12 نوفمبر 2024
أغراض الحديث الإسرائيلي عن التطبيع
تحول موضوع تطبيع العلاقات بين الدول العربية المعتدلة وإسرائيل، أخيرا، إلى الشغل الشاغل للمعلقين العرب والإسرائيليين معا، في ضوء المتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على الحياة السياسية العربية، والحرائق المشتعلة في أكثر من مكان في العالم العربي، والتبدلات في التحالفات الإقليمية التي أدت إلى نشوء تلاقٍ غريب في المصالح بين إسرائيل ودول كانت، حتى وقت قريب، من أشد الأعداء لها، قاسمه المشترك عداء إيران ومحاربة الإسلام "الجهادي".
لكن، إلى أي حد يسمح هذا التلاقي الآني في المصالح الاستراتيجية بفتح الباب أمام مسار تطبيع جدّي للعلاقات بين محور الدول العربية المعتدلة وإسرائيل في هذا الوقت الراهن، والدقيق والصعب الذي تمر به المنطقة العربية بأكملها؟ وهل هناك زعيم عربي مستعد للمخاطرة بزعزعة الاستقرار الداخلي لنظامه، واستفزاز مشاعر شعبه، وإثارة شارعه، بالتخلي عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية، من أجل تطبيع علاقاته مع الدولة العبرية؟
في الكلام الكثير الذي كتب ويكتب في هذا الإطار، جرى الخلط بين الحقائق والأكاذيب، وبين الوقائع والتضليل، وبين ما يجري فعلياً وحملات التشهير الدعائية. وبرز التعاطي الإسرائيلي مع هذا الموضوع الحساس على مستويين: الرسمي الحكومي، والعام. وبينما صور المستوى الرسمي تطبيع العلاقات مع الدول العربية المعتدلة أمراً ممكن التحقيق، ويمكن البدء به فوراً؛ حذّرت أوساط أكاديمية إسرائيلية رصينة من الخطأ في تقدير الوضع، ومن تعليق الآمال على مسألة التقرّب من السعودية ومن دول الخليج الأخرى، من دون البحث جدّياً بالثمن، والأهم من ذلك، من دون إحراز تقدّم فعلي في عملية التسوية السياسية مع الفلسطينيين. ففي رأي السفير الأميركي السابق في إسرائيل، دان شابيرو، في مقال نشرته صحيفة هآرتس، أن من الصعب
أن تكون السعودية، في الوقت الراهن، منفتحة على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، واستبعد أن تقوم بأي خطوةٍ تخرج فيها عن محتوى مبادرة السلام التي طرحتها في القمة العربية في بيروت سنة 2002، والتي يلتقي مضمونها مع حل الدولتين لشعبين، وربطت تطبيع العلاقات بالحل النهائي للنزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. أما بشأن مقترحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والتي شجع فيها السعودية على فتح خطوط اتصالاتٍ مباشرةٍ بينها وبين إسرائيل، والسماح للخطوط الجوية الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية، وإفساح المجال أمام رجال الأعمال الإسرائيليين، فرأى الكاتب أن يدركوا أن هذه الخطوات لن تحدث، من دون تقديم تنازلاتٍ سياسية للفلسطينيين، وهذا أمر يرفضه حالياً اليمين الإسرائيلي الحاكم رفضاً مطلقاً.
لا أحد ينكر تعاظم التنسيق الاستخباراتي بين إسرائيل ودول المنطقة، في الآونة الأخيرة، نتيجة المتغيرات والتحديات التي تشهدها هذه الدول، لكن هذا تطور جزئي ومرحلي، يأتي في سياق تطوّراتٍ جذريةٍ وعميقة، وهو حتى الآن لا يسمح باتخاذ قرارات مصيرية، وانتهاج سياسات بعيدة المدى، ذات انعكاساتٍ عميقةٍ، مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كتب الباحث فيليب غوردون من معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أنه بعد أشهر قضاها في عدة عواصم عربية وفي إسرائيل، ونقاشاتٍ أجراها مع سياسيين ومسؤولين أمنيين ورجال أعمال، تكوّن لديه انطباع بأن الآمال بتحقيق التطبيع مع الدول العربية، قبل
التوصل إلى اتفاق سياسي مع الفلسطينيين، تستند إلى خطأ في التقدير. واستبعد حدوث أي خطوةٍ تطبيعيةٍ تجاه إسرائيل، قبل قيام الأخيرة بخطوات ملموسة وحقيقية نحو اتفاق سلامٍ مع الفلسطينيين. وتحدث عن عقباتٍ ومشكلاتٍ كثيرة تعترض الطريق نحو تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، لا سيما في ما يتعلق بالسعودية التي تواجه، في رأيه، حالياً تهديداتٍ وتحديات كثيرة من إيران في اليمن وفي سورية، ومن التنظيمات الجهادية المتطرّفة، بالإضافة إلى التحديات الداخلية الكثيرة والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي ينوي القيام بها ولي العهد الشاب الجديد، محمد بن سلمان، لمواجهة الوضع الاقتصادي الصعب، الناجم عن تراجع أسعار النفط. ويخلص الكاتب إلى أنه لا يوجد اليوم زعيم عربي يمكن أن يجازف بالتقرّب العلني من إسرائيل، قبل الحصول على مقابل مهم، وإحراز تقدّم في العملية السياسية مع الفلسطينيين.
