لا تزال عملية "غضن الزيتون" تشهد تقدّماً بطيئاً في محيط عفرين، بعد مرور أسبوع على إعلان العملية من قبل الجيش التركي والجيش السوري الحرّ ضد مليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية. ويعزو الجانب التركي سبب البطء إلى الحذر الشديد من استهداف المدنيين الذين تستخدمهم مليشيا "قسد" كدروع بشرية وتمنعهم من مغادرة عفرين. لكن على الرغم من بطء العملية، فإنّ القوات التركية وفصائل الجيش الحر تتبع تكتيكاً يعتمد على فتح كثير من الجبهات بهدف تشتيت قوات "قسد" وعدم السماح لها بتجميع صفوفها ضمن جبهة واحدة.
في موازاة ذلك، يرى محللون أن أحد أسباب بطء العملية يعود لانتظار نتائج التفاهمات السياسية، سواء بين الدول الفاعلة بالشأن السوري أو لناحية نتائج الاجتماعات الخاصة بالحل السياسي في سورية في كل من فيينا وسوتشي.
وعلى الرغم من التصريحات التركية المتتالية التي تؤكّد استمرار العملية وشملها كلاً من مدينتي عفرين ذات الغالبية الكردية ومنبج ذات الغالبية العربية، وهو ما أعاد التأكيد عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعلان عزمه على إرسال قواته إلى مدينة منبج السورية حيث تتمركز قوات أميركية، وبعدها شرقاً "حتى الحدود العراقية"، إلّا أنّ التصريحات الدولية، خصوصاً من الجانب الأميركي بهذا الشأن، تدلّ على أنّ إطار العملية لا يزال مفتوحاً على عدد من السيناريوهات المرتبطة بالتفاهمات الدولية، وبعض الحلول البديلة التي قد تطرح على الجانب التركي، والتي قد يكون أحدها الاكتفاء بطرد قوات سورية الديمقراطية من المناطق الحدودية مع تركيا غربي نهر الفرات بعمق 35 كيلومتراً، التي في حال قبلت بها تركيا، فهي لن تشمل مدينة عفرين ولا مدينة منبج. كما أنّ عدم استهداف الطائرات التركية مدينة عفرين حتى الآن، يوحي بأن أنقرة قد تقبل بعملية تضمن أمنها القومي في تلك المنطقة، من دون الدخول إلى كل من مدينتي عفرين ومنبج، بشرط وصل مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب الغربي مع مناطق سيطرتها في ريف حلب الغربي، خصوصاً أن العملية التركية حتى الآن تعمل بشكل أساسي على حصار مدينة عفرين من كل الاتجاهات ووصل مناطق سيطرة درع الفرات في ريف حلب الشمالي بمناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، وهو سيناريو يحقق معظم الأهداف التركية من العملية، وفي الوقت نفسه يقلّل كثيراً من مخاطر اصطفاف معظم المكوّن الكردي السوري مع مليشيا "قسد" تحت اسم الدفاع عن عفرين.
وانطلقت عملية "غصن الزيتون" عصر السبت الماضي، بهجوم من فرق تابعة للقوات الخاصة في الجيش التركي ومقاتلين من "الجيش السوري الحر" مدعومين بالطيران الحربي التركي. وبدأ الهجوم من ثلاثة محاور في شمال عفرين هي بلبل وشنكال وأدمانلي، انطلاقاً من الحدود السورية التركية. وسيطرت القوات المهاجمة خلال الأربع وعشرين ساعة الأولى على قرية شنكال، ومجموعة من التلال في محيطها داخل الأراضي السورية، تلتها السيطرة على قريتي أدمانلي وبلل كوي وتلال راجو، شمال غرب عفرين.
وسيطرت القوات في اليوم الثاني من العمليات على قرى هاي أوغلو وعرساوا وكورنة وزهران في ناحية بلبل شمال عفرين، وفق مصادر من "الجيش السوري الحر"، فيما أعلنت قوات "الجيش السوري الحر" في اليوم الثالث، السيطرة على قرى شيخ خروز وباسي ومرصو وحفتار في ناحية بلبل شمال عفرين، في حين نفت مصادر مقربة من الميليشيات الكردية تلك السيطرة.
