تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. هنا وقفة مع الباحث والمترجم الإسباني إغناثيو غوتيريث دي تيران حول تجربته مع الأدب العربي وترجماته.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- في عام 1986 التحقت بكلية الآداب لدراسة اللغات الحديثة واكتشفت العربية ففُتنت بها، ثم تخرّجت من قسم الدراسات العربية والإسلامية في العام 1991 وتوظّفت لاحقاً في وكالة "إيفي" للأنباء مترجماً من الإسبانية إلى العربية، ثم انتسبت إلى جامعة مدريد إلى اليوم. خلال ذلك، عشت فترات زمنية في كل من المغرب ومصر وسورية.
■ ما هو أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
- أول ترجمة أدبية أكملتها هي "التبر" للروائي الليبي إبراهيم الكوني، وكان التلقي جيداً وقتها لأنها رواية سلسة ومثيرة تجذب اهتمام القارئ من أول صفحة، وهي تبرع في إظهار جوانب حضارية غير معروفة في بيئتنا الأوروبية عن طريق حكاية إنسانية ذات معانٍ كونية.
■ ما هو آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- صدرت قبل أسابيع قليلة ترجمة "القوقعة" (دراسات الشرق والمتوسط في مدريد) للكاتب السوري مصطفى خليفة، ومن المشاريع المقبلة نقل إحدى رسائل الجاحظ ("الجواري والغلمان") ومختارات من الشاعر نوري الجرّاح إضافة إلى مؤلفات عربية قديمة وحديثة أخرى. ومن "المشاريع الكبيرة" إنشاء سلسلة كاملة مما يُعرف بـ"كتب الباه" العربية الكلاسيكية وكذلك نقل عظماء الشعر العربي القديم من الفرزدق وابن الرومي وأبي العتاهية والمتنبي وأبي تمام، وهم شعراء لم ينالوا القسط المستحق من الترجمة والشهرة باللغة الإسبانية.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- العقبة الرئيسية - وهي تعرقل العمل الأدبي والترجمة في إسبانيا بشكل عام - هي نسبة القرّاء المنخفضة وتراجع الإقبال على الكتب. فما عدا الكتّاب المشاهير والعناوين "الشعبية" ليس هناك اهتمام كبير بالأدب سواء أكان إسبانياً أو أجنبياً، ما يدفع الكثير من دور النشر الرئيسية إلى الاستغناء عن المؤلفات العربية، ولولا نشاط مؤسسات صغيرة الحجم لكان عدد الأعمال الأدبية العربية المترجمة بالإسبانية قليلاً للغاية. زد على ذلك انحسار المساعدات والمنح المالية التي كانت تخصّصها الدولة والجهات الحكومية المختلفة من وزارة الثقافة إلى المعاهد الثقافية من أجل تدعيم الترجمة من اللغات غير الإسبانية. وهناك معضلة أخرى تتمثل في عدم انتشار الروايات والمجموعات الشعرية والمسرحيات في القارة الأميركية الناطقة بالإسبانية على الرغم من الإمكانيات والفرص العظيمة الموجودة هناك، وليت الجهات المعنية في العالم العربي تنتبه إلى الأرض الخصبة التي تمثلها أميركا الهيسبانية وتعمل على الاستثمار فيها ثقافياً وحضارياً ومعرفياً.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيّنين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- هذه ثغرة نعاني منها ولكن هناك مترجمين يبذلون قصارى جهدهم من أجل تقريب الأعمال الفلسفية والعلمية والفقهية والسياسية والاجتماعية وما شابه إلى القارئ الناطق باللغة الإسبانية (فلا يمكن إغفال قراء أميركا الجنوبية الذين يبدون رغبة شديدة في الاطلاع على الثقافة العربية) ولكنها جهود ما زالت فردية أو قليلة التأثير، وإن ظهرت هناك مؤسسات صغيرة تجدّ دون كلل في مجال التعريف بالتحف الثقافية العربية، لا سيما أن الجزء الأكبر منها ما زال غير متوفر باللغة الإسبانية.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- التعاون منحصر في التعامل مع بعض المؤسسات والأشخاص ودور النشر ومما يعرقل مساعي التواصل المستمر المثمر عدم وجود مؤسسات عربية تشرف على التنسيق مع المستعربين الأجانب في أوروبا وكذلك غياب معاهد لغوية وثقافية من أمثال"ثربانتيس" أو "غوته" أو "المجلس البريطاني" تروّج للحضارة العربية وتمدّ الجسور مع المجتمعات الأوروبية. أي، نحن في أمس الحاجة إلى سياسة ثقافية موحدة أو متماسكة على الأقل، تعكس نظرة مشتركة لكل البلدان العربية أو أغلبيتها، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود!
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- الأدب العربي في غنى عن التقديم والحديث عن مزاياه، ما نريده هو الدعم الرسمي من الحكومات والمؤسسات العربية من أجل نقل روائع الرواية والشعر والمسرح والمقال والفكر إلى اللغة الإسبانية ومساندة المثقفين العرب حتى تسنح لهم فرصة الحضور إلى العالم الناطق بالإسبانية وإنصاف الثقافة العربية المظلومة في وسائل الإعلام والتيارات الفكرية السخيفة السائدة في الغرب. ومن خلال الترجمات، التي ما زالت على وتيرة مقبولة نوعاً ما رغم جميع العقبات والعراقيل والمطبات؛ يطلّ القارئ الناطق بالإسبانية على واقع أدبي متنوّع وقريب في آن من أساسيات الأدب الناطق بالإسبانية.
بين القوقعة والروض العاطر
ولد إغناثيو غوتيريث دي تيران سنة 1967 في مدريد. تشمل اشتغالاته مواضيع وعصورا ومجالات متعدّدة (من الأدب إلى الاقتصاد)، كما أنه يترجم من وإلى العربية. من الأدب القديم ترجم "الروض العاطر" و"نزهة الألباب"، ومن الحديث "حبّات النفتالين" لعالية ممدوح، و"القوقعة" (بالاشتراك مع نعومي دياز) لمصطفى خليفة، و"حجارة بوبيليو" لإدوار الخراط وغيرها، بالإضافة إلى مختارات شعرية لمحمد الماغوط.