"من الواضح أنني أصبحت أثق في نفسي تقريباً، قلت تقريباً، لأنني أدركت وبشكل مبكر بأن الثقة بالنفس ليست شيئاً صلباً وثابتاً مثل سوار الفضة الذي لا يتغير عبر السنين، أن الثقة بالنفس شيء مثل ضوء هش وصغير، عليك مواصلة تغذيته باستمرار، وهكذا أفعل".
بعبارة مثل هذه، يستطيع الباحث أو المهتم بالإرث الذي تركته الكاتبة وعالمة الاجتماع النسوية المغربية فاطمة المرنيسي (1940 – 2015) أن يكشف عن هامش لافت من هوامش شخصية واحدة من أبرز المدافعات عن الفكر النسوي الإسلامي في العالم العربي، التي رحلت أمس، مخلّفة وراءها مجموعة من الكتب والدراسات النقدية حول المرأة في المجتمعات الشرقية والجذور الثقافية لاضطهاد النساء في العالم الإسلامي، ومنظومة التباينات بين الأفكار الغربية والإسلامية التقليدية من المرأة.
في كتابها " ما وراء الحجاب - الجنس كهندسة اجتماعية" (1975)، استعادة الخطاب الأيديولوجي المرتبط بالمرأة والجنس من قبضة المؤسسة الأبوية الدينية، من خلال إخضاع مجموعة من النصوص الدينية، لا سيما الأحاديث النبوية والتفسيرات، لفهم أنثوي جديد، فهم يتجاوز الرؤية الذكورية باعتبار المرأة كائناً جنسياً نشطاً، والتي أدت إلى إحداث مراقبة محكمة لحياة المرأة الجنسية، معتبرةً النظريات الكلاسيكية للمرأة كنقيضٍ ومهددٍ لمتطلبات الحداثة والمدنية.
تعتمد المرنيسي في عملها هذا على المادة الشعبية لاستكشاف الارتباك الذي حدث على العلاقات بين الذكور والإناث في الحياة المعاصرة، بفعل المؤسسة الأبوية التي احتكرت وأخذت على نفسها مهمة تفسير النصوص، في حين أنها ركّزت في كتابها "ملكات منسيات في الإسلام" على الدور الذي لعبته النساء في الحياة السياسية في الفترة المبكرة من الإسلام.
تقول صاحبة "حكايات لالة كنزة": "الكتابة هي محض إغراء. والإغراء هو عكس العنف. لقد تعلمت ذلك في المدرسة القرآنية. لماذا برأيكم كانت الكتب مثل القرآن والإنجيل هي الكتب الأكثر مبيعاً لأكثر من ألف سنة؟ ببساطة يمكننا القول: لأنهما يسعيان إلى إغواء القارئ من خلال اللغة، وليس العنف".
تذهب في كتابها "شهرزاد ترحل إلى الغرب" (2001) إلى إحداث مقارنات بين الثقافتين الغربية والشرقية، تنطلق في هذه المقارنات من كون القرآن قد نص، بشكل واضح، على المساواة بين الرجل والمرأة، في حين حرم الرجال المسلمون المرأة من حقوقها خوفاً من متطلبات المساواة.
وترى المرنيسي أن الثقافة الغربية قد أسست أصلاً لثقافة تسليع المرأة من خلال دعوات الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط المتكرّرة من ضرورة عدم انخراط النساء في علوم مثل الرياضيات والجغرافيا كون هذه العلوم قد تدمر جمالهن يوماً ما.
في الجهة المقابلة، والقول للمرنيسي أيضاً، كان الرجال المسلمون أصحاب النفوذ في القرون السابقة، يجدون متعة كبيرة في مشاركة المرأة المتعلمة لهم أثناء أدائهم للمهمات العلمية، قبل أن تسيطر المؤسسة الأبوية على مفاتيح التشريع والتفسير لينهار كل ذلك بعدها تماماً.
في عملها "أحلام النساء الحريم" (2004) تطرق المرنيسي أماكن جديدة من خلال مذكّرات لافتة تروي فيها تجارب الطفولة في حياة الحريم. في هذا الكتاب الذي يشبه السيرة الذاتية، تبيّن كيف أحدثت تلك المرحلة من عمرها الأثر الكبير في مواضيع كتاباتها على وجه الخصوص وعلى شخصيتها بالمجمل.
وعلى عكس أعمالها السابقة، لا تكتفي بقضايا المرأة فقط، حيث تذهب في كتابها "الإسلام والديمقراطية - الخوف من العالم المتمدن" (1992) إلى البحث في سؤال الديمقراطية في العالم الإسلامي.
تنطلق في ذلك من خلال تسليط الضوء على ما تتعرّض إليه حركات حقوق المرأة والمنادين بالديمقراطية في بلدان المشرق الإسلامي للعسف والقمع؛ لأن مساعي هؤلاء تهدّد منظومة الحكم القائمة، وهي بدورها تقترح على هذه الدول إعادة اختبار المنظومة القيمية التي تحكم هذه الأنظمة، وتفكيك النظرات المسبقة عن الغرب في الحكم والديمقراطية والحياة.
أجرت صاحبة "نساء في الغرب" مجموعة من البحوث حول الأثر الاجتماعي لانتشار القنوات التلفزيونية الفضائية، مصدرة كتاب شكّل باكورة أبحاثها حول هذا الموضوع تحت عنوان "حوار الجيل" (2012)، افترضت فيه أن القنوات الفضائية قد حسّنت من دور المرأة ومكانتها داخل العائلة، إضافة إلى ما قدّمته هذه القنوات من تدفّق حر للمعلومات، وفتح آفاق جديدة للحوار في المجتمع.
اقرأ أيضاً: فاطمة المرنيسي.. من وراء حجاب السوسيولوجيا