أطفال الانتفاضة في سجون الاحتلال... ضحايا الانتقام الإسرائيلي

10 نوفمبر 2015
270 مراهقاً مقدسياً تعرضوا للاعتقال خلال الانتفاضة(محمود حمس/فرانس برس)
+ الخط -
يشتكي أهالي الأطفال الفلسطينيين المعتقلين في سجن "جيفعون" من سوء الأوضاع والظروف التي يُحتجز فيها أبناؤهم منذ شهر أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي. وقامت مصلحة السجون الإسرائيلية، أخيراً، بنقل ما يقارب 60 طفلاً فلسطينياً من سجونها في "هشارون" و"مجدو" و"عوفر" إلى قسم "جيفعون" الواقع في سجن الرملة، بسبب الاكتظاظ الكبير في تلك السجون بعد اتساع حملة الاعتقالات ضد الفلسطينيين مع توسّع "الانتفاضة الشعبية" في القدس والضفة الغربية.

وفي الوقت الذي كان معدّل اعتقال الأطفال في مدينة القدس يصل إلى ما يقارب 40 طفلاً في الشهر، في الأيام "العادية"، بلغ منذ 13 سبتمبر/أيلول الماضي، عشية أعياد رأس السنة العبرية وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي ومع تصاعد الهبة الشعبية، عدد من تعرضوا للاعتقال من الأطفال إلى ما يقارب 270 طفلاً في القدس، وعدد الاعتقالات الإجمالي وصل إلى ما يقارب 700 اعتقال.

وفي ظلّ هذا الاكتظاظ في سجون الاحتلال الإسرائيلي، نقلت مصلحة السجون منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي 35 طفلاً مقدسياً إلى سجن "جيفعون". وعادت ونقلت مع بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي ما يقارب 20 طفلاً من الضفة الغربية، بالإضافة إلى بعض الأطفال المعتقلين من الأراضي المحتلة عام 1948.

وكان قسم "جيفعون" في سجن الرملة مخصّصاً لاحتجاز المتسلّلين الأفارقة إلى دولة الاحتلال. كما أنّ سجن الرملة لا يحتوي أي أقسام أخرى لأسرى فلسطينيين، بل هو مخصص للأسرى الجنائيين، ما يعني أنه يفتقر للكثير من الخدمات التي عادة ما تكون موجودة في أي سجن يُحتجز فيه الأسرى الفلسطينيون.

طعام رديء

يلخّص والد المراهق المعتقل، محمد داري، من العيسوية، سوء التغذية في سجن "جيفعون"، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ ابنه خسر خلال أقل من شهر 20 كيلوغراماً من وزنه نتيجة لرداءة الطعام كمّاً ونوعاً. ويتوافق وليد أسعيدة، والد الأسير المراهق محمد أسعيدة (16 عاماً)، في كلامه مع والد داري، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه لاحظ خلال زيارة ابنه في السجن، الأسبوع الماضي، أنّه خسر من وزنه كثيراً، قائلاً إنّها "حالة عامة تسود جميع الأطفال".

أما عن طبيعة هذه الوجبات، فيقول وليد أسعيدة إنّ الأسرى اشتكوا من الدجاج غير النظيف الذي تقدّمه مصلحة السجون، بالإضافة إلى الوجبة القليلة التي لا تسدّ جوعهم. إيناس جابر، والدة المراهق المعتقل يزن جابر (17 عاماً)، توضح لـ"العربي الجديد"، أنّها سمعت من ابنها عن أنّ "بعض الأطفال يكتفون بتناول أرغفة الخبز وشرب الماء، لأنّهم يرفضون الأطعمة السيئة".

اقرأ أيضاً: فلسطين: استشهاد ثمانية أطفال منذ بداية أكتوبر

لا أسرى كبار

يشير رئيس لجنة أهالي الأسرى في مدينة القدس، أمجد أبو عصب، إلى أنّ هناك محاولة للاستفراد بالأطفال الأسرى في سجن "جيفعون"، لأنّ هذا الأخير غير مهيأ لاستقبال أسرى فلسطينيين، كما أن الحراس فيه غير متخصصين في التعامل مع الأطفال والقاصرين، فضلاً عن عدم وجود أي أسير فلسطيني بالغ مع الأطفال المحتجزين، كما في بقية السجون الإسرائيلية. ويشرح أبو عصب لـ"العربي الجديد" أنّ وجود أسير بالغ بين القاصرين هو من ضمن التفاهمات بين مصلحة السجون الإسرائيلية وهيئة تنظيم الأسرى في السجون، إذ يجب أن يتضمّن كل سجن للقاصرين أسيران بالغان على الأقل للعناية بهم وإرشادهم.

