كان قد أُصيب بمرض التهاب السحايا بعد ولادته في عام 1992. لم يكن هناك أطباء أو مستشفيات متخصّصة في مدينة شفشاون المغربية (الزرقاء)، وهي مدينة عتيقة تكثر فيها السلالم، جدرانها زرقاء وتُسمّى "الجوهرة". بعد مُضيّ أسبوع على ولادته، لاحظت الوالدة أن أطراف أسامة الفاتح لا تتحرك، فأخذته إلى تطوان بحثاً عن مستشفى أو طبيب أطفال. لكنّ في شهر أغسطس/ آب الحارّ، كان معظم الأطباء في إجازة.
كان أسامة يجلس على أريكة حين قابلته "العربي الجديد" في تطوان، يستمع مرّة أخرى إلى قصته ترويها أمه. تقول والدته فاطمة قدور: "أحد الأطباء المتخصّصين نصحنا بنقله إلى مستشفى حكومي. حينها، لم نستطع الذهاب إلى مستشفيات الرباط، لكنّ الطبيب نفسه حرص على الاهتمام بأسامة".
كان أسامة في حاضنة الأطفال، وكانت أمّه ترى حالته تسوء في ظل قلة العناية، لكنّ الطبيب أوصاها بالصبر. في النتيجة، أصيب بالشلل، ما أجبر والدته على التنقل من عيادة إلى أخرى، وبين شفشاون وتطوان، مع الحرص على مساعدته نفسياً.
كان والده عبد السلام يعمل أستاذاً في القرى البعيدة، ويعود إلى المنزل مرة أو مرتين أسبوعياً. طلب من وزارة التعليم نقله إلى شفشاون مراعاة لظروفه، إلّا أنه استطاع لاحقاً الانتقال إلى تطوان. وظلّت فاطمة تتحمل المسؤولية الأكبر، إلى أن تقاعد زوجها في عام 2012.
عندما سكنت العائلة تطوان، تعرّفت على جمعية "حنان" المعنية بالأطفال المعوقين، وهي المرحلة التي غيّرت مصير أسامة. تقول والدته: "طلبت مني الجمعية تسجيله في المدرسة.
وعندما حاولت، كان المدير والأساتذة يتحججون بعدم استقبال التلاميذ المعوقين، كما أنّ أسامة غير قادر على الكتابة. لكن بمساعدة شقيقي، تمكنّا من تسجيله في مدرسة قريبة. طلبت من زملائه مساعدته وعدم الإساءة إليه. وبفضل تشجيع الأهل، كانت نتائج أسامة مبهرة، وقد أكدت المدرسة أن لديه "طاقة فولاذية".
في العادة، لا تستقبل المدارس الحكومية التلاميذ أمثال أسامة، بسبب قلة إمكانياتها وضعف قدرات الأساتذة في التعامل معهم. في المرحلة الإعدادية، اشترت فاطمة الزي المدرسي والكتب لأسامة وأوصلته إلى المدرسة. عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، أخبرتها الإدارة بصعوبة دمج ابنها في المدرسة. تقول: "بكيت، ونصحتني مدرّسة بإلحاقه في مدرسة أخرى، فيما رفض المدير تحمل المسؤولية. لم أستسلم، وقدمت الأوراق المطلوبة وسجلته في المدرسة. كنت أوصي شقيقه والجيران بمرافقته إلى المدرسة ومراقبة حركته".
شخصيّة أسامة وانضباطه غيّرا الصورة النمطية لدى أساتذته. وحين سألت أمه أستاذ الرياضيات عن تقييمه لمشاركة أسامة في الصف، أجاب: "يجلس في مقعده وسيحصل في النهاية على 10 نقاط". رفضت الأمر واقترحت أن يعطيه بعض المسائل لحلها. حينها اكتشف أنّ ذكاء أسامة يفوق بقية التلاميذ.
اقــرأ أيضاً
نجح أسامة هذا العام في البكالوريا (الثانوية العامة) في شعبة العلوم الإنسانية. اختار العلوم الإنسانية لأنّها "تدرس الإنسان وتاريخه إلى جانب الفلسفة وعلم النفس والاجتماع". وتمكّن أسامة من اجتياز الثانوية بمساعدة والديه وشقيقيه. وبعدما أصرّت والدته على أن يكمل دراسته، اشترطت الوزارة أن يصطحب شقيقه الأصغر سناً إلى قاعة الامتحانات ليكتب له الإجابات، فضلاً عن لجنة مراقبة خاصة وإضافة عشرين دقيقة إلى الوقت الأصلي. يقول: "ركزت على النقاط الهامة في الكتب، وقرأت بعض التفاصيل الإضافية عبر الإنترنت. مع ذلك، لم تكن الامتحانات سهلة والتصحيح ظالم". وتوضح والدته أنّه "كان يدخل إلى المنزل سعيداً بما كتبه في الامتحانات. لكنّه شعر بالإحباط بسبب النتيجة".
