أصدقاء ترامب في الخليج

18 فبراير 2017
+ الخط -
تسبب إصدار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً، يقضي بحظر سفر مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، بجدل وإرباك واسعين في الداخل الأميركي، والساحة الدولية. وأحدث احتجاجات واسعة ومعارك في المحاكم الفيدرالية الأميركية بين منظمات الحقوق المدنية والرئاسة بقيادة ترامب. بل وصل الأمر إلى صدام نادر من نوعه داخل السلطة التنفيذية نفسها، بين الرئيس ترامب والبيروقراطيات التنفيذية. وأوقفت الأمر التنفيذي محكمة فيدرالية في سياتل، وأيدت إحدى محاكم الاستئناف الفيدرالية قرار الإيقاف، في هزيمةٍ أوليةٍ للرئيس ترامب. لكن المثير أن قرار ترامب استثنى، ولحسن الحظ، دولاً عربية عديدة، في مقدمتها دول الخليج، بينما استهدف القرار إيران، باعتبارها إحدى الدول في لائحة الحظر. وقد تزامن ذلك مع تصريحات ومواقف متشدّدة، أطلقها ترامب ضد إيران ودورها في الشرق الأوسط، منها تحذير رسمي لإيران، بعد إطلاق الأخيرة صاروخاً باليستياً تجريبياً.
في ظل هذه المواقف للرئيس ترامب، أطلق محللون وإعلاميون سعوديون وخليجيون حملة على "تويتر" لشكر الرئيس ترامب على "تصديه للإرهاب الإيراني". لن أكلف نفسي عناء نقد الحملة من منطلق أخلاقي. بدايةً، لا يبدو أن مطلقي الحملة على علم تام بالخلفية الفكرية لقاعدة ترامب، أو أنهم اختاروا تجاهل تلك الخلفية عمدا، فالمتابع الجاد يكتشف أن قاعدة ترامب التي يسيطر عليها اليمين البديل (alt right) ذو العلاقات القوية مع مساعد الرئيس ترامب وكبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض، ستيف بانون، تضمر عداء شديدا للسعودية، دولةً ومجتمعا. ويبدو ذلك واضحا في مقابلات بانون التي كان يجريها في برنامجه اليومي على الراديو، إذ أنه في هذا البرنامج وموقع بريتبارت نيوز، مثلا، لم يتورع عن نشر إشاعات حيال علاقة همّة عابدين، مستشارة المرشحة السابقة هيلاري كلينتون، "بالإرهاب الإسلامي"، مستشهدا بعلاقة مزعومة بين عابدين والمخابرات السعودية. وألمح الرئيس ترامب نفسه إلى الادعاءات نفسها، ناهيك عن مساندته، هو وقاعدته، قانون جاستا الذي استهدف السعودية. ما يعنيه ذلك أن قاعدة ترامب (وترامب نفسه) لن تتورع عن اتخاذ قرارات معادية للسعودية في حال حصل أي هجوم إرهابي في أميركا، لأن هذه القاعدة طالما اتهمت السعودية بنشر "الإرهاب الإسلامي" واحتضانه.
ولا تتوقف الأمور عند هذا الحد، إذ يبدو أن أصدقاء ترامب في الخليج يتعاملون بسذاجة مع الإدارة الأميركية، ومن منطلق أنها جمعية خيرية، مسؤوليتها حماية مصالحهم، متناسين أن السياسة الخارجية الأميركية، منذ هجمات "11 سبتمبر" في العام 2001، كان لها الدور الأبرز في فتح المجال أمام التمدّد الإيراني في الخليج، فلم يبدأ هذا التمدد في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، بل في ظل إدارة بوش والمحافظين الجدد، ذوي الخطاب الصقوري والمتشدّد نحو إيران. ويوضح سفير أميركا في العراق، إبّان فترة حكم بوش، زلماي خليل زاد، في كتابه "المبعوث" أن إيران والولايات المتحدة عقدتا مباحاثات سرية قبل احتلال الأخيرة العراق، للبحث في مستقبل العراق، و قدمت إيران ضمانات بعدم استهداف الطائرات الأميركية، حتى إذا دخلت إلى المجال الجوي الإيراني خطأ. وذلك يعني أن الولايات المتحدة، حتى في ظل أكثر الإدارات تطرفا نحو إيران، لن تتورع عن التعامل مع إيران سرا، حتى لو أدى ذلك إلى إضعاف حلفائها في المدى الطويل، وأعني بذلك السعودية تحديداً.
ليس مستغرباً أن الأصوات نفسها التي تدعو إلى التقارب مع الرئيس الأميركي وشكره هي الأصوات نفسها التي تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل (أو تتقاطع معها على الأقل)، فتلك الأصوات مدفوعة برؤيةٍ لا تأبه للتخطيط في المدى الطويل، أو حتى الحصافة السياسية في المدى القصير على أقل تقدير، بل مدفوعة بتصور شوفيني ضيق للأمن الوطني السعودي، لا يرى ضررا في عزل السعودية عن محيطها العربي والإسلامي، باتخاذ سياساتٍ من شأنها استعداء الشعوب العربية والإسلامية، مثل التقارب مع إدارة أميركية فاشية، تعلن عداءها للمسلمين والأقليات في أميركا جهاراً. وهي رؤية تعتبر بمثابة هدية مجانية لإيران وحلفائها في المنطقة. ولعل المضحك والمخزي أن تلك الرؤية وأصحابها من قادة حملة "شكر الرئيس" يكرّرون، في نهاية الأمر، نسخة رخيصة ومستوردة من أفكار اليمين الانعزالي في لبنان إبّان الحرب الأهلية.
A9C4E085-AD20-441F-8A5C-2F5BD6EFF501
A9C4E085-AD20-441F-8A5C-2F5BD6EFF501
لؤي اللاركيا

باحث سعودي وأستاذ في العلوم السياسية المقارنة ومحاضر في جامعة هيوستن الأميركية.

لؤي اللاركيا