واصلت الصحف الروسية في أعدادها الصادرة اليوم الإثنين، تناولها تداعيات قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من سورية، وما يترتب عليه من مكاسب جيوسياسية لروسيا تتخللها مخاطر كثيرة، مثل التقارب بين واشنطن وأنقرة، وسعي إيران لإنماء نفوذها في شمال شرق سورية.
وفي مقال بعنوان "من يستفيد من انسحاب القوات الأميركية من سورية؟" نشر بصحيفة "فيدوموستي"، اعتبر الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق أليكسي خليبنيكوف، أنه "من المبكر اعتبار روسيا الأكثر استفادةً من قرار ترامب"، وأن مبادرة سيد البيت الأبيض "تزيد من الغموض حول النزاع السوري والمخاطر على جميع الأطراف المعنية، بما فيها موسكو".
وعزا كاتب المقال تشكيكه في استفادة روسيا إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أولها عدم الكشف عن أي تفاصيل للخطة الأميركية وما إذا كانت تقتضي انسحابا كاملا أم بقاء جزء من القوات مثل أفراد المهام الخاصة ووكالة الاستخبارات المركزية، وما إذا كانت شركات عسكرية خاصة ستبقى على الأراضي الخاضعة لسيطرة الأكراد.
وثانيها، هو أن دور الولايات المتحدة في سورية كان محدودا من أساسه، ولم تكن مهمة عسكرييها الرئيسية هي المشاركة في أعمال القتال، وإنما دعم وحدات "قوات سورية الديمقراطية" الكردية وتدريب قوات الدفاع الشعبي، وضمان عدم شن أي من اللاعبين الإقليميين، تركيا وإيران، أعمالا عسكرية على الأكراد.
وثالثها، هو أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وحليف أميركي هام في المنطقة، وقد تكون واشنطن قررت المصالحة مع أنقرة عن طريق إعلان الانسحاب من سورية والموافقة على تزويدها بصواريخ "باتريوت" للدفاع الجوي، بعد أن أثر الدعم الأميركي للأكراد سلبا على العلاقات الأميركية - التركية.
أما أهم مكاسب موسكو من الانسحاب الأميركي، فلخصها الخبير الروسي في أنه في هذه الحالة "ستصبح روسيا هي اللاعب العالمي الوحيد على الأرض، وقد يزداد دورها بصفتها وسيطا بين الأتراك والأكراد والإيرانيين والسوريين".
من جهتها، أرجعت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سورية وأفغانستان، إلى اعتزام إدارته المضي قدما على طريق تقليص الالتزامات ذات الكلفة العالية، حتى إذا كانت في منطقة هامة إستراتيجياً مثل الشرق الأوسط.
وفي ما يتعلق بتداعيات القرار الأميركي، اعتبرت الصحيفة في مقالتها الافتتاحية أنه "سيخلق فراغا سيترك بلا حماية من كانت القوات الأميركية تعتمد عليهم في مكافحة "الخلافة"، مثل مقاتلي قوات سورية الديمقراطية".
إلى ذلك، حذرت "نيزافيسيمايا غازيتا" من أن تقليص القوات الأميركية في أفغانستان سيفتح مجالا أمام حركة "طالبان" لمواجهة كابل.
وفي ما يتعلق بالمكسب الرئيسي لروسيا، لخصته الصحيفة أيضا في أنها ستصبح المحاور الوحيد مع كافة القوى الإقليمية مثل إسرائيل وتركيا وإيران ودول الخليج، نظرا لإظهارها القدرة على التوازن بين القوى ذات التوجهات المختلفة تماما.
ومع ذلك، خلصت الصحيفة الروسية إلى أن ذلك لن يكون انتصارا جيوسياسيا إلا في حال حققت روسيا مكاسب من الوضع الراهن، متفقة مع وجهة نظر ترامب في أنه في حال كان البلد يشن عمليات عسكرية غير رابحة في الخارج، فإنه ليس على الطريق الصحيح.
وسبق للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن أعرب في الأسبوع الماضي عن اتفاقه مع نظيره الأميركي، "بشكل عام" في تقديره بشأن إلحاق هزيمة بتنظيم "داعش" الإرهابي في سورية، ومرحبا بقرار البيت الأبيض سحب القوات الأميركية والتي وصف وجودها في سورية بأنه "غير مشروع".
ومع ذلك، أكد بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي الكبير يوم الخميس الماضي، أن روسيا لم ترَ بعد مؤشرات للانسحاب الأميركي من سورية، محذرا من خطر انتقال المسلحين إلى دول أخرى.