هذي المنافي الوسيعة هاوية، والعالم بئر وليس من حبل سوى أنشوطة الحنين تجرح عنق الهواء، أعبر خيط الضوء المغروس في صدر العتمة كرمح والريش - ريش الرمح مبتل بنسغ يهدهد روحا تشتاق ترائبها، أفرط عناقيد دمي لعصافير الغيم وأحدق بالموت وأقول كاسك.
لست شجرة غارقة في حكمة الخشب المائل إلى وهج النار في هجس براعمها هي ليست أناي، لكني أعيش بوحشة فزاعة تهدهد طوح الريح خوفا من جفلة الطير، وتولم عينيها للغربان في غمزة السنابل وتتمايل رقصا وعناقا كأجراس عيد، لم يبق من خزف لأكتنه سيرة صلصالي فأكسره، أمد يدي إلى حجر البلاد لأكسر أصابعي ندما، ترمقني ذاكرتي وأنا أترقب جفلة قلبي كلما تسلقت سفح الطمأنينة وارتعشت قلت سقط شهيد.
بعيدا عن الضجيج، قريبا من صليل فوضاي بهمس روحي، والطبول تدق برأسي عصي القبائل والنحر موشوم بأجراس النهايات الصادحة، وتعيدني للخشب المهدور في حلم البراعم يطقطق أصابعه ندما على أضلعي في طمأنينة النار وفراسة البدوي، في الصيد بأرض الملح والواحات تخذلني، لم أبن لفردوس الهواجس غير مملكة الرمل هدها نهر السراب، ليس من وطن سوى أم تعيدني لمثواي، وإلّاها..
قامة غزلان وضبح فرس تنداح لها البراري كي تمشي الهوينى، تلك المشغولة بتهجيتي الركيكة أكتبها سردا وإيماءً إذ يخذلني الشعر - لا مكان لاختزال الشعر لي، أجدها في النثر وتحار اللغة كيف ألمُّ ما تبعثر بيننا.
إياك أن ترمي مهوى أقراطك لذئب القنوط، ولترتمي في مجون الجنون مهرة عن رشدها تثب، ولتجرحي الريح بشهقتك، ولا تعلقي شذرات الرنين خلخالا لنجوم تأتيك أسرابا هاربة من قصائد عشاق قدامى، وذي كفي فانحري فرس الريح على مذبح التوق، انعتقي صهوة للبنفسج المنذور عقدا للنوايا، هذي يدي المغلولة آلت إليّ مخضلّة بتعرّق الصلصال قاب قوسين من غيم وخصر ضباب، بلا أصابع اشتعلت في سيرة الخواتم، يا سر الشمس اغفُ غب زينتها، يا الأرض عاقبيني بحمى التحول والفصول، أشيحي بأقواسها عن وتر الريح وهي تلفح خوفا من هدأة ترمي بها قاعا للعدم، تدثّر بخجل العتمة عن مرايا المجاز، تهاوت شظاياي من عنق النور، ها.. وجدتني في ترف التراب المكلل بالغدق، أنا الذي بالماء يستل غمد الهشاشة بحثا عن دوامة دفق في حجر.
القصيدة كلها أسفار طويت صفحتها في ميدان التمثل، قبل بزوغك شامة آخر سطر السماء وسرة سطح البسيطة أنت نقطة من أول السطر، نقطة وتبتدئ الحياة.
(سورية)