أسباب انسحاب روسيا جزئياً

29 مارس 2016
+ الخط -
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المجتمع الدولي بقراره سحب الجزء الأكبر من قواته من سورية، وورد في بيان الكرملين إن القرار "جاء بعد أن حققت القوات الروسية الجزء الأكبر من أهدافها"، ما أثار حفيظة كثيرين من الكتاب والساسة الذين استغربوا من عبارة تحقيق الجزء الأكبر من الأهداف، على الرغم من استمرار وجود داعش بقوة، خلافاً للهدف المعلن في القضاء على التنظيم، لنكون أمام أسئلة: ما هي أسباب الانسحاب الروسي من سورية؟ وهل فعلاً حققت روسيا أغلب أهدافها المنشودة من التدخل؟
أعلنت روسيا، منذ بداية تدخلها العسكري، أنه سيكون قصير الأمد وحددته بخمسة أشهر، وعليه، انتهى وقت هذا التدخل، وحان موعد الانسحاب، بيد أن ذلك لم يكن السبب الوحيد، إنما تشترك معه جملة أسباب، منها: سعي روسيا إلى تجنب الوقوع في الفخ الأفغاني، فروسيا ليس في وسعها التورط عسكرياً مدة طويلة في مناطق بعيدة، فضلاً عن ضعف قدرتها الاقتصادية على التحمل، وهناك رغبة موسكو في تجنب خوض صراع مع الرياض، فأعلنت الانفتاح على تسوية الأزمة السورية عن طريق المفاوضات التي تأخذ بالاعتبار مصالح جميع الأطراف، بما فيها الرياض. وهناك أيضاً اتساع حجم الخلافات بين الأجندات الروسية والسورية والإيرانية، إذ صرح الرئيس السوري، بشار الأسد، أنه سيواصل القتال حتى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، وهو ما عده السفير الروسي في الأمم المتحدة إساءة للجهد الدبلوماسي الروسي المبذول للتوصل إلى تسوية سلمية. وعلى الصعيد نفسه، شكل إعلان النظام السوري عزمه إجراء انتخابات تشريعية في إبريل/ نيسان 2016، ودعم إيران هذا القرار الذي اتخذه النظام، من دون التشاور مع روسيا، سبباً آخر للخلاف، ولانزعاج الروس من إيران وبشار الأسد، فعدت روسيا الخطوة مخالفةً لنص قرار مجلس الأمن الدولي 2254 في 18 ديسمبر/ كانون أول 2015، القاضي بوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة ذات طابع غير طائفي، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال 18 شهراً. وبذلك، أبدت روسيا ميلاً نحو تحقيق حل سياسي للأزمة السورية، في حين أصرّ الأسد وإيران على هزيمة المعارضة عسكريا وسياسياً، كما تتمسك روسيا بالهدنة، في وقت تسعى فيه إيران والنظام السوري لكسرها وخرقها.
عمليا، نجحت روسيا في تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية من تدخلها العسكري في سورية، وهي:
سياسياً: استطاعت استعادة سمعتها وهيبتها الدولية وحفظ مكانتها قوة عظمى مؤثرة في التفاعلات الدولية والاقليمية، إذ جر الروس الأميركان إلى تفاهمات ثنائيةٍ معهم ذات علاقة بسورية وغيرها من الملفات، بعد رفضهم الحديث مع روسيا مباشرةً منذ أزمة أوكرانيا.
اقتصاديا: حققت تفاهمت مع السعودية حول أسعار النفط، ولا سيما في اتفاق الدوحة الذي ضم كل من (قطر والسعودية وروسيا وفيزويلا)، والذي تقرر فيه تجميد إنتاج النفط وفق معدلات شهر كانون الثاني 2016 لتجنب إغراق السوق بتخمة المعروض، ما انعكس إيجابياً على أسعار النفط التي ارتفعت بنسبة 40% من أدنى مستوى لها عند حدود 27 دولاراً للبرميل إلى حدود 40 دولاراً للبرميل الواحد.
عسكرياً: تمكنت روسيا من إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، وقواعد عسكرية دائمة للانطلاق منها، لحماية مصالحها، وهو ما تجسد بالاحتفاظ بوجود عسكري روسي في قاعدة حميميم وميناء طرطوس. ومن جهةٍ أخرى، عرض العسكريون الروس قدرتهم على إعلان العمليات العسكرية وتنفيذها خارج حدود بلادهم، وأن موسكو تستطيع تغيير الأوضاع في سورية، بغض النظر عن توجهات المجتمع الدولي، كما ساعدت روسيا، بتدخلها العسكري، نظام الرئيس بشار الأسد على استعادة جزء كبير من الأراضي السورية في الأونة الاخيرة، كما شكل الأمر استعراضاً عسكرياً للقوة الروسية، ومعسكراً تجريبياً للقوات الروسية التي جربت الأسلحة والمعدات الحديثة في الميدان السوري.
بعد أن حققت روسيا أهدافها، من غير المعقول أن تتخلى عنها بالانسحاب الكامل من سورية، وهو ما لم تعلنه، حيث احتفظت بوجود عسكري في قاعدة حميميم وميناء طرطوس، فضلاَ عن عدم استعداد موسكو للتخلي عن التنسيق بين جيشها والجيش الأميركي، ويبدو أن الرئيس الروسي يسعى من قرار الانسحاب إلى إظهار القدرة الروسية على صنع معجزة روسية في حل الأزمة السورية سلمياً وسياسياً، بتفاهمات واتفاقات مع واشنطن بشأن مستقبل سورية، بحيث يرحل الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن تقبض روسيا ثمن ذلك.
تدخلت روسيا في سورية لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها، وليس لحماية بشار الأسد، وهي لن تسمح لأحد الوقوف بوجه مصالحها أو إعاقتها، حتى وإن كان الأسد نفسه أو إيران. وعليه، ينبغي عدم الذهاب بعيداً في التعويل على التدخل الروسي في سورية، أو انسحابها منها؛ لأنها تستخدم سورية أداة لتحقيق مصالحها وأهدافها، ولا تقاتل دفاعاً عن سورية أو الأسد.
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
همام السليم (العراق)
همام السليم (العراق)