يقود هذا إلى استنتاج أن ضجيج الكلام عن التطبيع الصادر عن إسرائيل لا يعدو أن يكون محاولة مكشوفة لاستغلال العداوة المستشرية بين الدول السنية المعتدلة وإيران، كي تصور إسرائيل نفسها في خندق واحد مع هذه الدول. لكن ما يريده رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزراؤه، في حديثهم عن التطبيع، هو تحقيق أغراض أساسية أخرى، في طليعتها تهميش القضية الفلسطينية، وإظهارها بأنها لم تعد تشكل قضية العرب الأولى؛ والخروج من العزلة السياسية والدبلوماسية التي تعانيها إسرائيل في المنطقة، وتلميع صورتها دولياً، والتغطية على استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من خمسين عاماً، والتستر على قمعها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة.
لكن، إلى أي حد يسمح هذا التلاقي الآني في المصالح الاستراتيجية بفتح الباب أمام مسار تطبيع جدّي للعلاقات بين محور الدول العربية المعتدلة وإسرائيل في هذا الوقت الراهن، والدقيق والصعب الذي تمر به المنطقة العربية بأكملها؟ وهل هناك زعيم عربي مستعد للمخاطرة بزعزعة الاستقرار الداخلي لنظامه، واستفزاز مشاعر شعبه، وإثارة شارعه، بالتخلي عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية، من أجل تطبيع علاقاته مع الدولة العبرية؟
في الكلام الكثير الذي كتب ويكتب في هذا الإطار، جرى الخلط بين الحقائق والأكاذيب، وبين الوقائع والتضليل، وبين ما يجري فعلياً وحملات التشهير الدعائية. وبرز التعاطي الإسرائيلي مع هذا الموضوع الحساس على مستويين: الرسمي الحكومي، والعام. وبينما صور المستوى الرسمي تطبيع العلاقات مع الدول العربية المعتدلة أمراً ممكن التحقيق، ويمكن البدء به فوراً؛ حذّرت أوساط أكاديمية إسرائيلية رصينة من الخطأ في تقدير الوضع، ومن تعليق الآمال على مسألة التقرّب من السعودية ومن دول الخليج الأخرى، من دون البحث جدّياً بالثمن، والأهم من ذلك، من دون إحراز تقدّم فعلي في عملية التسوية السياسية مع الفلسطينيين. ففي رأي السفير الأميركي السابق في إسرائيل، دان شابيرو، في مقال نشرته صحيفة هآرتس، أن من الصعب
لا أحد ينكر تعاظم التنسيق الاستخباراتي بين إسرائيل ودول المنطقة، في الآونة الأخيرة، نتيجة المتغيرات والتحديات التي تشهدها هذه الدول، لكن هذا تطور جزئي ومرحلي، يأتي في سياق تطوّراتٍ جذريةٍ وعميقة، وهو حتى الآن لا يسمح باتخاذ قرارات مصيرية، وانتهاج سياسات بعيدة المدى، ذات انعكاساتٍ عميقةٍ، مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كتب الباحث فيليب غوردون من معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أنه بعد أشهر قضاها في عدة عواصم عربية وفي إسرائيل، ونقاشاتٍ أجراها مع سياسيين ومسؤولين أمنيين ورجال أعمال، تكوّن لديه انطباع بأن الآمال بتحقيق التطبيع مع الدول العربية، قبل
يقود هذا إلى استنتاج أن ضجيج الكلام عن التطبيع الصادر عن إسرائيل لا يعدو أن يكون محاولة مكشوفة لاستغلال العداوة المستشرية بين الدول السنية المعتدلة وإيران، كي تصور إسرائيل نفسها في خندق واحد مع هذه الدول. لكن ما يريده رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزراؤه، في حديثهم عن التطبيع، هو تحقيق أغراض أساسية أخرى، في طليعتها تهميش القضية الفلسطينية، وإظهارها بأنها لم تعد تشكل قضية العرب الأولى؛ والخروج من العزلة السياسية والدبلوماسية التي تعانيها إسرائيل في المنطقة، وتلميع صورتها دولياً، والتغطية على استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من خمسين عاماً، والتستر على قمعها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة.
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024