وأعلنت قوات "غصن الزيتون" مساء الإثنين انطلاق العمليات من محور إعزاز شرق عفرين، وبدأت العمليات بالسيطرة على جبل برصايا، إلّا أن المليشيات الكردية تمكّنت من استعادة السيطرة على الجبل لاحقاً إثر هجوم معاكس.
وبدأت القوات في اليوم التالي بالهجوم من محور جنوب غرب عفرين وسيطرت على قرية عمر أوشكالي وقرية حمام في ناحية جندريس جنوب غرب عفرين، في حين سيطرت مساء أوّل من أمس الخميس على قرية عبودان في ناحية بلبل.
وشنّ الطيران الحربي التركي خلال العملية غارات جوية على مواقع مليشيا "وحدات حماية الشعب"، كذلك طاول القصف مواقع في محيط مدينة منبج بريف حلب الشرقي ومحيط مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي ومحيط مدينة تل أبيض في ريف الرقة الغربي.
وفي السياق ذاته، أعلن الجيش التركي، أمس الجمعة، عن قتل ما لا يقل عن 343 عنصراً من مليشيا "وحدات حماية الشعب" منذ بدء عملية "غصن الزيتون" شمال سورية، بحسب ما نقلته وكالة "الأناضول" التركية. كذلك، أفاد بيان صادر عن رئاسة الأركان التركية بأنّ "13 مقاتلة من القوات الجوية، دمرت 23 هدفاً تابعاً للإرهابيين خلال غارات نفذتها ليل الخميس على مخابئ ومخازن أسلحة ومركبات وأسلحة تابعة للمليشيات".
في المقابل، قال وزير الصحة التركي، أحمد دميرجان، أمس، إنّ 14 عنصراً من الجيش التركي ومقاتلي "الجيش الحر" قتلوا، بينما أصيب 130 آخرون في أعقاب الهجوم على عفرين. وأوضح دميرجان في حديث للصحافيين بعد زيارة الجنود المصابين في المستشفيات، أنّ القتلى هم ثلاثة جنود أتراك و11 مقاتلاً من الجيش السوري الحر، مضيفاً أن الـ130 شخصاً نقلوا إلى مستشفيات تركيا وأن 82 منهم خرجوا بعد تلقي العلاج، ولا يوجد أي مصاب في حالة حرجة.
وتزامت العمليات العسكرية ضد الميليشيا الكردية مع ردود أفعال وتصريحات سياسية، إذ وصفت الخارجية التابعة للنظام السوري، في بيان نقلته وكالة "سانا"، العملية التركية بأنها "تمثّل الخطوة الأحدث في الاعتداءات التركية على السيادة السورية".
إلى ذلك، نقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء عن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قوله إن الرئيس فلاديمير بوتين ناقش الوضع في عفرين مع مجلس الأمن القومي، أمس الجمعة، موضحاً أن بوتين ناقش الوضع في عفرين أيضاً خلال اتصال هاتفي مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الثلاثاء الماضي.
من جانبه، قال وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، في تصريحات له، إن لدى تركيا مخاوف أمنية مشروعة في المنطقة، وإن واشنطن كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية، في حين حضّت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناويرت، تركيا، على ممارسة ضبط النفس وضمان أن تبقى عملياتها محدودة في نطاقها ومدتها، ودقيقة في أهدافها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين، فيما أكد وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أن بلاده "تُقدِّر حقّ تركيا في الدفاع عن نفسها ضد الإرهابيين".
وعرضت واشنطن على أنقرة فكرة العمل على إقامة مناطق أمنية قد يحتاجونها، فيما أفادت مصادر صحافية تركية بأن تركيا هددت الولايات المتحدة بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكوجيجك أمام القوات الأميركية، في حال عارضت عملية عفرين.
وحمّلت موسكو الجانب الأميركي مسؤولية شنّ تركيا عملية "غصن الزيتون"، وسحبت قواتها الموجودة في شمال عفرين بعد نفي الانسحاب، فيما دعت طهران عبر مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين جابر أنصاري، تركيا، إلى تأكيدها على احترام وحدة الأراضي السورية وأنها ليس لها أطماع في سورية.