الموازنة ولعنة السنة الانتخابية

05 مارس 2018
+ الخط -
قُبيل نهاية عام 2017، أرسلت الحكومة العراقية مشروع موازنة 2018 إلى مجلس النواب العراقي، لكي تأخذ خطوات إقرارها المعتادة، وقد بدأت مرحلة خلافات سياسية حادة بصددها، والتي ربما وصلت قُبيل وصولها إلى البرلمان؛ إذ من المعتاد أن تختلف الكتل السياسية بخصوص الموازنة، وتتعرقل عملية إقرارها مؤقتاً، ولكن تلك الخلافات تتضاعف مع موازنات السنة الانتخابية، والتي تجد فيها الكتل والأحزاب السياسية منبراً سياسياً وإعلامياً لتسويق نفسها انتخابياً ودغدغة مشاعر جماهير تلك الأحزاب والكتل. وفي السياق فقط، طفت على السطح تصريحات واضحة وحادة بشأن موازنة 2018، تتمثل بإعلان رفضها والتحفظ عليها وعدم تمريرها بذرائع مختلفة.
اتفق نواب المحافظات المنتجة للنفط (المحافظات الجنوبية) على عدم تمرير الموازنة ورفضها، وإعادتها إلى الحكومة، لأنها تصادر مشروع البترودولار وتستبدل الـ 5 دولار بنسبة 5% من الإنتاج فقط من دون منحها مقابل التكرير والتصدير، وهو ما يعده نواب تلك المحافظات أمراً لا يلبي طموحات جماهيرهم ويضر بها، فضلاً عن عدم احتوائها على تعيينات.
أما نواب تحالف القوى (المحافظات المحررة) فعبّروا عن رفضها، لكونها (حسب ادّعائهم) لا تراعي ظروف المدن المحرّرة وإعادة إعمارها وإعادة النازحين إلى مناطقهم، ولا تنص على إعادة الشرطة المفصولين من أبناء تلك المناطق، ولا تنص على دفع الرواتب المتراكمة والمدخرة لأبناء مناطقهم، وقد أعرب نواب عن اتفاقهم على مقاطعة الموازنة، ما لم تعطي أولوية لإعمار المدن المحررة والمنكوبة وإعادة النازحين، وهو ما يمكن اعتباره دعاية انتخابية لتلك الكتل وبعض نوابها الذين لم يهتموا لأمر مدنهم وأهاليها طيلة فترة النكبة وما بعدها.
أما نواب التحالف الكردستاني فيطالبون بحصة الـ 17% من الموازنة، ورفضوا عدم تضمنها مصطلح حكومة الإقليم، وأعلنوا عن مقاطعتهم لها، ما لم تعيد لهم نسبة 17% بينما يصر أغلب نواب التحالف الوطني على منحهم نسبة 12.5% من الموازنة.
مما تقدم، تلاحظ تجاذبات سياسية حادة بين الكتل السياسية حول مشروع الموازنة، فكل طرف يغني على ليلاه، ويحاول استقطاب وتحشيد جمهوره خلفه من خلال منبر مشروع الموازنة، على الرغم من أنها موازنة أرقام تقديرية فقط وموازنة ظروف استثنائية فضلاً عن احتوائها على عجز كبير. وأمام كل هذه التجاذبات والخلافات، يرجح بعضهم عدم إقرار موازنة 2018 وتأجيلها عدة أشهر.
وربما يوجد اتفاق سياسي على عدم تمرير الموازنة بغية إحراج الحكومة، ورئيسها حيدر العبادي، انتخابياً من بعض الكتل السياسية التي تريد إعادة ترتيب أوراقها الانتخابية، سيما وأنّ هناك كتلا سياسية يمكنها إكمال نصاب أي جلسة تريد.
ولنا في العراق تجربة مريرة مع موازنة السنة الانتخابية، ويُخشى أن يعيد التاريخ نفسه بصورة أخرى، فموازنة 2014 لم تقر بسبب الخلافات بين الكتل السياسية حولها، ورحلت من حكومة وبرلمان سابق إلى برلمان وحكومة جديدة، ومع ذلك لم تقر.
حينها لم تمرر موازنة 2014 بسبب مقاطعة الكرد لها، على خلفية مطالبتهم برفع حصة الإقليم من 17% إلى 21% ودفع مستحقات الشركات العاملة في استخراج نفط الإقليم من الموازنة الاتحادية، وليس من حصة الإقليم، كما طالبوا بأن يتم تمويل رواتب البيشمركة والموظفين من الموازنة الاتحادية، وليس من حصة الإقليم، فضلاً عن رفضهم تسليم واردات المنافذ والمطارات. أما الكتل السنية فطالبت بتمرير مطالب متظاهري الأنبار مع الموازنة في سلة واحدة! بينما اختلفت كتل التحالف الوطني حول البترودولار، ومانعت رفع حصة الإقليم. وبسبب تلك الخلافات، لم تمرر الموازنة، وتبعها ما تبعها من ويلات ونكسات عسكرية واقتصادية وسياسية وغيرها، فهل ستستمر لعنة السنة الانتخابية مع مشاريع الموازنة الخاصة بها؟ وهل ستستمر عرقلة إقرار موازنة 2018 طويلاً؟
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
همام السليم (العراق)
همام السليم (العراق)