أفغانستان: "لويا جرغه" يذلل عقبات حوار المصالحة

10 اغسطس 2020
أسرى من "طالبان" أفرج عنهم في يوليو الماضي (وائل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -

انتهت، أمس الأحد، في العاصمة الأفغانية كابول، أعمال الاجتماع القبلي المعروف بـ"لويا جرغه" والتي خصصت لبحث مصير أسرى حركة "طالبان" الذين اتهمتهم الحكومة بارتكاب جرائم خطرة ورفضت الإفراج عنهم بدون نيل مواقفة "رموز الشعب". وأتت نتيجة الاجتماع بخلاف ما كان يتوقعه الجميع، لا سيما حركة "طالبان"، التي كانت تخشى من أن يُستخدم اللقاء من قبل الحكومة كعقبة جديدة في وجه السلام، وهو ما جعلها ترفض الخميس الماضي الاجتماع ونتيجته سلفاً. كما تعرض الرئيس الأفغاني والحكومة لانتقادات شديدة من قبل مسؤولين في الدولة وعدد من السياسيين ظناً أنّ الحكومة تسعى لعرقلة عملية الحوار وشراء مزيد من الوقت، من خلال عقد الاجتماع القبلي. غير أنّ نتيجة الاجتماع بدّلت أراء الجميع، بل وفاجأت البعض، بعدما تقرّرت إزالة العقبة الأخيرة في وجه الحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية و"طالبان". فالحكومة رفضت سابقاً الإفراج عن 400 أسير للحركة، أكثر من 100 منهم محكومون بالإعدام وعلى بعضهم قضايا جنائية كالخطف والاتجار بالمخدرات، ولكن الاجتماع القبلي قرر الإفراج عنهم مقابل ضمانات تؤكد عدم عودتهم إلى ميادين القتال من جديد، وهو ما رحب به الجميع.

قيادي بحركة "طالبان": النتيجة أتت وفق ما تتطلع إليه الحركة

في السياق، قال عضو البرلمان عرفان الله عرفان، وهو عضو في لجنة إدارة الاجتماع القبلي، إنّ النتيجة فاجأت الجميع، إذ لم يكن يتوقع أحد أن تكون بهذه الإيجابية وأن يكون البيان الختامي كما أتى، إذ ضُمت فيه جميع الأمور وهو أتاح الفرصة للحوار المباشر مع "طالبان"، علاوة على التشديد على الحفاظ على ما أحرزه الشعب الأفغاني خلال العقدين الماضيين. وأكد أنّ "نقاشات طويلة دارت في الاجتماع بين رموز الشعب، ولكن ما اتفق عليه الجميع هو اتخاذ أي خطوة مهما كانت صعبة وشاقة، من أجل وقف حمام الدم، مع الحفاظ على النظام وعدم إتاحة الفرصة لضياع ما أحرزه الشعب الأفغاني من الديمقراطية والنظام".
ولم تبد حركة "طالبان" موقفها الرسمي على الفور حيال الاجتماع بعد بيانه الختامي، وما إن كانت غيّرت موقفها الرافض له أم لا. غير أنّ النتيجة أتت وفق طموحاتها، وهو ما يعني أنها مرتاحة سواء أعربت عن رأيها مجدداً أم لم تعلن عن ذلك. وسبق للحركة أن أكدت أنها مستعدة لخوض الحوار مع الحكومة في غضون أيام بعد أن يتم الإفراج عن أسراها. وفي هذا الإطار، قال قيادي في "طالبان" مفضلاً عدم كشف هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نتيجة الاجتماع إيجابية وكانت الحركة تخشى أن تستخدم الحكومة هذه الفعالية عقبة في وجه الإفراج عن أسرى الحركة، لكن ما دامت النتيجة أتت وفق ما تتطلع إليه طالبان، فهذا أمر جيد ومرحب به".

