بعد أسبوع على الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، لا تزال ملامح الحكومة الجديدة التي كُلف رئيسها المعيّن من طرف الملك محمد السادس قبل أيام خلت، عبد الإله بنكيران، غير واضحة بالكامل، في الوقت الذي تتنامى فيه التخمينات والتوقعات بشأن الفريق الحكومي المرتقب.
وعلى الرغم من أن مشاورات بنكيران لتشكيل الحكومة الجديدة انطلقت بعد لقائه العاهل المغربي، إلا أنها ظلت حبيسة "جس النبض" لمعرفة مواقف عدد من الأحزاب، وانتظار تفاعلاتها الداخلية مع ما يجري، لتنطلق المشاورات الحقيقية بعد افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان أمس الجمعة.
في هذا السياق، أفاد قيادي في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، فضل عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله الحديث إلى الصحافة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "جميع الأحزاب الرئيسية التي استطاعت تكوين فريق نيابي، ما عدا حزب الأصالة والمعاصرة، ترغب في دخول الحكومة تحت قيادة العدالة والتنمية".
وأضاف القيادي بأنه "حتى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي أعلن رفضه دخول الحكومة إلا بشروط معينة لم يفصح عنها في بيانه الذي أعقب اجتماعاً داخلياً له قبل أيام قليلة، يقبل بدخول الحكومة الجديدة، لكنه يريد من خلال استقالة زعيمه صلاح الدين مزوار، واشتراط المشاركة في الحكومة أن يفرض واقعه ويرفع من حظوظ وعدد حقائبه الوزارية". ونوّه إلى أن "حزب الاتحاد الاشتراكي (المعارض) هو الآخر يرغب في ولوج الحكومة ولكنه يتمنّع، ويرفع السقف عالياً، بدليل أنه احتج على خروقات الانتخابات التشريعية، وقرر حتى رفع مذكرة إلى الملك يتناول فيها موقفه من الانتخابات".
واعتبر القيادي أن "ردود الأفعال هذه داخل الأحزاب المغربية عادية وطبيعية، لكونها تأتي مع بدء مشاورات رئيس الحكومة لتشكيل فريقه الجديد. بالتالي فإن كل حزب يحاول جذب الأنظار إليه، فإما أن يعلن قبوله من دون أية شروط مسبقة، أو يتمنّع ويبدي رفضه المبطن، لكنه لا يخفي قبول المشاركة في الحكومة، فهي حسابات سياسية لنيل حظوة داخل الحكومة". وكان المكتب السياسي لحزب "الأحرار" قد أعلن في وقت سابق عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، واشترط لذلك أن "تتوفر الشروط اللازمة"، معتبراً أن "الكلمة الفصل في قرار عدم المشاركة في الحكومة العتيدة ترجع إلى المجلس الوطني للحزب، وهو موقف يأتي بعد استحضار تجربة الحزب الحكومية والبرلمانية، وتقييم موضوعي ومسؤول لهذه التجربة".
وفي وقتٍ لم يعلن فيه حزب "الاتحاد الاشتراكي" موقفه النهائي من ولوج حكومة بنكيران، بادر إلى اتخاذ مواقف تبدو ظاهراً أنها تبعده عن ولوج الحكومة الـ31 في تاريخ المغرب بعد الاستقلال عام 1956، ومنها توجيه مذكرة إلى الملك تتضمن شكواه من الخروقات التي شهدتها الانتخابات. وتبقى مواقف أحزاب "الاستقلال" و"الحركة الشعبية" أقل غموضاً من سابقيها، فقد أبدى "الاستقلال" الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات، مرونة في قبول ولوج الحكومة، بإعلان استعداده للتعاطي مع اقتراحات بنكيران عندما يطرق باب الحزب، خلال الأيام التي تلي افتتاح البرلمان.
من جهته، لا يمانع "الحركة الشعبية" في المشاركة بالحكومة الجديدة، وهو الذي خاض التجربة ذاتها في نسختها السابقة. وفي هذا الصدد، أبدى قيادي في الحزب لـ"العربي الجديد" موافقته على دخول الحكومة "إذا كان ذلك سيفيد البلاد"، مضيفاً أن "حزبه ليس من أخلاقه وسلوكياته وضع العراقيل في أية عجلة حكومية". وكان هذا الحزب قد أعلن في بيان سابق له تهنئته لـ"العدالة والتنمية" على تصدره للانتخابات البرلمانية، من دون تحديد موقفه الحقيقي من قبول عرض بنكيران، مشيداً بـ"ضمانات الشفافية والنزاهة التي طبعت هذا الاستحقاق، وحرص الملك على تفعيل المقتضيات الدستورية واحترام المنهجية الديمقراطية، بتعيينه لرئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر النتائج الانتخابية".
أما حزب "التقدم والاشتراكية" فكان رهانه واضحاً منذ البداية، وحتى قبل خوض غمار انتخابات مجلس النواب، بعد إعلان محمد نبيل بنعبد الله صراحة تحالفه السياسي مع "العدالة والتنمية"، مشدّداً في أكثر من مناسبة على أنه سيتحالف مع هذا الحزب سواء في الأغلبية الحكومية أو في المعارضة إذا لم يفز بالانتخابات. وفي شأن التوجه الغالب في تشكيل الحكومة المرتقبة، كشفت المعلومات أن التوجه الرئيسي لبنكيران في الأيام المقبلة سيكون صوب الأحزاب التي شاركت حزبه تدبير الشأن العام، أي "الاستقلال" و"الحركة الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، وهو الائتلاف الذي يحظى بأغلبية مريحة تصل إلى 210 مقاعد من أصل 395 مقعداً.
أما الخيار الثاني الذي سيعمل به بنكيران، وفق مصادر "العربي الجديد"، فهو الاستناد إلى أحزاب "النسخة الثانية" من الحكومة السابقة، وهي "الأحرار" الذي عوّض "الاستقلال" بسبب خلافات حادة بين هذا الأخير وبين "العدالة والتنمية"، وأيضاً "الحركة الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، وفي هذه الحالة تحصل الحكومة على أغلبية بـ201 مقعد. ويبدو أن التحولات التي يعرفها حزب "الأحرار" باستقالة مزوار، والمناداة على وزير الفلاحة عزيز أخنوش من أجل قيادة الحزب في المرحلة المقبلة، والمصادقة على ذلك بشكل رسمي في المؤتمر الاستثنائي في 29 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ستزيد من "إضعاف" فرص التحاق هذا الحزب بالحكومة، باعتبار محاولة بنكيران تشكيل حكومته قبل انعقاد مؤتمر "المناخ 22" الدولي بمراكش في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ووسط هذه التوقعات والتحركات لا يمكن استبعاد تشكيل الحكومة من حزب "العدالة والتنمية" إلى جانب أحزاب "الكتلة الديمقراطية"، و"الاتحاد الاشتراكي" و"الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية"، وهو المسعى الذي يدعمه نبيل بنعبد الله من خلال اتصالات غير رسمية أجراها أخيراً مع قيادات هذه الأحزاب من دون أن تسفر عن نتائج ظاهرة.