وبين حكومة نجيب، وانحاز دوستم إلى المجاهدين، ما أدى إلى سقوط حكومة نجيب الموالية للاتحاد السوفييتي.
كما لعب دوستم دوراً خطيراً بعد دخول المجاهدين إلى كابول، إذ إنه كان يؤيد في البداية حكومة برهان الدين رباني ثم انقلب عليها، وانحاز إلى معارضها قلب الدين حكمتيار، وشكل جماعة خاصة به سماها "جنبش ملي" أو النهضة الإسلامية. ومع دخول "طالبان" إلى كابول، فر إلى أوزبكستان وكان يعيش هناك حتى سقوط حكومة "طالبان" عام 2001 على يد القوات الأميركية والدولية.
ومع سقوط "طالبان" واحتلال القوات الأميركية أفغانستان، عاد دوستم إلى أفغانستان ليبدأ مهمته الجديدة، ووقفت مليشياته الخاصة جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية ضد "طالبان". وفي المقابل حظي دوستم ومليشياته باهتمام كبير من قِبل القوات الأميركية، وبدأ يلعب دوراً هاماً في سياسة البلاد.
وها هو الآن يشغل منصب نائب الرئيس الأفغاني، لكن يبدو أن خطته أكبر من ذلك، لذا هو ينوي تشكيل مليشيات خاصة به، إلا أن الأفغان ما زالوا يتذكرون ما حل بهم نتيجة الحروب الأهلية التي دامت عقودا، وكان دوستم أحد أمراء تلك الحروب. كما وأن مليشيات دوستم "كلم جم" كانت تُعرف آنذاك بقتل الأفغان ونهب أموالهم، إضافة إلى أن مواقف دوستم المتقلبة خلّفت آثاراً سيئة على الوضع العسكري والسياسي في البلاد.