دفعت إجراءات مكافحة كورونا الجزائريين المقبلين على الزواج إلى التراجع عن عقد القران في حفلات باذخة، والاكتفاء بأبسط الاحتفالات والتكاليف، وإن كانوا مجبرين على ذلك
في يناير/ كانون الثاني الماضي، اختار الشاب الجزائري، عبد العالي بوالصوف، وخطيبته، أن يقيما حفل زفافهما في قاعة "أفراح المدينة" بقلب مدينة ميلة، شرقي الجزائر. وسلّم بوالصوف إدارة القاعة مبلغاً مالياً كمقدم لحجز القاعة ليوم واحد في يوليو/ تموز الماضي، أي بعد نحو ستة أشهر من الحجز، إذ إنّ هذه القاعة وغيرها من قاعات الأعراس الشهيرة، تُحجز قبل وقت طويل من حفلات الزفاف. لكنّ فيروس كورونا الجديد فرض شروطه، إذ تبدّل كلّ شيء بالنسبة لمخططات العروسين، بداية من موعد حفل الزفاف وصولاً إلى طقوسه.
الأزمة الصحية التي بدأت فصولها مع تسجيل أولى الإصابات بكورونا، في الجزائر، خلال فبراير/ شباط الماضي، دفعت السلطات المركزية في البلاد إلى إغلاق جميع الفضاءات العامة بما فيها قاعات الحفلات، تفادياً للتجمعات التي يمكن أن تنقل العدوى بين السكان. وبذلك قرر العروسان أن يحتفلا بحفلة العمر "في إطار ضيّق جداً، والاستغناء عن بعض الطقوس المصاحبة لحفلات الأعراس، والعادات التي تكلف الكثير من المال، ومنها حفلة العروس، فضلاً عن المأكولات والحلويات وغيرها من المصاريف الزائدة التي كانت قبل كورونا ترهق كاهل الأزواج والعائلات وهم في بداية قطار الحياة الزوجية" كما يقول بوالصوف. قرر العروسان أن يعقدا القران الشرعي باحتفالية صغيرة في بيت أهل الزوج وبحضور والديهما وأشقائهما فقط، تفادياً لانتقال عدوى الفيروس، خصوصاً في هذه الظروف التي اشتدت فيها الأزمة، علماً أنّ الجزائر ما زالت تسجل إصابات يومية بالفيروس. كذلك، قرّرا التبرّع بالمبلغ الذي كان من المفترض أن ينفقاه في مراسيم الحفل بالإضافة إلى السفر في شهر العسل، لمنكوبي الزلزالين اللذين وقعا في ميلة، في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضي (لم يسجلا خسائر في الأرواح لكن تضررت عشرات المساكن كلياً أو جزئياً) وهي لفتة استحسنها كثيرون واقتدى بها البعض أيضاً.
كثيرون في الجزائر تعفّفوا عن إقامة حفلات الزواج، واختاروا التبرع بتلك النفقات الباهظة لأعمال خيرية. وهو ما فعله عروسان آخران تكفلا بنفقات عملية جراحية باهظة الكلفة لطفل. وقد أكدا لـ"العربي الجديد" أنّ الأزمة الصحية علمتهما الكثير، خصوصاً أنّ حفل الزواج في الجزائر بات يكلف الشباب كثيراً، ومن الأجدر أن تخصص تلك النفقات في باب خير.
منذ أكثر من ستة أشهر، تغيّرت البرامج وانقلبت مخططات الزفاف لدى كثيرين رأساً على عقب، إذ أقدم البعض على تأجيل الاحتفال بليلة العمر، إلى وقت لاحق، أو ربما إلى حين انتهاء الأزمة الصحية، وهي حال كثيرين، خصوصاً عقب قرار السلطات الجزائرية إيقاف تسجيل عقود الزواج المدنية عبر مختلف المجالس البلدية. كذلك، قرر البعض تعديل ترتيبات الاحتفال بالزواج، إذ إنّ من بينهم من أصرّ على إتمام المراسيم بعد الخطبة بحفلة "ضيقة" وتقليص عدد المدعوين في عشاء بالبيت العائلي، بينما فضل البعض التبرع بتكاليف العرس لفائدة المحرومين والفقراء، والاكتفاء بإعلان الزواج ونقل العروس إلى بيتها، وسط استمرار المجالس البلدية في تعليق إبرام عقود الزواج المدنية.
