أصول مصر العقارية في طريقها إلى الإمارات

22 يوليو 2020
أبو ظبي "ممتعضة" من طريقة إدارة مساعداتها بمصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

يتجه النظام المصري إلى تفعيل تعهداته السابقة للإمارات والسعودية بزيادة ضمانات الأمان الخاصة باستثماراتهم، التي يرغب في تدفقها على "صندوق مصر السيادي"، وكذلك توسيع طبيعة الكيانات التي يمكن للدولة المصرية استثمارها في الصندوق، لتشمل بصورة واضحة جميع "الكيانات المملوكة للدولة أو الجهات التابعة لها، أو الشركات المملوكة للدولة، أو التي تساهم فيها أو يُعهد إلى الصندوق بإدارتها". وبالتزامن مع طرح تعديل على قانون الصندوق الصادر عام 2018 بهدف تحقيق ذلك، بعد اعتماده من مجلس الوزراء نهاية العام الماضي، ناقش مجلس النواب، أول من أمس الاثنين، مشروعاً آخر يتكامل معه، يتمثل في إضافة نصوص لقانون قطاع الأعمال تسمح بضمّ جميع شركات قطاع الأعمال العام إلى الصندوق. مع العلم أن التعديل المقترح أساساً يسمح بذلك أيضاً، غير أن هذه المزاوجة تستهدف تنظيم حالة الشركات، بما تضمّه من أصول ضخمة وعمالة كبيرة بعد ضمها إلى الصندوق. هذه الخطوة كانت متوقعة منذ اليوم الأول لإنشاء الصندوق الذي استحدثه الرئيس عبد الفتاح السيسي ليستحوذ من خلاله على أصول الدولة ويسمح باستثمارها بسهولة، من دون الاصطدام بعراقيل اقتصادية وقانونية، بل خلق له وضعاً يرى كثير من المراقبين أنه غير دستوري. فقانون الصندوق يسمح له باستغلال واستثمار وبيع الأملاك العامة التي من المفترض دستورياً أن تديرها الدولة بالنيابة عن الشعب، بحجة أن تلك الأملاك هي أصول غير مستغلة، وأن الدولة عاجزة عن استغلالها بالصورة المثلى. وسيتم نقلها بعد تطبيق القانون عليها بقرار جمهوري من حيز الملكية العامة إلى الحيز الخاص، وسيتم تصنيفها بأنها "من أملاك الدولة الخاصة"، ما يعني أن حصيلة استغلال تلك الأملاك لن تخصص للمنفعة العامة، بل سيعاد تدويرها واستغلالها في أنشطة الصندوق الأخرى التي ستمارس بمعزل تام عن الأجهزة الرقابية.


المادة 19 تسمح بـ"التنازل" عن الأصول غير المستغلة

وأجرت وزارتا التخطيط والاستثمار اتصالات مع الإمارات والسعودية طوال العامين الماضيين، لإتمام شراكات استثمارية بين الصندوق المصري وبعض الصناديق الاستثمارية في تلك الدول، بهدف تأسيس صناديق مشتركة أو شركات مساهمة، تخرج بأصول الصندوق تماماً من نطاق الأملاك الحكومية. وستصبح تلك الصناديق أو الشركات من أشخاص القانون الخاص في مصر مهما كانت نسبة مشاركة الدولة فيها، وفقاً للمادتين 13 و14 من القانون اللتين تجيزان لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بنقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة والمملوكة للدولة أو لأي من الجهات أو الشركات التابعة لها، إلى ملكية هذا الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل. وبحسب تقارير سابقة لهيئات محاسبة، فإن من بين الأصول التي من الممكن التصرف بها الآن، الأراضي المملوكة لشركات: الحديد والصلب المصرية (بقيمة 500 مليون جنيه، أي نحو 32 مليون دولار)، والنصر لصناعة الكوك (الفحم)، والنصر لصناعة المطروقات، والأهلية للأسمنت في أبوزعبل، والمصرية للجبسيات، والقابضة للغزل والنسيج وشركاتها في المحافظات، والقابضة للنقل البحري والبري، والقابضة للتأمين، والقابضة للتشييد والتعمير، والقابضة للأدوية، والقومية للأسمنت (منها 800 فدان في حلوان). الصيد الكبير للصندوق يتمثل في شركات قطاع الأعمال العام المتعثرة والمحتضرة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من ذلك، فهي تمتلك العديد من السمات التي جعلتها مطمعاً للمستثمرين المصريين والعرب منذ آخر عقد في حكم الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، وأهم تلك السمات هي المساحات الشاسعة من الأراضي في جميع المحافظات وجميع مناطق القاهرة الكبرى تقريباً، ومعظمها مساحات غير مستغلة على الإطلاق.

