أسواق البرغوث الاسكندنافيّة

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
04 يوليو 2015
01D18F1B-F795-4E68-A612-837196726F73
+ الخط -
تحكم أسواق البضائع المستعملة بشتى أنواعها، وتلك القديمة والحديثة على حدّ سواء، ثقافة مجتمعية خاصة في دول الشمال الاسكندنافية. ولكل فصل من فصول السنة سوقه الخاص، بالإضافة إلى انتشار تلك الأسواق كثوابت في حياة المجتمعات المحلية في المدن كما في الأرياف. على سبيل المثال، يجد المتجوّل في أنحاء الدنمارك لافتات كثيرة تشير إلى "لوبا ماركت" أي "سوق البرغوث".

وتختلف التفسيرات حول التسمية. قد يرتبط ذلك بالبراغيث التي تعيش عادة في مكان تخزين الأثاث أو الملابس وبينها، في حين تفسّر آراء أخرى الأمر بأن تلك الأغراض تقفز كالبراغيث وتنتقل من مالك إلى آخر.

ولا تعرف الأسواق المستعملة حرجاً أو خجلاً، لا في التداول ولا في التسويق لها. ويمكن أن تجد بعض الأثرياء في كبرى أسواق المستعمل، بحثاً عن أثاث قديم جداً. وهي ليست فقط مناسبة لما يطلقون عليه "مفاصلة" أو لعقد الصفقات ما بين البائع والشاري بعد أخذ ورد حول الأسعار، فهذه الأسواق تحولت مع الوقت إلى حالة مجتمعية تخرج فيها القرية أو الحي في المدينة أو حتى المدينة إلى أكبر أسواق البضائع المستعملة التي تقام مرّة أو مرتَين في العام، لتلتقي بما يسميه أهل هذه البلاد "متعة الوقت".

قد تجد مثلاً سياحاً يتجولون في شارع طويل، وسط العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، يقلّبون البضائع والسلع الخاصة، ومنها نظارات قديمة وأسطوانات موسيقى وحقائب ظهر وأحذية وسترات كانت موديلاتها رائجة في بلادهم، أو حتى علب فارغة تذكّر إحدى المسنّات بطفولتها مثلاً.

وفي عصر السرعة وتراجع اللقاءات ما بين الجيران، تتحوّل مثل هذه المناسبة إلى فرصة للخروج على شكل نزهات يرافق فيها الأطفال أهاليهم إلى الأسواق الصغيرة، التي تقام في الأرياف أو حدائق البيوت أو الفيلات الخاصة، أو إلى تلك الكبيرة التي تنظم في هنغارات ضخمة أو على الشواطئ، تحت خيم يدفع البائع بدلاً لقاء استخدامها وعرض ما يملك للبيع.

إلى ذلك، تحوّل الأسواق الشعبية للبضائع المستعملة في بعض المدن إلى محلات متخصصة، يُطلق عليها تسمية متاجر "الأنتيك". وهي تهدف إلى تلبية ذائقة طبقة معيّنة تبحث عن قطع قديمة ونادرة وبأغلى الأثمان، الأمر الذي رفع أسعار معروضات أسواق البرغوث في بعض الأحيان إلى غير ما هو متوقّع منها.

في تلك الأسواق، كل شيء يُعرض للبيع. كل شيء قابل للتصريف، مهما بدا قديماً ومتهالكاً. في ثقافة مجتمعية مترسخة تقول بتدوير الاستعمال، لا يشعر الجيران بحرج من شراء سترة أو حذاء مستعمل أو حتى سرير وخزانة. والأمر يشمل أيضاً ألعاب الأطفال وعرباتهم وكل لوازم الرضّع.

وقد يكون الأمر فرصة أمام هؤلاء الذين اشتروا لأطفالهم حاجيات لم تعد تناسبهم وقد كبروا، أو أنهم لم يعودوا يكترثون لها. فيشجعونهم على وضعها على الرصيف أمام المنزل لبيعها بأسعار بسيطة. بذلك يكسب هؤلاء الصغار بعض النقود لشراء حاجيات أخرى.

في "سوق البرغوث"، ليس كل ما يُعرض، بالضرورة، قديماً أو مستعملاً. بعض الذين يهوون التجارة، يستطيع كسب بعض المال من هوايته من خلال شراء ملابس محلات على شفير الإفلاس، أو ملابس على الموضة تُباع بأسعار خيالية بالجملة. ويقوم هؤلاء بنقلها إلى واحد من تلك الأسواق بعد استئجار المكان في السوق وعرضها بأناقة ليشتريها من يجد حاجة له بها.

من جهة أخرى، يقصد بعض الأصدقاء الذين يقيمون احتفالات خاصة - كحفلات لمّ شمل المتخرجين قبل عشرين عاماً - تلك الأسواق بحثاً عن ملابس قد تناسب حفلاتهم، من قبيل الملابس التي تعود إلى ذلك العصر الذي انقضى. هم لن يجدوها في أي سوق آخر. كذلك، من يمرّ بتلك الأسواق قد يجد ما لا يخطر على بال أحد، مثل أطقم للموائد المصنوعة من الخزف الصيني والتي تعود إلى العصور الماضية. وتتوفّر هناك بأسعار مخفّضة جداً.

كثيرة هي البضائع التي تكسد في نهاية الموسم في تلك الأسواق، من قبيل الأثاث الخشبي والدراجات الهوائية والكهربائية القديمة. لكن لا تتوجّب إعادة شحنها إلى مالكها الأصلي. قد يعرض البائع على الشاري في أيام السوق الأخيرة الحصول عليها مجاناً أو لقاء مبالغ رمزيّة. قد يعبئ الشاري شوالات كبيرة ببضعة قروش، قبل أن تأتي شاحنات لجمع ما تبقى من أجل الحرق في حال كانت البضائع من الخشب، ومن أجل الفرز في حال كانت من الحديد. الدراجات الهوائية والبرادات والغسالات مثلاً تفرز وترسل إلى مصانع إعادة تدوير مخصصة في كل بلدية تتبع لها القرية أو الناحية أو المدينة.

إقرأ أيضاً: البالة تزدهر في ألمانيا

ذات صلة

الصورة
جانب من مظاهرة للتضامن مع غزة ضد عدوان الاحتلال (محمد حمود/Getty)

اقتصاد

رغم شح المنتجات البديلة في الأسواق المحلية، وسّع اليمنيون حملات مقاطعة سلع الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة.
الصورة
الأسماك المملحة في مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)

اقتصاد

ارتفعت أسعار الفسيخ (الأسماك المملحة) بالأسواق الشعبية في مصر وزادت حدتها في المناطق الراقية خلال موسم الأعياد بسبب زيادة التكلفة، الأمر الذي دفع ربات البيوت إلى الاتجاه لصناعته في المنزل وسط تهاوي القدرة الشرائية للمصريين.
الصورة
معرض الشهر الكريم في صنعاء العربي الجديد

اقتصاد

مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، تفتتح صنعاء "معرض الشهر الكريم" التجاري الذي يقدم لمرتاديه مختلف السلع والمنتجات الغذائية والاستهلاكية بأسعار أقل من تلك السائدة في أسواق العاصمة اليمنية.
الصورة
بعض من الحياة اليومية في غرينلاند (سين غالوب/ Getty)

مجتمع

على الرغم من أن أقلية "الإنويت" جزء لا يتجزأ من الدنمارك، إلا أنها تواجه سياسة عنصرية بنيوية إلى درجة انتزاع أطفال من عائلاتهم، ما دفع الأمم المتحدة إلى التنديد.