القصة بدأت بحالة الطفلة غزال التي أثارت تعاطف الكثير من المغاربة، عندما أعلنت والدتها في الأيام الأولى من شهر رمضان الجاري عن اختفائها، مبدية خشيتها من أن تكون قد تعرضت للاختطاف بمدينة الدار البيضاء، فتناقل الآلاف بكاءها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزة.
وبعد زهاء عشرة أيام على اختفاء غزال عادت الصغيرة فجأة إلى بيت والديها في جو من الفرحة الهستيرية، ليتبين أن الأمر يتعلق بزوجين عقيمين اصطحباها إلى بيتهما، قبل أن يؤنبهما ضميرهما أو ربما تجاوباً مع ضغوط المجتمع، فأعادوا الطفلة إلى والدتها.
ولم تمر على قصة غزال سوى ساعات معدودات حتى أعلن عن اختفاء الطفل آدم بمدينة برشيد، من بيت أسرته، وتدخلت القوى الأمنية وتحرّت عن الأمر، ليتبيّن أن والدته أخفته عن والده لمشاكل تتعلق بطلاقهما، وغادرت به إلى مدينة أخرى.
وفي مدينة مراكش جنوب البلاد أعلن عن اختفاء الطفل هشام عبد الله ( 6 سنوات) في 14 مايو/أيار الجاري، ولم يظهر له أثر حتى اليوم. وقالت أسرته في تصريح لـ "العربي الجديد" بأن هشام خرج إلى الزقاق لشراء بعض الأغراض لكنه لم يعد، مبدية شكوكها من أن يكون قد تعرض لاختطاف.
واستبعدت أسرة الطفل المختفي أن يكون الأمر متعلقاً بعدم معرفته طريق البيت، معتبرة أنه لو كان تائهاً فعلاً فإن أي شخص يجده في هذه الحالة يسلمه إلى أقرب مركز للشرطة وهذا ما لم يحصل. لكن الأسرة بحثت عن طفلها في مراكز الأمن والمشافي ولم تجد له أثراً.
وتفيد المعطيات بأن كاميرا كانت مثبتة عند محل تجاري في الحي الذي تقطن فيه عائلة الطفل هشام أظهرته وهو يلعب أمام البيت، وحين أنهى اللعب بدأ السير في الزقاق إلى أن اختفى فجأة عن الأنظار.
وفي مدينة القنيطرة، وثقت كاميرا أيضاً حالة أخرى لطفل صغير لا يتجاوز الأربع سنوات وهو يتعرض لمحاولة اختطاف من شخص كان يمر من الزقاق وحمله بين ذراعيه، لكن ظهور والدته فجأة أحبط محاولة الاختطاف وتدخل الأمن وأوقف الخاطف. وفي نفس المدينة تحدثت وسائل إعلامية عن اختفاء ثلاثة أطفال آخرين في ظرف أسبوع واحد.
وكشفت جمعية "ما تقيش ولادي" (لا تلمس أولادي) حقائق مثيرة في هذا الصدد، وقالت رئيستها نجية أديب، إن هناك رصداً لحالات اختطاف أطفال صغار في ضواحي مدن أغادير وتارودانت، خطفتهم عصابات منظمة بهدف تشغيلهم في رعاية الإبل في مناطق صحراوية خالية.
واعتبر عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "جرائم الاختطاف في المغرب ترتكب لأسباب عدة أبرزها بيع الطفل لأسر مصابة بالعقم، أو بهدف التسول أو الاغتصاب، وهناك جرائم اختطاف تنطوي على نية قتل المخطوف بعد اغتصابه، أو استخدامه من لدن مشعوذين في طقوس استخراج الكنوز مستخدمين الأطفال "الزوهريين"(تعني الأطفال المحظوظين ويكون لديهم علامات تميزهم عند الولادة).
وأوضح الخضري أن "العقوبات الزجرية تبقى غير ناجعة خصوصاً أنها تبدأ من السجن مدة سنة وتصل إلى المؤبد وربما الإعدام في حالة الاختطاف بالعنف المشوب بالقتل، كما أن التحريات القضائية نادراً ما تصل إلى الشبكات التي تقف وراء تلك الجرائم، وتبقى القضايا معلقة لأسباب مجهولة".
وطالب المتحدث بتشديد العقوبة بحق كل من ثبت تورطه أو تورطها في جريمة اختطاف، وتوفير حماية حقيقية للأطفال المغاربة من خلال التحقيق العميق لضبط أفراد الشبكات الإجرامية وتقديمهم أمام العدالة، بدل انتظار وقوع جريمة الاختطاف، أو أن تزهق روح بريئة مثل تلك التي تنشط في الشعوذة لاستخراج الكنوز أو شبكات التسول.
واقترح الخضري "تشكيل وحدات أمنية خاصة تتصدى لجرائم الاختطاف، وتوعية الآباء بضرورة الانتباه إلى أبنائهم وعدم التهاون وتركهم عرضة للاختطاف أو الاختفاء"، مورداً أن "جرائم الاختطاف تتصاعد باضطراد على المستوى الدولي خصوصاً في بؤر التوتر وفي المناطق ذات الكثافة السكانية، لا سيما مع تطور عمل مافيات الاتجار بالبشر التي تستغل الفئات الهشة في المجتمعات الفقيرة".