ويعبّر مشروع القانون عن هذا الاتجاه صراحة؛ فللمرة الأولى منذ صدور قانون قطاع الأعمال العام الصادر عام 1991، تسمح المادة 19 بالتصرف في الأسهم والحصص المملوكة للدولة في الشركات القابضة، وكذلك الأسهم والحصص التي تملكها الشركات القابضة في الشركات التابعة لها أو غيرها من الشركات. وهو ما اعترض عليه مجلس الدولة عند مراجعته للمشروع خلال الشهر الحالي في ملاحظاته، التي ذكر فيها أن ذلك الاتجاه يخالف فلسفة القانون بالكامل، والقائمة على أن تكون ملكية الشركات القابضة بالكامل للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة، كما تنص المادة الأولى منه، والتي لن يطرأ عليها تعديل. وتقف مراجعة مجلس الدولة حجر عثرة أمام تمرير سهل لمشروع القانون في مجلس النواب الموالي للنظام، ففي الملاحظات إدانة صريحة للتصرف في رأسمال الشركات القابضة أو طرحها أو السماح بتداول أسهمها، مع الإشارة للفارق الجوهري بين الشركات القابضة والتابعة في ذلك، إذ يسمح القانون بالتعامل على أسهم الشركات التابعة فقط. كما يفصح المشروع عن نوايا نقل التبعية للصندوق ومن ثم المستثمرين بصورة فاضحة، فالمادة 19 أيضاً تسمح صراحة بـ"التنازل" عن الأصول غير المستغلة، بقرار من مجلس إدارة الشركة، من دون مقابل، في إجراء ليس له مثيل في القوانين الحاكمة للتعاقدات الحكومية، فضلاً عن عدم تحديد النص ضوابط التنازل والسمات الواجب توافرها في الجهة المتنازل إليها، مما يوسع احتمالية التنازل لتشمل ما هو أبعد من الصندوق السيادي، مثل الأشخاص والشركات المصريين وغير المصريين. وهناك 126 شركة قابضة وتابعة في ذلك القطاع، تمّ تصفية شركتين فقط بعد تعرّضهما لخسائر قياسية خلال 6 سنوات، فضلاً عن وجود عشرات الشركات الخاسرة التي فشلت خطط النهوض بها أو تسويقها من جديد. وتُعتبر العمالة الكثيفة التي تحظى بحماية قانونية في تلك الشركات من أسباب عدم إقبال المستثمرين على شرائها، خصوصاً بعد صدور عشرات الأحكام قبل وبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ببطلان التصرفات التي تمّت على تلك الشركات ودانت فساد العقود التي أبرمت مع المستثمرين. وكان النظام واضحاً في توجهه لإلغاء آثار تلك الأحكام، حتى قبل وصول السيسي لقصر الاتحادية، فصدر قانون يمنع العمال من الطعن على خصخصة وبيع أسهم في الشركات التي يعملون فيها. وفي نفس الاتجاه تمضي التعديلات الجديدة التي أدخلت على قانون قطاع الأعمال العام تمهيداً لنقل شركاته لـ"صندوق مصر السيادي"، قدماً، خصوصاً مع اقتراح موادّ تهدف إلى إلغاء حقوق العمال ومشاركتهم في اتخاذ القرار وحريتهم النقابية. وتُعتبر هذه الخطوة تعبيرا عن توافق بين دوائر النظام السياسية والاقتصادية والتشريعية على وجوب تسليم تلك الشركات للصندوق تمهيداً لإعادة استغلالها بالكامل، خالية من مسببات المشاكل المستقبلية بين المستثمرين وشركاء الصندوق من ناحية والعمال من ناحية أخرى، فكان الحل السهل هو الجور على مصالح الفئة الأخيرة. وعلى سبيل المثال؛ يتضمن مشروع تعديل قانون قطاع الأعمال الذي وافقت عليه اللجنة المختصة في مجلس النواب نصاً يسمح لأعضاء اللجنة النقابية فقط باختيار ممثل العمال في مجلس إدارة الشركة التابعة، وحرمان العمال من ممارسة حقوقهم في اختيار منظماتهم النقابية والانضمام لها أو الانسحاب منها، في صورة مخالفة للدستور، بما ينتهي إلى خلق وضع يُجبر فيه العامل على الانضمام للجنة النقابية، ثم حرمان من لم ينضموا لها من اختيار ممثليهم. بالتالي يضمن النظام التأثير على رأي وموقف ممثل العمال في مجلس الإدارة ليكون متماشياً مع موقف اللجنة النقابية، والمشاركة في اتخاذ القرارات الخطيرة مثل التنازل عن الأصول. يذكر أن قانون الصندوق السيادي كان يقتصر في تعامله، عند إصداره عام 2018، على إعطاء الحق لرئيس الجمهورية بناء على عرض رئيس الوزراء والوزير المختص، نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة أو المستغلة، شرط الاتفاق مع وزير المالية والوزير المختص، إلى الصندوق، مما يفتح الباب بشكل تلقائي لخصخصة آلاف الكيانات الحكومية. لكن هذا على ما يبدو لم يكن كافياً، فأضافت الحكومة في مشروع قانون سيصدر قريباً عبارة "التي تساهم فيها الدولة"، مما يعني إضافة طيف واسع من الكيانات الاقتصادية التي تساهم فيها الدولة المصرية، من خلال جهاتها التنفيذية أو الشركات القابضة والتابعة بقطاع الأعمال العام، وحتى الجيش والمخابرات والأجهزة السيادية والأمنية الأخرى التي دخلت سوق الاستثمار بكثافة في عهد السيسي.


