ربما لم تعش مدينة في العالم بين أسواقها وموسيقاها كما كانت تعيش حلب، وكما ستبقى تعيش. وربما لا يعرف أحد إلى أي عام تماما يعود بناء أسواق حلب المسقوفة الأولى، ومن كان أول من بناها، لكن الجميع يعرف أن أقدم تاريخ لأسواق حلب القديمة يعود للقرن الرابع قبل الميلاد، وهذا هو الجزء الواصل بين قلعة حلب وبين بواباتها أو تحديدا باب أنطاكية، لكن الشكل الحالي للسوق هو نتيجة ما بني فيه في القرن الخامس عشر الميلادي، وبعده أيضاً حصل تحديث جديد في القرن السادس عشر وهذا هو تاريخ المجموعة الممتدة مع الجامع الأموي على شكل خط مواز لجهته الجنوبية، وفي القرن السابع عشر الميلادي احترق جزء من هذه الأسواق، في حين أمر الوالي العثماني عام 1888 ببنائها على طريقة الجملون مع النوافذ السقفية، إذ اهتم العثمانيون كثيراً بحلب لأنها كانت سيدة التجارة بين الجنوب، أي دمشق والقدس والجزيرة العربية، وبين الشمال، أي الأناضول وتركيا. وهي أيضا المدينة الواصلة بين البحر والبادية والتي تشتهر بالصناعات العريقة.
يبلغ عدد هذه الأسواق سبعاً وثلاثين سوقاً، وكلها عبارة عن سوق كبيرة جدا تتقاطع أقسامها مع بعضها بعضاً لتشكل تحفة فنية ضخمة، لذا فقد دخلت موسوعة غنيس كأطول الأسواق المسقوفة في العالم، كونها كانت تشكل مع خاناتها مدينة كبيرة متكاملة فيها كل مقومات المدينة، مدينة تعيش في داخل مدينة أوسع، فأسواق حلب القديمة تعد من أكبر وأطول الأسواق القديمة المغطاة في مدن العالم حتى أنها تتفوق على أسواق دمشق القديمة، إذ كان يبلغ مجموع أطوال أسواق حلب القديمة 15 كلم، ومساحتها 16 هكتاراً، أي ما يعادل 160 ألف متر مربع.
اقــرأ أيضاً
كل هذه الأسواق مغطاة بسقوف حجرية آسرة المنظر، وذلك بخلاف أسواق دمشق المغطاة بسقوف معدنية، وأسواق حلب مبنية بشكل هندسي خاص، إذ إنها مصممة على شكل الأقبية، وهي إسطوانية بعقود مقببة ضخمة، وتوجد في سقوفها نوافذ للإنارة لتسمح لأشعة الشمس بأن تتسلل كحزم من الذهب المنثور يشع على الأواني المعروضة، وهذه الثقوب أيضا تسمح للهواء الرطب بالتسرب إلى السوق لتضيف جوا عليلاً بشكل دائم مهما كان الطقس في الخارج.
تتنوع الأسماء الجميلة لهذه الأسواق، فهناك سوق الفرائين، وسوق النساجين، وسوق الزرب، وسوق الصناعة، وسوق الغار، وسوق العطارين، وسوق الصابون، وسوق العبي، وسوق السراجين، وسوق الخيش، وسوق الجوخ، وسوق الشام، وسوق إسطنبول، وسوق القطن، وسوق البالستان، وسوق القوافين، وسوق الجمرك، وسوق الباطية، وسوق الطرابيشية، وأسماء أخرى متفرعة من هذه الأسماء، كلها قادمة من نوع الصناعات التي تباع في السوق، ولكن بعضها قد حرف بفعل الزمن وبسبب اللغة التركية، فسوق الزرب كان أصلها سوق الضرب أي سوق سك العملات المعدنية ودق القطع والأواني التي تحتاج إلى طرق.
ولعل أكثر ما يميز أسواق حلب هو الخانات التي ميزت العصر المملوكي، والتي تحولت إلى مكان لإقامة الجاليات الأجنبية، مثل الجالية الإيطالية والفرنسية، وعددها سبعون خانة، وهي بمثابة فنادق جاهزة دائما تابعة للأسواق، مجانية لتوفر الراحة والمنامة للتجار القادمين لمدينة حلب التي اشتهرت كمركز حضاري تجاري منذ مئات السنين، ولمعظم هذه الخانات واجهات جميلة جدا تعج بالزخارف ذات الطابع الشرقي، كما أن مداخلها ذات أقواس عالية تنفتح عليها الأبواب الخشبية الكبيرة المطعّمة بالنحاس أو بالحديد.
