وتفيد هذه الاستطلاعات، حتى الآن، بوجود حالة تعادل في القوة البرلمانية للحزبين الكبيرين: الليكود برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والمعسكر الصهيوني بقيادة يتسحاق هرتسوغ، مع إشارتها المتكررة إلى أن معسكر اليمين الإسرائيلي ككل هو صاحب الأغلبية في عدد مقاعد البرلمان.
وقد شهد مطلع هذا الأسبوع محاولات لتسخين المعركة الانتخابية، بدءاً بتظاهرة اليسار مساء السبت، مروراً بالضجة السياسية على نشر وثيقة "مولوخو آغا" وما تبعها من ردود اتهمت نتنياهو بتقديم تنازلات مجانية. هذه الوثيقة التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت إنها نتاج مفاوضات دارت بين موفد نتنياهو المحامي يتسحاق مولوخو، وبين البروفيسور حسين الآغا عام 2009، وقد قبِل بموجبها نتنياهو بالانسحاب إلى حدود عام 1967، واعترف بحقوق الفلسطينيين في القدس، وبعودة اللاجئين على أساس فردي.
هذه الوثيقة رد عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي رسمياً عبر بيان عممه الطاقم الانتخابي لـ"الليكود"، وأكد فيه نتنياهو أنه لن تكون هناك تنازلات جديدة ولا انسحابات إضافية.
وبلغت محاولات تسخين المعركة الانتخابية ذروتها، عند إطلاق وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خلال مؤتمر في المركز الأكاديمي متعدد المجالات في هرتسليا، تهديدات بوجوب قتل كل من هو ضد إسرائيل من الفلسطينيين في الداخل، عبر قطع رأسه بالبلطة، داعياً إلى إخراج مدينة أم الفحم من داخل حدود إسرائيل وإرسالها "بكل سرور"، على حد تعبيره، إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وعلى الرغم من خطورة تصريحات ليبرمان هذه، إلا أنها مرت مرور الكرام في إسرائيل ولم يقف أحد عندها بقدر ما وقفت الصحافة والسياسة الإسرائيلية عند تصريحات للشاعر الإسرائيلي، يئير غيربوز، خلال تظاهرة اليسار، وصف فيها أتباع اليمين في إسرائيل، والحريديم منهم على وجه التحديد، بأنهم "حفنة من مقبلي الأحجبة والتعويذات، عبدة الأوثان الذين يرتمون على أضرحة القديسين".
وقد اعتبر اليمين كلام غيربوز أنه حرب ثقافية موجّهة في الأساس ضد اليهود الشرقيين المتدينين، فيما وجدها الليكود فرصة ذهبية لاستعادة أصوات الشرقيين، الذين تدل استطلاعات الرأي على أنهم يميلون إلى التصويت لحزب "شاس" الشرقي، ولحزب "كولانو" بزعامة موشيه كاحلون.
واستعاد الليكود مجدداً حادثة مشابهة في انتخابات عام 1982، عندما وصف الفنان الإسرائيلي الراحل، مقدم البرامج التلفزيونية آنذاك، دودو طوباز، مجموعة من أنصار الليكود الشرقيين، ممن شوّشوا على خطاب زعيم العمل التاريخي، شمعون بيريز، في مهرجان انتخابي، بأنهم حفنة من "التشاحتشاحيم"، وهي ما يمكن ترجمتها إلى الأوباش. وشكلت هذه الحادثة عاملاً مهماً، بحسب المؤرخين، في انصراف الشرقيين كلياً عن حزب العمل، وانتقالهم بأعداد غفيرة للتصويت لحزب الليكود الذي تمكن زعيمه آنداك، مناحيم بيغن، بديماغوجية فائقة، من استمالتهم واستيعاب مرشحين عنهم في لائحته الانتخابية، ليضع قطيعة بين العمل واليسار في إسرائيل وبين الشرقيين بشكل عام.