ويبدو أنّ المجتمع الدولي، تحديداً الدول المتداخلة في الأزمة الأفغانية أيضاً، كانت تخشى من أن يتخذ رموز القبائل قراراً يعرقل عملية السلام، وهو ما أشار إليه الرئيس الأفغاني أشرف غني في كلمته الأخيرة أمام الاجتماع، قائلاً "عندما أبلغت حلفاءنا الدوليين بأني أدعو إلى اجتماع قبلي بشأن أسرى طالبان، كان بعضهم يرتجفون ومترددين، ظناً منهم أنّ الاجتماع سيأتي بقرار معارض، ولكني قلت لهم إنّ الاجتماع سيأتي بقرار يتناسب مع الوضع، لأنّ المشاركين فيه أبناء الشعب ويدركون آلامه، وهو ما حصل فعلاً، فالقرار فاق توقعات الجميع".
وأكّد غني في الوقت نفسه أنه يوقّع "على أصعب قرار، وهو القاضي بالإفراج عن 400 أسير لحركة طالبان متهمين بجرائم خطرة"، مضيفاً "لكن رموز الشعب سهّلوا الطريق، إنهم يدركون جيداً حركة طالبان، ولكنهم قبلوا بالإفراج عن أسراها الخطرين من أجل السلام، لأنهم يدركون أيضاً مدى احتياج الناس إلى السلام في بلادنا". وتحدث غني عن سؤالين يشغلان بال الكثير من الأفغان، تطرق لهما خلال حديثه مع الزعماء الدوليين، ولا سيما الولايات المتحدة، وفق قوله. وأوضح أنه تساءل حول ما إذا كانت هناك أي اتفاقية مع "طالبان" تحت الطاولة وبعيدة عن أنظار الناس حتى يفهم الأفغان الوضع، مشيراً إلى أن الجواب أتى بألا اتفاقية من هذا النوع. أما السؤال الثاني، فهو حول احترام القوى الدولية، تحديداً أميركا، لسيادة أفغانستان وحريتها ووحدة أراضيها. وأكد غني أنّ المجتمع الدولي "قال قولاً واحداً إنه يحترم ذلك"، موضحاً "أننا ماضون إذاً إلى الأمام، وعند نشوب أي صعوبة كقضية أسرى طالبان، سنرجع مرة أخرى إلى رموز الشعب".

طلب الاجتماع من حركة طالبان الإفراج عن أسرى الحكومة والقوات المسلحة، والحفاظ على ما أحرزه الشعب الأفغاني من تقدّم خلال العقدين الماضيين

ولم يقرر الاجتماع فقط الإفراج عن أسرى حركة "طالبان"، بل طلب أيضاً من الحركة "الإفراج عن أسرى الحكومة والقوات المسلحة، مع الحفاظ على ما أحرزه الشعب الأفغاني من تقدّم خلال العقدين الماضيين وعدم المساومة على حقوق النساء وحرية الإعلام، والحفاظ على النظام الديمقراطي في البلاد". كما طالب الولايات المتحدة "بالوفاء بما قطعته من وعود إزاء الشعب الأفغاني وتحديداً حول عملية السلام".

يذكر أنّ وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أكد في حوار له مع شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية السبت، أنّ "الولايات المتحدة تخطط لتقليص حجم قواتها في أفغانستان إلى عدد أقل من خمسة آلاف، ما يفرض على الأفغان حل ملفاتهم الداخلية قبل مغادرة القوات الأجنبية من هذا البلد كلياً".
إلى ذلك، قال أحد أعضاء اجتماع "لويا جرغه"، وهو زعيم قبلي في شرق البلاد، ويدعى فتح محمد، إنّ "من بين أعضاء الاجتماع من فقدوا أشخاصاً عديدين من أسرهم في الحرب مع طالبان، ولكنهم اتفقوا جميعاً على الإفراج عن أسرى الحركة الخطيرين بغية وقف حمام الدم". وتابع لـ"العربي الجديد": "نؤكد أيضاً أنّ الدور الأميركي ريادي، وأنّ الولايات المتحدة إذا ما أرادت فعلاً وقف حمام الدم، فسيقف. لذا نشدد على دعوتنا لواشنطن للعمل بإخلاص وجدية من أجل السلام في أفغانستان"، مؤكداً أنّ "الشعب حاضر لأن يتخذ أي خطوة، مهما تكون صعبة، من أجل السلام".
وبعد هذا القرار، تتجه جميع الأنظار نحو العاصمة القطرية الدوحة، حيث تعقد أول جلسة للحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" هذا الأسبوع بعد الإفراج عن أسرى الحركة. وفي السياق، قال رئيس هيئة التفاوض التابعة للحكومة الأفغانية، محمد معصوم ستانكزاي في تصريحات له: "إننا قريبون جداً من الحوار المباشر مع حركة طالبان، ونحن على أهبة تامة، وقريباً سنحاور الحركة على وقف إطلاق النار وإيجاد حل دائم للمعضلة الأفغانية".
ولم يتح قرار الاجتماع القبلي الفرصة للحوار المباشر بين الأفغان فحسب، بل أتى أيضاً وفق طموحات جميع أطياف الشعب، وفق الإعلامي والناشط عزيز أحمد تسل. وقال لـ"العربي الجديد"، إنه "لا عائق بعد الآن بوجه الحوار الذي أُجِّل مراراً"، مؤكداً أن "الشعب الأفغاني يتطلع إلى الحوار على الرغم من صعوبة مراحله، ولكن على الأقل ليبدأ الحوار، خصوصاً أن القوات الأجنبية على وشك الخروج، وبالتالي ثمة خشية من تصعيد أكبر ونشوب حرب أهلية".

المساهمون