على مدى هذه السنوات، كثيراً ما سمعت والدته كلاماً جارحاً. قيل لها: "أنجبي طفلاً غيره، فأنت تضيعين الوقت". لكنّ فاطمة أثبتت أن ابنها قادر على النجاح، فأصرت على مساعدته. وبعدما تقاعد والده، باتت العائلة أكثر اهتماماً بأسامة ومشواره المدرسي.
من جهته، يقول والده: "رغم أنه قادر على المشي، أرافقه إلى المدرسة. وأشعر بسعادة حين يسألني الأساتذة عنه". في السياق، تلفت فاطمة إلى زيادة الوعي في البلاد حول حقوق الأشخاص المعوقين. تضيف: "اهتم الملك المغربي محمد السادس بالمعوقين، وزادت نسبة الاندماج في المدارس والمؤسسات. وحين كان أسامة في مدرسة أبي الحسن الشاذلي، بنوا له مرحاضاً خاصاً، وكان الأساتذة يساعدونه".
شارك أسامة في برلمان الطفل في عام 2010 في الرباط، ودافع عن حقوق الأشخاص المعوقين، واقترح عليهم بأن يكون هناك شرطة للبيئة. تقول عائلته: "كنّا نشاهد التلفزيون منذ فترة، واستمعنا إلى خبر عن الشرطة البيئية، وفرحنا بالأمر". لماذا هذا الاقتراح؟ يجيب أسامة: "المواطن العربي والمغربي لا يعتني بالبيئة. نحن نشوهها". ثم يتحدث عن الحاجة إلى "الدمج في المجتمع عبر خلق مشاريع خاصة، إذ إن غالبية المعوقين مهمشون أو يتسولون في الشارع".
سيتفرغ أسامة للأبحاث الأكاديمية في الجامعة. تذكر والدته أنه لطالما كان معجباً بالنباتات والفاكهة الغريبة، و"قد حاول زرعها في حديقتنا". في الوقت الحالي، يسعى إلى معرفة ما تيسر من معلومات عن الدول.
اقــرأ أيضاً
كان أسامة يجلس على أريكة حين قابلته "العربي الجديد" في تطوان، يستمع مرّة أخرى إلى قصته ترويها أمه. تقول والدته فاطمة قدور: "أحد الأطباء المتخصّصين نصحنا بنقله إلى مستشفى حكومي. حينها، لم نستطع الذهاب إلى مستشفيات الرباط، لكنّ الطبيب نفسه حرص على الاهتمام بأسامة".
كان أسامة في حاضنة الأطفال، وكانت أمّه ترى حالته تسوء في ظل قلة العناية، لكنّ الطبيب أوصاها بالصبر. في النتيجة، أصيب بالشلل، ما أجبر والدته على التنقل من عيادة إلى أخرى، وبين شفشاون وتطوان، مع الحرص على مساعدته نفسياً.
كان والده عبد السلام يعمل أستاذاً في القرى البعيدة، ويعود إلى المنزل مرة أو مرتين أسبوعياً. طلب من وزارة التعليم نقله إلى شفشاون مراعاة لظروفه، إلّا أنه استطاع لاحقاً الانتقال إلى تطوان. وظلّت فاطمة تتحمل المسؤولية الأكبر، إلى أن تقاعد زوجها في عام 2012.
عندما سكنت العائلة تطوان، تعرّفت على جمعية "حنان" المعنية بالأطفال المعوقين، وهي المرحلة التي غيّرت مصير أسامة. تقول والدته: "طلبت مني الجمعية تسجيله في المدرسة.
وعندما حاولت، كان المدير والأساتذة يتحججون بعدم استقبال التلاميذ المعوقين، كما أنّ أسامة غير قادر على الكتابة. لكن بمساعدة شقيقي، تمكنّا من تسجيله في مدرسة قريبة. طلبت من زملائه مساعدته وعدم الإساءة إليه. وبفضل تشجيع الأهل، كانت نتائج أسامة مبهرة، وقد أكدت المدرسة أن لديه "طاقة فولاذية".
