وفيما توقفت محادثات جنيف أمس السبت واليوم الأحد مؤقتاً على أن تُستكمل الاثنين، لم تتوقف التحركات والمشاورات الدولية حول الصراع السوري، والتي كان أبرزها زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة، حيث التقى المسؤولين الأتراك، وبحث معهم الأوضاع في المنطقة وخصوصاً الصراع السوري. ونقل أمس السبت عن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو قوله إنه على الرغم من الخلافات مع إيران فقد تم التوافق خلال زيارته الأخيرة على عدد من الأمور، ويأتي في مقدمتها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. من جهته، يزور وزير الخارجية الأميركي جون كيري روسيا الأسبوع المقبل حيث يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لبحث الوضع السوري وتحريك العملية السياسية بعد إعلان موسكو سحب الجزء الأكبر من قواتها من سورية.
في هذه الأجواء والتطورات، كانت الهدنة المعلنة في سورية توفّر جواً مناسباً لمحادثات جنيف، على الرغم من خرق النظام السوري المتكرر للهدنة، وعدم حصول أي تطور فعلي في ملف المعتقلين، وعدم وصول المساعدات الإنسانية إلى سبع مناطق منها داريا في ريف دمشق، حسب تصريحات مساعد المبعوث الدولي للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين في وقت سابق.
ولكن مع قرب انتهاء الجولة الحالية من المحادثات، بدا واضحاً أن المعارضة السورية نجحت بتحقيق تقدّم على حساب النظام السوري، الذي بدا مرتبكاً من خلال تصريحات رئيس وفده المفاوض بشار الجعفري، وخصوصاً هجومه المتكرر على كبير المفاوضين في وفد المعارضة محمد علوش.
وبات يُنظر إلى الهيئة العليا للمفاوضات على أنها منخرطة بشكل بناء مع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا حول الانتقال السياسي، بينما يُرى النظام كمعيق له، وهو ما ظهر في تصريح لدي ميستورا بعد لقاءاته مع الوفدين يوم الجمعة، أثنى فيه على "عمق" الورقة التي تسلّمها من وفد الهيئة العليا للمفاوضات، فيما حثّ وفد النظام على تقديم مقترحاته بشأن الانتقال السياسي في الأسبوع المقبل. هذا الأمر استفز وفد النظام، الأمر الذي دفع مصدراً قريباً من الوفد للقول لوكالة "فرانس برس"، أمس السبت، إنه "لا يحق" لدي ميستورا ممارسة "الضغط" في المحادثات. واعتبر المصدر أنه "لا يحق لدي ميستورا ممارسة الضغط على أحد وعليه أن ينقل الأفكار" بين طرفي المحادثات. وأضاف "دي ميستورا هو ميسر المحادثات ولا يمكن أن يكون طرفاً" فيها.
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تتلقى تطمينات دولية بعدم إضافة وفد ثالث
ولا تزال الهوة كبيرة بين طروحات وفد المعارضة السورية، وما يتحدث به النظام، ولكن تبقى العقدة الأساسية خلال الخوض في الحديث عن المرحلة الانتقالية تتمثل في مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد. وتمكّنت المعارضة من خلال هذه الجولة من المحادثات، من تحقيق ثوابتها التي تمسّكت بها، بعدم السماح بخرق وفدها المفاوض بأشخاص يمثّلون مؤتمري موسكو والقاهرة، وأفشلت خطط خلق وفد ثالث مفاوض، وأظهرت نفسها كطرف جاد للأمم المتحدة في العملية السياسية، إضافة إلى التشبث بمطلب إيجاد هيئة حكم انتقالية. وقدّم وفد المعارضة المفاوض ورقة لدي ميستورا حول تصور الأخيرة لتطبيق القرار 2254، تنصّ على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية بما فيها صلاحيات رئيس الجمهورية، ضمن الموافقة المتبادلة، على أن يكون الشعب السوري هو من يقرر شكل الحكم في سورية المستقبل ويشارك جميع السوريين فيه، مع التشديد على ضرورة رحيل بشار الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية. وتضمنت الورقة تصوّراً شاملاً للمرحلة المستقبلية من عمر سورية، عبر تحديد وضع دستور جديد للبلاد وحل الأجهزة الأمنية، وإجراء انتخابات رئاسية جديدة حرة ونزيهة.
