أعراس الأقصى

18 يناير 2015
شرطة الاحتلال تقمع المناسبات الاجتماعية (موسى الشاعر/فرانس فرنس)
+ الخط -
في سبيل تأكيد عدم تفريطهم بالمسجد الأقصى المبارك، يربط الفلسطينيون تفاصيل حياتهم اليومية به، فعدا عن أداء الصّلوات، وتنظيم حلقات العلم في مصاطبه، يقبل عددٌ متزايدٌ من الشّبان الفلسطينيين من أهالي القدس المحتلة والداخل الفلسطيني على عقد قرانهم وزفّات أعراسهم داخل باحات المسجد الأقصى، بهدف التأكيد على عروبة وإسلامية المكان. 
هذه الخطوة ليست بالجديدة، فعلى مدى سنوات طويلة دأب كثيرٌ من الشباب والشابات على عقد قرانهم في المسجد الأقصى طلباً للبركة، إلا أن دائرة هذه النشاطات اتسعت في العامين الأخيرين بشكل ملحوظ، حاملة دلالات سياسية ووطنية ودينية، في ظلّ التهديد الإسرائيلي المتصاعد للمسجد وتزايد اقتحامات المستوطنين له. 
ولقد كان لمؤسسة عمارة الأقصى ومن بعدها مؤسسة الأقصى للوقف والتراث دور بارز في تشجيع هذه الخطوة، إذ توفر لأي عروسين يقبلان على عقد قرانهما في المسجد الأقصى، ما يحتاجانهما من تنسيق مع المأذون الشّرعي، وتتكفل بتوزيع الحلوى على الحاضرين، وتقدم لهما هدية متواضعة، وذلك في إطار مشروعها "نبدأ زواجنا من بوابة السّماء". 
وزفة العريس من المسجد الأقصى، عادة مقدسية قديمة، وتذكر بعض الكتب المؤرخة لعادات القدس الاجتماعية، أن شبان المينة المقدسة اعتادوا السّير من الأقصى إلى إحياء البلدة القديمة، بينما يقف السكان على الأبواب والنوافذ يرشون الزهور والأرز على العريس، بينما تتردد هتافات مثل: "وين أزفك يا حلو يا زين. على سطوح الصخرة وبين الحرمين". 
وفي يومنا الحاليّ، تجذب زفة الأقصى الكثير من الشّبان الفلسطينيين المقبلين على الزواج الذين يبادرون إليها عادة قبل يوم من حفل الزفاف، وبعد أن غابت هذه العادة المقدسية لسنوات طويلة، تعود اليوم لتسجل ما يقارب العشرين زفة في العام الواحد. 
تتميز الزفات بطابعها الاحتفالي البهيج وبقدرتها على جذب الناس وحثهم على المشاركة حتى لو لم تربطهم صلة معرفة أو قرابة بالعريس. وللزفة بعدها الاجتماعي والسياسي في إحياء ليالي البلدة القديمة في القدس المتسمة عادة بالهدوء وانعدام النشاطات الفلسطينية.

ويرى المبادرون أن تشجيع هذه الزفّات وسيلة لتكثيف التواجد العربي في البلدة القديمة في مواجهة عمليات التهويد. 
وعادة ما يطلق قائد الزفة الأغاني الفلسطينية المعهودة في الزفات، كمثل :"طلع الزين من الحمام.. الله واسم الله عليه". إلا أن الزفات لا تخلو بطبيعة الحال من الشّعارات الوطنية، ويبدو تأثرها بالأحداث السياسية واضحاً.

ففي العدوان الأخير على غزة، انتشرت هتافات مؤيدة للمقاومة الفلسطينية مثل: "حطوا السّيف قبال السيف، احنا رجال محمد ضيف"، في إشارة إلى القائد العام لكتائب الشهيد عزّ الدين القسّام، وهتاف "يا أبو عبيدة يا مغوار سمعني صوت الإنذار"، في إشارة إلى صوت صافرات الإنذار الإسرائيلية بفعل سقوط صواريخ المقاومة على مستعمرات الاحتلال ومعسكراته. 
كما أن الزفات تفاعلت مع القضايا الراهنة التي تقلق أهالي القدس، وخاصة أوامر الإبعاد عن الأقصى التي طالت الكثير من الشبان والنساء. وقد هتف كثير من الزفات: "حطوا الميه على الصفصاف، اقصاوية وما بنخاف"، وهتاف: "لا سجن ولا ابعاد ما بيرعب شباب الواد"، والواد هو إحدى حارات البلدة القديمة القريبة من المسجد الأقصى. 
ولا يغيبُ عن هذه الأجواء الاحتفالية ذكر الأسرى في سجون الاحتلال، إذ تحرص غالبية الزفات على المرور من أمام منازل أسرى البلدة القديمة والهتاف لهم. وترفع في هذه الزفّات عادة الأعلام الفلسطينية، ولن يكون مستغرباً أن تجد العريس محمولاً على الأكتاف وعلى جانبيه أعلام حركة حماس أو حركة فتح، في محاولة للمقدسيين إلى عكس صورة للوحدة الوطنية التي يتأملونها. 
ولأن تمسك المقدسيين بعروبتهم وهويتهم الفلسطينية أمر يشكل خطرا بالنسبة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، فعادة ما تقوم شرطة الاحتلال في القدس بقمع هذه المظاهر الاحتفالية الاجتماعية، واستدعاء العريس قبيل الزفة وتحذيره من رفع رايات الفصائل الفلسطينية أو الهتاف للمقاومة. كما تمنع شرطة الاحتلال بعض الزفات من المرور من الحارات التي تقع فيها بؤر استيطانية مثل شارع الواد، وتعتدي عليها بالضرب وقنابل الصّوت.

وقد سبق أن حرّض مستوطنو البلدة القديمة ضدّ زفات الأعراس الفلسطينية في وسائل الإعلام الإسرائيلي، وطالبوا الشّرطة بمنعها، معتبرين أنها "تقيد حركتهم وتحبسهم في بيوتهم، وتعرضهم للخطر".

المساهمون