في العادة، لا تستقبل المدارس الحكومية التلاميذ أمثال أسامة، بسبب قلة إمكانياتها وضعف قدرات الأساتذة في التعامل معهم. في المرحلة الإعدادية، اشترت فاطمة الزي المدرسي والكتب لأسامة وأوصلته إلى المدرسة. عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، أخبرتها الإدارة بصعوبة دمج ابنها في المدرسة. تقول: "بكيت، ونصحتني مدرّسة بإلحاقه في مدرسة أخرى، فيما رفض المدير تحمل المسؤولية. لم أستسلم، وقدمت الأوراق المطلوبة وسجلته في المدرسة. كنت أوصي شقيقه والجيران بمرافقته إلى المدرسة ومراقبة حركته".
شخصيّة أسامة وانضباطه غيّرا الصورة النمطية لدى أساتذته. وحين سألت أمه أستاذ الرياضيات عن تقييمه لمشاركة أسامة في الصف، أجاب: "يجلس في مقعده وسيحصل في النهاية على 10 نقاط". رفضت الأمر واقترحت أن يعطيه بعض المسائل لحلها. حينها اكتشف أنّ ذكاء أسامة يفوق بقية التلاميذ.
نجح أسامة هذا العام في البكالوريا (الثانوية العامة) في شعبة العلوم الإنسانية. اختار العلوم الإنسانية لأنّها "تدرس الإنسان وتاريخه إلى جانب الفلسفة وعلم النفس والاجتماع". وتمكّن أسامة من اجتياز الثانوية بمساعدة والديه وشقيقيه. وبعدما أصرّت والدته على أن يكمل دراسته، اشترطت الوزارة أن يصطحب شقيقه الأصغر سناً إلى قاعة الامتحانات ليكتب له الإجابات، فضلاً عن لجنة مراقبة خاصة وإضافة عشرين دقيقة إلى الوقت الأصلي. يقول: "ركزت على النقاط الهامة في الكتب، وقرأت بعض التفاصيل الإضافية عبر الإنترنت. مع ذلك، لم تكن الامتحانات سهلة والتصحيح ظالم". وتوضح والدته أنّه "كان يدخل إلى المنزل سعيداً بما كتبه في الامتحانات. لكنّه شعر بالإحباط بسبب النتيجة".
على مدى هذه السنوات، كثيراً ما سمعت والدته كلاماً جارحاً. قيل لها: "أنجبي طفلاً غيره، فأنت تضيعين الوقت". لكنّ فاطمة أثبتت أن ابنها قادر على النجاح، فأصرت على مساعدته. وبعدما تقاعد والده، باتت العائلة أكثر اهتماماً بأسامة ومشواره المدرسي.
من جهته، يقول والده: "رغم أنه قادر على المشي، أرافقه إلى المدرسة. وأشعر بسعادة حين يسألني الأساتذة عنه". في السياق، تلفت فاطمة إلى زيادة الوعي في البلاد حول حقوق الأشخاص المعوقين. تضيف: "اهتم الملك المغربي محمد السادس بالمعوقين، وزادت نسبة الاندماج في المدارس والمؤسسات. وحين كان أسامة في مدرسة أبي الحسن الشاذلي، بنوا له مرحاضاً خاصاً، وكان الأساتذة يساعدونه".
شارك أسامة في برلمان الطفل في عام 2010 في الرباط، ودافع عن حقوق الأشخاص المعوقين، واقترح عليهم بأن يكون هناك شرطة للبيئة. تقول عائلته: "كنّا نشاهد التلفزيون منذ فترة، واستمعنا إلى خبر عن الشرطة البيئية، وفرحنا بالأمر". لماذا هذا الاقتراح؟ يجيب أسامة: "المواطن العربي والمغربي لا يعتني بالبيئة. نحن نشوهها". ثم يتحدث عن الحاجة إلى "الدمج في المجتمع عبر خلق مشاريع خاصة، إذ إن غالبية المعوقين مهمشون أو يتسولون في الشارع".
سيتفرغ أسامة للأبحاث الأكاديمية في الجامعة. تذكر والدته أنه لطالما كان معجباً بالنباتات والفاكهة الغريبة، و"قد حاول زرعها في حديقتنا". في الوقت الحالي، يسعى إلى معرفة ما تيسر من معلومات عن الدول.