في المقابل، كان وفد النظام السوري يصرّ على عدم الخوض في مفاوضات مباشرة والبقاء في حالة التشاور لإضاعة الوقت والمماطلة، وضم مجموعة أخرى من "المعارضات" للتشاور. وكان وفد النظام السوري قد قدّم وثيقة بعنوان "العناصر الأساسية للحل السياسي"، قائمة على فكرة أن مكافحة الإرهاب هي التطبيق الفعلي للانتقال السياسي في سورية، حسب ما صرح به مصدر غربي لـ"العربي الجديد" في وقت سابق. وأضاف المصدر ذاته أن النظام يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم بعض الشخصيات من "المعارضة الوطنية" التي لم تشارك في أعمال قتالية ضد "الدولة السورية" تحت سقف بقاء الأسد، وبحث دستور جديد يتم عرضه على الشعب السوري للاستفتاء. ولم تتطرق الورقة لانتخابات رئاسية كما صرح به المبعوث الدولي من قبل، إضافة إلى استعادة هضبة الجولان. مماطلة النظام دفعت المعارضة السورية في جنيف، للمطالبة، باستبدال وفد النظام بوفد آخر أعلى مستوى، يكون قادراً على اتخاذ القرار للدفع بالعملية السياسية، والانتقال إلى مرحلة المفاوضات المباشرة. وقال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، سالم المسلط، لـ"العربي الجديد" إن "وفد النظام يحاول تمرير الوقت والمواربة، ويتهرب من الدخول في مفاوضات مباشرة".
وتبدو الأيام الثلاثة المتبقية من جولة المحادثات الحالية، حاسمة للعملية التفاوضية، وبات تراجع كل طرف يهدد بوضعه في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، وعلى الأخص موسكو وواشنطن. ويعمل وفد المعارضة على وضع تصوره لعدد من الأسئلة التي طرحها المبعوث الدولي خلال اللقاء الأخير معه، وفق ما كشفه أحد أعضاء الوفد المفاوض لـ"العربي الجديد". وأضاف عضو الوفد، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أن هناك بعض النقاط تتطابق مع رؤية المعارضة السورية وتصوّرها للمرحلة الانتقالية، كما أن لديها تصورات أوسع لبنود القرار 2254 الذي اعتبره غامضاً في عدد من النقاط، وخصوصاً مصير الأسد.
وأوضح أن المعارضة تتمسك بإقامة هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات ورحيل الأسد، والدخول في انتخابات برلمانية ورئاسية وصوغ دستور جديد يتضمن النظام الانتخابي وقانون الأحزاب. ورفض تصريحات النظام حول وجود "معارضات" يجب ضمها إلى وفد المعارضة، مشيراً إلى أن النظام ما يزال غير جدي في الحل السياسي، ويحاول إفشال العملية السياسية.
ويحاول وفد المعارضة السورية دفع النظام إلى محادثات مباشرة لقطع الطريق بشكل نهائي أمام احتمال دخول وفد ثالث أو أطراف جديدة إلى وفدها المفاوض، بينما يحرص وفد النظام على البقاء في طور المشاورات لإغراق المحادثات في التفاصيل والتهرب من أي خطوة تخدم المعارضة. ويلقى النظام دعماً روسياً مستمراً، تُرجم أمس السبت بموقف لمندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف أليكسي بورودافكين، الذي اعتبر أنه يتوجّب على "مجموعة الرياض" السورية المعارضة تعديل مطالبها وتليين موقفها في المحادثات. وقال: "ما يثير قلقنا، تمسّك (مجموعة الرياض) بشرطها المسبق المنادي بإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن منصبه. هذا الموقف، لا يحمل على الثقة باستعدادها للتفاوض، ونحن على يقين تام بضرورة أن تضيف هذه المجموعة تعديلات جدية على مواقفها، وأن تتحلى بقدر أعلى من الليونة"، مشيداً في المقابل بـ"إيجابية" موقف وفد النظام الذي "يمكن التأسيس عليه لاستمرار المحادثات في أجواء بناءة".
اقرأ أيضاً: دي ميستورا: تلقيت وثيقة تفصيلية من المعارضة...وأنتظر رد النظام