ومع توسيع التحالف غاراته على سورية لتشمل محافظة حمص فيما استثنيت العاصمة دمشق وريفها حتى الآن، بدأ يسود جو من النقمة ضد الغارات بعد استهدافها للمدنيين وجبهة "النصرة"، وتوسيع قائمة الفصائل المعارضة المدرجة على قائمة الإرهاب، وشنّ ضربات جوية متواترة مع قوات النظام، بما يوحي بوجود تنسيق غير معلن، فضلاً عن التركيز على المنشآت النفطية، فضلاً عن لجوء الفصائل المسلحة إلى اعتماد استراتيجيات وإجراءات وقائية في محاولة للحد من تأثير الضربات عليها.
ردود فعل غاضبة
بدءاً من اليوم الأول، تواردت أنباء عن وقوع ضحايا مدنيين في قرية كفردريان في ريف إدلب الشمالي، بعد حركة نزوح إلى بناء يقع بالقرب من مداجن تتخذها "جبهة النصرة" مقرات لها، ومستودعات للأسلحة، ليُخرج أهالي القرية جثث عشرة قتلى مدنيين، وأكثر من 15 جريحاً من تحت أنقاض مبنى يتألف من طابقين.
أثارت هذه الضربات ردود فعل غاضبة، وخرجت تظاهرات في مناطق مختلفة في إدلب كمعرة النعمان وكفرنبل وسراقب وجبل الزاوية، تحمل لافتات وتهتف بشعارات منددة بالتحالف، جراء عدم استهداف غاراته لمواقع النظام "الذي يرهب السوريين ويمارس بحقّهم كل أشكال العنف منذ أكثر من ثلاث سنوات"، على حد قول عبد الله السلّوم، أحد متظاهري مدينة كفرنبل.
كما برزت شعارات إسلامية وأعلام لـ"النصرة" كردّ فعل على ما يراه البعض تمييزاً في التعاطي الأميركي مع المسلحين، إذ تُستهدف تنظيمات من لون مذهبي معين بينما الميليشيات المدعومة من إيران، والتي تشارك في آلة القتل النظامية، تبقى بمعزل عن أي استهداف من قبل مقاتلات الحلف الدولي.
وفي السياق، يؤكد مراسل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في إدلب عبد قنطار، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أهالي إدلب كانوا قبل بدء ضربات التحالف مؤيدين لها، معتقدين أنها ستخلّصهم من داعش، ولكن فور استهداف التحالف لمدنيين ومقرات لجبهة النصرة، انقلبوا إلى معارضين، ما دفعهم للخروج في تظاهرات ضدها"، لافتاً إلى أنّ "جبهة النصرة"، من منظور أهالي إدلب، تختلف كليّاً عن "داعش"، وهذا ما دفعهم للتنديد باستهداف مقراتها.
ولم تقتصر حصيلة الضحايا المدنيين على قتلى كفردريان بعد أسبوع على بدايتها، إذ لقي اثنا عشر مدنياً مصرعهم وأصيب آخرون، جرّاء غارات استهدفت إحدى القرى (الفدغمي) التابعة لمحافظة الحسكة، شمال شرق سورية.
وغالباً ما يستهدف التحالف بضرباته قرى صغيرة في أرياف المحافظات الشمالية والشرقية، بعيدة كليّاً عن الإعلام. وفي ظل التعتيم الذي يفرضه "داعش" فيما يخص أعداد قتلاه والضحايا المدنيين الذين يسقطون بالقرب من مقرّاته، يصعب تحديد حصيلة نهائية للضحايا.
ويبدو أن التعاطف الشعبي مع "النصرة" لم يولد من فراغ، إذ إنه على الرغم من أن "داعش" يبدو الخاسر الأكبر من خلال عدد الغارات والقتلى في عموم المدن السورية، إلا أن الضربات ضد "النصرة" كانت أكثر عمقاً، إذ نعت في أول أيام الضربات قائد جماعة "خراسان"، محسن الفضلي، مع زوجته وابنته، وعدد من العناصر.
كما خسرت "النصرة" أحد أبرز قناصيها، والمصنف السادس على العالم بحسب مواقع مقربة من "الجبهة"، ويدعى أبو يوسف التركي، مع عشرين عنصراً، في قصف استهدفها في ريف حلب. وبحسب ما ذكر قيادي في "جبهة النصرة"، لـ"العربي الجديد"، فإن "أبا يوسف الشخصية الوحيدة التي لا يمكن تعويضها أبداً".