اقرأ أيضاً: مارزيل في الكنيست: تشريع إسرائيلي للإرهاب
وحاول زعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، هو الآخر، استغلال هذه التصريحات، والادعاء بأن "هذه الحفنة التي قصدها غيربوز تمثّل اليوم الأغلبية في إسرائيل". وسعى بينت، من خلال ذلك، إلى إصلاح الضرر الذي لحق بحزبه في صفوف الشرقيين في إسرائيل، بعد أن رفض حاخامو حزبه الغربيين استيعاب اللاعب الإسرائيلي الشرقي الأصول، أيلي إوحنا على لائحة الحزب.
وقد دفع بينت، بحسب المراقبين، ثمناً باهظاً جراء ذلك، إذ بدأت قوة حزبه تتراجع بفعل هذه الحادثة قبل شهر، بعد أن رسمت هذه الخطوة للحزب صورة الحزب المتدين الغربي الإشكنازي الاستعلائي، وهبط اسمه في صفوف الشرقيين إلى حد منح حزبه 12 أو 13 مقعداً، بعد أن كانت الاستطلاعات التي أجريت، فور الإعلان عن تبكير الانتخابات، تعطي حزبه بين 15 و17 مقعداً على الأقل.
وإذا كان الليكود وبينت حاولا الاستفادة من "هفوات" وتصريحات اليسار ضد المتدينين والشرقيين، فقد جعل حزب "شاس" الموضوع الطائفي ومصلحة اليهود السفارديم عنواناً رئيسياً للمعركة الانتخابية. إذ يواصل زعيم "شاس" أرييه درعي، إثارة النعرات الطائفية في وصف حالة الشرقيين في إسرائيل، معلناً أن المكان الوحيد الذي يحتل فيه الشرقيون أغلبية في إسرائيل هو داخل السجون. ويتعهد درعي، الذي يصف اليهود الشرقيين والفقراء بأنهم الشفافون "غير المرئيين"، بالعمل على أخذ ضرائب وامتيازات من الأغنياء الإشكناز لصالح الطبقات الفقيرة.
لكن التحريض وإثارة النعرات ليسا حكراً على اليمين الإسرائيلي، إذ لم يسلم اليسار الصهيوني من هذا الداء هو الآخر، فبعد أن كانت زعيمة حزب "ميرتس" اليساري، زاهافا غالؤون، سبّاقة بعد إعلان نتنياهو عن تبكير موعد الانتخابات، إلى دعوة زعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ (قبل تشكيل تحالفه مع تسيبي ليفني) إلى تشكيل كتلة يسار صهيونية، لا تشمل العرب والأحزاب العربية في الكنيست، عادت في اليومين الماضيين إلى اتهام العرب والقائمة المشتركة الفاعلة في صفوف الفلسطينيين في الداخل (مع أنها مشكّلة من ثلاثة أحزاب عربية وحزب يهودي عربي هو الجبهة) بالانعزال القومي والرضوخ "للقوميين" على حد زعمها. وجاء هذا الاتهام بعد أن قررت القائمة المشتركة عدم إبرام اتفاقية لفائض الأصوات مع حزب "ميرتس" الصهيوني، حتى لا يشكل ذلك تشريعاً للتصويت للأحزاب الصهيونية.
ولم يأت تحامل "ميرتس" ومعه الصحف الإسرائيلية الأخرى على حزبي "التجمع الوطني الديمقراطي" بقيادة جمال زحالقة، و"الحركة الإسلامية" بقيادة مسعود غنايم تحديداً، من دون سبب، إذ أعلن المرشح الأول عن "القائمة المشتركة" أيمن عودة (من الجبهة) وأحمد طيبي (الحركة العربية للتغيير) أنهما كانا يريدان إبرام مثل هذا الاتفاق، لكن "التجمع" و"الإسلامية" رفضا.
وشكّلت هذه المسألة عملياً أول نقطة خلافية في المواقف الجوهرية بين مركبات التحالف الانتخابي المذكور. وأثار ذلك تساؤلات حول مستقبل هذا التحالف الانتخابي، وما إذا كان عقده سينفرط بعد الانتخابات بسبب التباين في مواقف سياسية أساسية يحملها كل حزب من الأحزاب التي تُشكّل القائمة.