وأبقت الحكومة الجزائرية الحظر على التجمعات والأعراس والولائم، واللقاءات العائلية، في خطوة من شأنها أن تمنع انتشار الفيروس عبر تلك التجمعات. يأتي ذلك خصوصاً بعد تسجيل عشرات الإصابات في ولاية البليدة، شرق العاصمة الجزائر، وتركزت الإصابات في صفوف عائلات حضرت احتفالات زواج ومآتم، وهو ما تسبب في إغلاق تام للولاية لأكثر من ثلاثة أشهر.
في الجزائر يتفق كثيرون على أنّ الأزمة الصحية التي تمرّ بها البلاد على غرار العديد من دول العالم، هي في الوقت نفسه فرصة مناسبة للتخلص من التكاليف الباهظة للأعراس، إذ يكلف حفل الزفاف الواحد أكثر من 500 ألف دينار جزائري (3900 دولار أميركي) ما بين مأدبة العشاء وحفلة العروس في قاعة حفلات، من دون احتساب المصاريف الأخرى التي تتعلق بتجهيز بيت العروسين وجميع الأغراض والهدايا التي يشتريها الرجل لزوجته خصوصاً المصاغ الذهبي.
وهكذا، فإنّ إقامة حفل زفاف بسيط في حضور عدد قليل من المدعوين، بات وسيلة للحماية من الفيروس من جهة، لكنّه من جهة أخرى، اقتصاد وتوفير في بداية الحياة الزوجية، إذ إنّ كثيرين سعيدون بإتمام مراسم الزواج من دون مصاريف زائدة، كما تقول نادية، لـ"العربي الجديد". توضح أنها وخطيبها قررا، من قبل، أن يتزوجا العام المقبل، لكنّهما يجدان أنّ الفرصة اليوم باتت مؤاتية لإتمام كلّ شيء، هذا العام، بمصاريف أقلّ، وكلفة لا تنهك العائلتين قبل الزوجين، على حدّ قولها.
كذلك، فضل بعضهم مرافقة العروسين من دون إقامة حفلة زواج، فالأهم بالنسبة لهم هو السعادة والهناء، مثلما كتب الدكتور أحمد عظيمي في حسابه على "فيسبوك" أنّه "في غياب الأهل والأصدقاء تمّ يوم أمس زواج ابني قطب الدين من مريم، واكتفينا بمرافقة العروس إلى المطار، إذ حملت باقة ورد وغادرت إلى حيث ينتظرها عريسها" موضحاً: "لم نتمكن من إقامة الفرح بسبب كورونا الملعونة".
في المقابل، وبالرغم من جميع التحذيرات والإجراءات التي أقرتها الحكومة الجزائرية، مع منعها إقامة الأعراس في قاعات الحفلات، فإنّ بعض العائلات تجاهلت جميع التدابير، وأقامت حفلات زفاف من دون مراعاة للوقاية والمحاذير الصحية. وبالرغم من المخاوف التي حذرت منها لجنة رصد ومتابعة تطور وباء كورونا في الجزائر، فإنّ عدداً من المصابين تبيّن أنّهم التقطوا العدوى في حفلات زفاف في كلّ من ولايات باتنة، وبسكرة، وسطيف، فقد أقيمت تلك الحفلات بالرغم من حظر السلطات لها.
على مستوى آخر، أثّر الإغلاق العام في التحضير المعتاد لحفلات الزفاف، لا سيما تجهيزات العروس والمنزل الزوجي، فقد أقفلت المحلات التجارية أبوابها فترة طويلة، ومعها أقفلت محلات ومشاغل الخياطة، وبينما تسبب ذلك بنقص في التجهيزات، كانت أزمة التجار والحرفيين أخطر إذ شهدت بضاعتهم كساداً وخسروا الكثير من رأسمالهم. في هذا الإطار، تقول الخيّاطة سميرة دلومي لـ"العربي الجديد" إنّها أجّلت جميع طلبياتها بسبب تأخير بعض الفتيات حفلات زواجهن، فيما وجدت فتيات أخريات فرصة لإلغاء بعض الطلبيات بعدما أغلقت محلات بيع القماش أبوابها.