ستُمارس أنشطة صندوق مصر بمعزل عن الأجهزة الرقابية

وسبق أن ذكر مصدر مطلع بمجلس الوزراء لـ"العربي الجديد"، أن "التعديلات تم وضعها على عجالة بتوجيهات مباشرة من السيسي بعد عودته من زيارته لأبو ظبي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بهدف تلافي بعض المشاكل التي شغلت المستثمرين الإماراتيين وحكومتهم الفترة الماضية بشأن استثماراتهم في مصر ومساعداتهم للنظام الحاكم". وأضاف أن "المسؤولين الإماراتيين أبلغوا السيسي وعدداً من الوزراء المصريين خلال هذه الزيارة، وخلال زيارة سابقة لوفد من المستثمرين المصريين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنهم غاضبون من الطريقة التي تدار بها المساعدات الإماراتية لمصر، سواء التي يتم تخصيصها للحكومة أو تلك التي يفوض السيسي الجيش في التعامل معها، وأن مناخ الاستثمار في مصر، لا سيما في الصندوق السيادي، لا يتسم بالأمان الكافي". وخلال تلك الزيارة أطلق السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ما وُصف بـ"منصّة استثمارية استراتيجية مشتركة" بقيمة 20 مليار دولار، مناصفة عبر شركة أبوظبي التنموية (القابضة) و"صندوق مصر السيادي". وبعد عملية الإطلاق، قالت وزيرة التخطيط هالة السعيد، إن نسب المساهمة في المنصة ستتوزع بواقع 50 في المائة لكل طرف، على أن تسهم مصر بأصول عينية، تعادل 10 مليارات دولار، في مقابل توفير شركة "أبو ظبي التنموية القابضة"، ممثلة عن الجانب الإماراتي، سيولة مالية بنفس القيمة، إلا إذا تم الاتفاق على خلاف ذلك، وأن المرحلة الأولى تتضمن إنشاء ثلاثة صناديق فرعية في مجالات الصناعة الزراعية والقطاعات المالية والسياحة، كاشفة أن مدة الاتفاق تتراوح بين 7 و10 سنوات.

تقارير عربية
التحديثات الحية