ويؤثر غياب الأسرى البالغين عن أقسام الأسرى الأطفال على تنظيم حياتهم فيه. في هذا الصدد، تقول والدة الطفل المعتقل يزن جابر، إيناس جابر، إنّ ابنها يزن الذي اعتُقل بعد 20 يوماً من بدء العام الدراسي الحالي، وهو في صف الثانوية العامة، يرغب بشدة في استغلال فترة وجوده في السجن لمتابعة دراسته كي لا يخسر عامه الدراسي، إلّا أنّ غياب الأسرى الكبار الذين ينظّمون هذه الدراسة ويتابعونها، يمنعه من ذلك.

وفي ظلّ هذا الاستفراد، يقول أبو عصب، إنه "خلال أسبوعين، اقتحمت قوات الاحتلال القسم 3 مرات، تخلّلها الاعتداء بالضرب والتنكيل على الأطفال الأسرى، ونقل 7 أطفال للعزل الانفرادي، منهم طفل قضى في العزل الانفرادي لمدة عشرة أيام. وتتعمّد إدارة السجن إبقاء بعض النوافذ فيه مفتوحة، ما يعرّض الأطفال للبرد والمطر، في ظلّ غياب البطانيات والوسائد الكافية".

ويشير أبو عصب، إلى اضطرار الأسرى للاستحمام بمياه باردة في هذا الطقس القارس، لعدم توفير إدارة السجن المياه الساخنة. ويلفت إلى أنّ هناك محاولة لتفريغ هؤلاء الأطفال من أي وعي وطني، مشيراً إلى أنّ هناك 21 محطة تلفزيونية متاحة في السجن، 16 منها محطات ناطقة بالعبرية، و5 منها محطات غنائية وترفيهية، لا تلبّي ظروف واحتياجات الأطفال الأسرى.

وقام المحامون الممثّلون عن هيئة الأسرى الفلسطينيين بزيارة هذا السجن ولقاء بعض الأطفال الأسرى فيه أربع مرات منذ افتتاحه في أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، فضلاً عن زيارة قام بها مندوبو الصليب الأحمر. ويرى أبو عصب أن هذه الزيارات جيّدة، ويدعو لاستمرارها وتكثيفها، إذ إن ذلك "يُعتبر أحد سبل الضغط على إدارة السجن لدفعها لتلبية احتياجات الأطفال الأسرى والرضوخ لها، بالإضافة إلى شعور هؤلاء الأسرى بالاطمئنان والدعم عند زيارة المحامين لهم".

أثمرت هذه الزيارات والضغوط نتيجة إيجابية "نسبيّاً"، إذ قامت، أخيراً، إدارة السجن بافتتاح ما يعرف بـ"الكنتين"، أي المقصف الذي يستطيع الأسرى شراء حاجياتهم منه، الأمر الذي يخفّف عنهم نوعاً ما رداءة الطعام. ويشير المحامي جميل سعادة من الدائرة القانونية لهيئة الأسرى والمحررين الفلسطينيين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّهم قاموا بالتواصل مع الأسرى في بقية السجون، وسيتم فرز أسيرين بالغيْن لنقلهم إلى قسم "جيفعون"، إلّا أن النقل يحتاج إلى الوقت.

كذلك يشكو الأهالي في القدس المحتلة من نقص في الطواقم القانونية والحقوقية التي تتولى الدفاع عن أبنائهم، إذ إن عدد المحامين المعتمدين، والذين توفّرهم المؤسسات الفلسطينية هم ثلاثة محامين فقط، عن مؤسسة الضمير، ونادي الأسير، وهيئة الأسرى والمحررين، وهو عدد غير كافٍ وغير قادر على التعامل بمهنيّة تامة واهتمام كامل مع كل حالات الاعتقال التي فاقت الـ700 في الشهرين الأخيرين.

ويلفت أبو عصب إلى أنّ المتابعة القانونية لا تقتصر على المرافعة في المحاكم، إذ من المهم وجود المحامي منذ اللحظة الأولى للاعتقال لتقديم الاستشارة القانونية وجهاً لوجه وبطريقة تعزّز من ثقة الأسير وثباته، بالإضافة إلى ضرورة تواصل المحامين بشكل مباشر ومستمر مع الأهالي لوضعهم في صورة تطور قضية ابنهم، وهي متابعة تحتاج لوجود أكثر من ثلاثة محامين متفرغين في ظلّ الأرقام المتزايدة للمعتقلين.

اقرأ أيضاً: إسرائيل قتلت نحو ألفي طفل فلسطيني منذ عام 2000‏

المساهمون