أطلس مصوّر عن القدس

19 فبراير 2015

مشهد عام لقبة الصخرة (Getty)

+ الخط -

كان إهداءً ثميناً تلقّيته مطلع العام 2015 الحالي. كتاب جميل ضخم، حمل اسم "الأطلس التعليمي المصوّر للقدس- المسجد الأقصى"، في طبعته الثالثة الأنيقة. شعرت بمزيد من الفخر، وأنا أتلقّى هذا العمل التوثيقي المهم، من الأستاذ كمال حمامرة، صاحب مكتبة الموارد في رام الله، لأن الأطلس، في مجلّده الأول عن المسجد الأقصى، جزء من مشروع توثيقي كبير، كما علمت، سيشمل توثيق جميع معالم البلدة القديمة، بتفاصيلها العمرانية الصغيرة والكبيرة، وكذلك الكنائس والأسواق والمباني التاريخية والأسوار، وذلك يعني استهداف ما لا يقلّ عن خمسة آلاف معلَم أثري مقدّس، بطريقة تحفظها من الطمس والتهويد والاندثار.

هذا الجهد الكبير الرائع، قام عليه الدكتور حسن خاطر، وصدر عن مركز القدس الدولي للإعلام والدراسات والتوثيق، الذي يتولّى إدارة هذا المشروع وتنفيذه، بحلقاته وأجزائه المتتالية، إضافة إلى كل ما يقوم به، في سبيل الدفاع عن المدينة المحتلة ومقدساتها، خصوصاً على المستويين العلمي والإعلامي. وكلٌّ منا يدرك خطورة ما يحيق بالمدينة ومعالمها، من أعلى مستويات صنع القرار في دولة الاحتلال الصهيوني.

وتتميز هذه الطبعة بالتدقيق والتنقيح، وإعادة الإخراج في شكل جديد تماماً، وحجم أكبر ومختلف عن الطبعة السابقة، وتتضمن، إضافة إلى اللغة العربية، ترجمة كاملة إلى اللغة الإنجليزية، قام بها وأشرف عليها فريق من المترجمين المختصّين، بالتعاون مع الجامعة العربية الأميركية في جنين، التي تبنّت طباعته وترجمته، فجاء في 366 صفحة من القطع الكبير.

وأتّفق مع ما جاء في مقدّمة الدكتور خاطر، أنّ هذا الإنجاز مشروع نهضوي مقاوم للاحتلال، يمتدّ على مساحة واسعة، تشمل التاريخ والجغرافيا والهوية والدين والثقافة، وهذا يبدو واضحاً في جمع إحداثيات جميع المعالم، ذات الطابع الديني والتاريخي، الموجودة ضمن أسوار البلدة القديمة.

ووثّق الأطلس ما مجموعه 144 ألف متر مربع، هي مساحة المسجد الأقصى بكلّ مكوّناته ومرافقه، والتي تشكّل سدس مساحة القدس القديمة. وتطرّق كذلك إلى معنى اسم الأقصى، والأقصى في الجغرافيا والتاريخ، ومكانته وفضائله، وبوائكه الثماني (مجموعة الأعمدة المتتالية)، ومساطبه الثماني والثلاثين، وأبوابه العشرة، ومآذنه الأربع، ورواقيه الغربي والشرقي (ممرات مسقوفة مكوّنة من سلسلة من العقود)، وأحد عشر سبيلاً (مشرب ماء) تحيط به.

المحزن أن هذا الأطلس، لم يلقَ الاهتمام الكافي من المدارس والجامعات، ومراكز الأبحاث، والمؤسسات الإعلامية، والوزارات، وسائر المؤسسات الرسمية والخاصة، وكان حريّاً بالقادة السياسيين، والمسؤولين وصنّاع القرار، والقائمين على مؤسسات السلطة الفلسطينية تحديداً، أن يولوه اهتماماً كبيراً وخاصّاً، باقتنائه وتعميم محتواه، ونشر مضمونه، والاستفادة من معطياته التاريخية التوثيقية المهمّة، على الصعيدين السياسي والديني، وكان حريّاً أن تبادر السلطة إلى تبنّيه، ورصد مكافآت للقائمين عليه، وتخصيص طواقم مؤهلة، لاستكمال توثيق باقي المرافق، وإصدار الأجزاء الأخرى وفق الخطة المرسومة، لأنه، بصدق، بات مرجعاً في غاية الأهميّة، لدقّته وشروحاته التوضيحيّة التفصيليّة المصوّرة، والمثبتة بالأحجام الأصليّة، والقياسات الطبيعيّة لجميع المرافق والأماكن والساحات والأروقة والأسبلة والخانات، وكذلك المصاطب والساحات، والنقوش والمُقرنصات، ستبقى محفوظة إلى أبد الآبدين، حتى لو، لا قدّر الله، اندثر أي جزء منها أو هُدم، يمكن إعادة بنائه بالشكل والقياسات والأبعاد نفسها التي كان عليها. وحبّذا لو أن القائمين على هذا العمل الرائع الرائد أكملوا مشروعهم، بتوثيقه الكترونياً، بصورة تساعد على نشره، عبر الشبكة العنكبوتية، أو بواسطة أقراص صلبة مضغوطة.

إنها القدس يا عالم، بما تحمله من مكانة دينيّة وسياسيّة، يعمل عدوّنا ليل نهار، لتفريغها من أهلها، ويصرف المليارات لتهويدها وطمس معالمها، فيما نحن نغطّ في سبات عميق، كالأبله الذي لا يُدرك مخاطر ما يحيق به. إنّه مشروع يستحقّ أن يُحمل، لا أن يُهمل، أم أننا سنفرّط في زهرة المدائن، حتى في أطلسها التعليمي؟