تنسيق غير معلن
كان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، قد أعلن عشية بدء العمليات العسكرية لطائرات التحالف، أنه تلقى رسالة من نظيره الأميركي جون كيري، عبر مسؤول عراقي، يبلغه فيها أن أميركا ستستهدف مواقع "داعش" وبعضها موجود في سورية، إلا أن الرد الأميركي لم يتأخر، إذ أكدت المتحدثة باسم الوزارة الأميركية، جنيفر بساكي، بعد ساعات، أن الولايات المتحدة لم تبلغ النظام السوري مسبقاً بشن هجمات جوية ضد الجهاديين في سورية، قبل أن تشير إلى أنه تم "إعلام النظام السوري بنيتنا التحرك العسكري ضد داعش عن طريق مبعوثتنا بالأمم المتحدة سمانثا باور التي أبلغت المبعوث السوري الدائم إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري".
وأشارت إلى أن واشنطن "لم تطلب موافقة الحكومة السورية ولا نستطيع معها تنفيذ الهجوم، ولقد حذرنا سورية من الاشتباك مع طائرات الولايات المتحدة".
لكن مع تواصل الغارات الدولية على سورية، ومواصلة النظام غاراته على المدن، بدأ يظهر وكأنه ثمة تحالف "جوي" غير معلن، وتنسيق عملياتي على الأرض بين الطرفين، لجهة استهداف المناطق ذاتها، أو القصف بشكل متواتر على أهداف معينة.
وتجلى ذلك خصوصاً في محافظة دير الزور، إذ قصفت طائرات النظام، السبت الماضي، أهدافاً لتنظيم "الدولة" في محيط مطار دير الزور العسكري، بعد ساعات من شن التحالف الدولي ضربات هناك، كما استهدفت إحدى ضربات التحالف منطقة صوامع الحبوب في ريف دير الزور الشمالي، بينما قصف الطيران الحربي للنظام مدينة موحسن في الريف الشرقي.
ولا يستبعد عضو الهيئة السياسة في "الائتلاف الوطني" المعارض، أنس العبدة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "وجود تنسيق بين القوات النظامية السورية والتحالف الدولي"، لكنه يشير في المقابل إلى أن الأخير ليس بحاجة إلى التنسيق مع النظام، مشيراً إلى أنه "ربما ينسق مع أطراف أخرى"، لم يسمها.
المنشآت النفطية أبرز الأهداف
لم تكن حقول النفط بمنأى عن ضربات التحالف الدولي، وخصوصاً أن تنظيم "الدولة" يسيطر عليها بشكل كامل ويعتمد عليها في إمداداته المالية، إذ استهدفت ضربات جوية أميركية، بمشاركة سعودية وإماراتية، في اليوم الثاني على بدء التحالف هجماته على سورية، 12 مصفاة صغيرة يديرها تنظيم "الدولة الإسلامية" كموقع حقل التنك شرقي دير الزور، ومصافي تكرير النفط في بلدات العشارة وبقرص شمالي دير الزور، وقيّمت القيادة المركزية الأميركية الضربات بأنها ناجحة.
كما تعرض معمل "كونيكو" للغاز في بلدة العشارة بريف دير الزور، والتي سيطر عليها "داعش" قبل نحو عامين، إلى غارة نفذها طيران التحالف الأحد الماضي. وعلى الرغم من أن هذه الغارات أصابت أهدافها، وقتلت وجرحت عدداً من عناصر "داعش"، لكن يبقى أن هذا الاستهداف يمثل خطراً على المدنيين عامة، والبنى التحتية السورية خاصة، فضلاً عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية بين 20 إلى 60 في المائة في المناطق السورية، وإيقاف إمدادات النفط إلى المناطق المحررة.
ويشير خبير اقتصادي، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إلى أن معمل غاز كونيكو له أهمية حيوية، إذ يعتبر أهم منشأة للغاز شرق مدينة دير الزور، ويعتمد عليه في توليد كميات كبيرة من الكهرباء في مختلف أنحاء البلاد، والتي تنتج الكهرباء لنحو ربع مساحة سورية.
ويوضح الخبير أن الحقل يُغذّي محطة جندر في حمص، والتي تعتبر من أكبر المحطات الكهربائية في سورية، فضلاً عن إنتاجه الغاز المنزلي، مستشهداً باشتباكات جرت قبل نحو شهرين بين "داعش" وأهالي قرية خشام، أدت إلى انفجار أحد أنابيب الغاز في معمل كونيكو، ما تسبب بقطع الكهرباء والماء عن مدينة دير الزور بالكامل.