ومهما قصفتها الطائرات الروسية والتابعة للنظام، ستبقى حلب تلك المرأة الأنيقة الجميلة صاحبة الصوت المميز والأنامل القادرة على ابتكار أعذب الألحان وأكثرها خصوصية، المدينة التي تذهب للسوق كل صباح منذ فجر الحضارات، المرأة النظيفة صاحبة صابون الغار، المرأة التي تحمل حقيبتها ولا تضع أية مساحيق تجميلية، وتذهب لكي تصنع للعالم أول تاريخ، تدخل سوقها كل صباح كأنها تدخله للمرة الأولى، تشتري منه ملامحها التي تتجدد كل يوم مثلما تشتري الأنسجة والمصنوعات القطنية، لا تتعب، لا تبرد، لا يزعجها الحر، فقط رائحة خشب الأبواب القديمة للأسواق فيها تجعل طعم الحياة كله كطعم الشجر.
اقــرأ أيضاً
يبلغ عدد هذه الأسواق سبعاً وثلاثين سوقاً، وكلها عبارة عن سوق كبيرة جدا تتقاطع أقسامها مع بعضها بعضاً لتشكل تحفة فنية ضخمة، لذا فقد دخلت موسوعة غنيس كأطول الأسواق المسقوفة في العالم، كونها كانت تشكل مع خاناتها مدينة كبيرة متكاملة فيها كل مقومات المدينة، مدينة تعيش في داخل مدينة أوسع، فأسواق حلب القديمة تعد من أكبر وأطول الأسواق القديمة المغطاة في مدن العالم حتى أنها تتفوق على أسواق دمشق القديمة، إذ كان يبلغ مجموع أطوال أسواق حلب القديمة 15 كلم، ومساحتها 16 هكتاراً، أي ما يعادل 160 ألف متر مربع.
كل هذه الأسواق مغطاة بسقوف حجرية آسرة المنظر، وذلك بخلاف أسواق دمشق المغطاة بسقوف معدنية، وأسواق حلب مبنية بشكل هندسي خاص، إذ إنها مصممة على شكل الأقبية، وهي إسطوانية بعقود مقببة ضخمة، وتوجد في سقوفها نوافذ للإنارة لتسمح لأشعة الشمس بأن تتسلل كحزم من الذهب المنثور يشع على الأواني المعروضة، وهذه الثقوب أيضا تسمح للهواء الرطب بالتسرب إلى السوق لتضيف جوا عليلاً بشكل دائم مهما كان الطقس في الخارج.
تتنوع الأسماء الجميلة لهذه الأسواق، فهناك سوق الفرائين، وسوق النساجين، وسوق الزرب، وسوق الصناعة، وسوق الغار، وسوق العطارين، وسوق الصابون، وسوق العبي، وسوق السراجين، وسوق الخيش، وسوق الجوخ، وسوق الشام، وسوق إسطنبول، وسوق القطن، وسوق البالستان، وسوق القوافين، وسوق الجمرك، وسوق الباطية، وسوق الطرابيشية، وأسماء أخرى متفرعة من هذه الأسماء، كلها قادمة من نوع الصناعات التي تباع في السوق، ولكن بعضها قد حرف بفعل الزمن وبسبب اللغة التركية، فسوق الزرب كان أصلها سوق الضرب أي سوق سك العملات المعدنية ودق القطع والأواني التي تحتاج إلى طرق.
ولعل أكثر ما يميز أسواق حلب هو الخانات التي ميزت العصر المملوكي، والتي تحولت إلى مكان لإقامة الجاليات الأجنبية، مثل الجالية الإيطالية والفرنسية، وعددها سبعون خانة، وهي بمثابة فنادق جاهزة دائما تابعة للأسواق، مجانية لتوفر الراحة والمنامة للتجار القادمين لمدينة حلب التي اشتهرت كمركز حضاري تجاري منذ مئات السنين، ولمعظم هذه الخانات واجهات جميلة جدا تعج بالزخارف ذات الطابع الشرقي، كما أن مداخلها ذات أقواس عالية تنفتح عليها الأبواب الخشبية الكبيرة المطعّمة بالنحاس أو بالحديد.
ومهما قصفتها الطائرات الروسية والتابعة للنظام، ستبقى حلب تلك المرأة الأنيقة الجميلة صاحبة الصوت المميز والأنامل القادرة على ابتكار أعذب الألحان وأكثرها خصوصية، المدينة التي تذهب للسوق كل صباح منذ فجر الحضارات، المرأة النظيفة صاحبة صابون الغار، المرأة التي تحمل حقيبتها ولا تضع أية مساحيق تجميلية، وتذهب لكي تصنع للعالم أول تاريخ، تدخل سوقها كل صباح كأنها تدخله للمرة الأولى، تشتري منه ملامحها التي تتجدد كل يوم مثلما تشتري الأنسجة والمصنوعات القطنية، لا تتعب، لا تبرد، لا يزعجها الحر، فقط رائحة خشب الأبواب القديمة للأسواق فيها تجعل طعم الحياة كله كطعم الشجر.