أسئلة في زمن كورونا

16 مايو 2020
+ الخط -
يختبر كثر في أزمة وباء كورونا تجارب عديدة، منها ما هو مرتبط بسوق العمل، ومنها ما هو متعلق بالسلوكات الاجتماعية، ومنها، وهو الأهم، الانعزال، الذي لم يكن مستحبّاً في البداية، قبل أن يتحوّل إلى نمطٍ يومي صعب التخلّي عنه. لا يتعلّق الموضوع بما هو صحيح أو خاطئ، بل بقدرة البشر عموماً على التكيّف، وقدرة الفرد على التأقلم مع المتغيرات، في سياق تطبيقي لمبدأ "البقاء للأصلح". كل شيء طُرح على طاولة النقاش بينك وبين عقلك. لحظات التأمّل الكثيفة تجعلك في مستوى أعلى في العلاقة مع التفكير. تفقد الأسئلة التقليدية سيطرتها قليلاً على نمط تفكيرك، لمصلحة أسئلةٍ مرتبطة بالوجود والعدم. لا تعود المهيمنةَ أسئلةٌ من نوع "كيف سيكون يومي؟ كيف سأتعامل مع الزبائن؟ كيف سأواجه مديري؟ كم يبلغ سعر كيلو اللحم؟ ماذا عن الخضار؟ هل زادت أقساط المدارس وفواتير الكهرباء والماء؟ هل يمكن توفير بعض الأموال لنزهة عائلية في الطبيعة؟ هل سأستطيع السفر هذا الصيف إلى أوروبا أو أميركا الوسطى؟". قد تكون هذه الأسئلة مشتركة عالمياً، مع حذف بعضها وزيادة أخرى بحسب التفاوت الطبقي. عموماً هذا النمط من التفكير ساد بقوة بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، ثم تجدّد غداة انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة عام 1991. 
اليوم، سيطر فيروس كورونا على البشرية. طبعاً أمراضٌ، مثل إيبولا والملاريا وحمّى الضنك والهواء الأصفر والكوليرا، أكثر إيلاماً منه، لكنها لم تُصب الدول الصناعية، من الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة، بل دائماً ما كان موئلها القارّة الأفريقية، وهو ما جعل الاهتمام العالمي بهذه الأوبئة شحيحاً. دفع الفيروس بعضهم إلى التفكير في كل شيء، من كيفية تدبير النمل نفسه وصولاً إلى الحراك الكونيّ، وما بين التساؤلين أفكار شتى تتجاذبها تجارب وقراءات، تؤدّي، في أحيانٍ كثيرة، إلى استيلاد أجوبة شخصية لا عامّة.
هذه الأفكار وأجوبتها تُفسح المجال أمام تنامي المعتقدات التي يُمكن وصفها بـ"السوداء"، أي أن يظنّ الشخص أنه أمام حائط مسدود، أو يعتقد أن لا حلّ قريباً للفيروس وأن الأمور تتجه إلى الأسوأ. وتزداد الأمور سوءاً إذا كان الشخص في بلدٍ غير قادرٍ أساساً على تلبية حاجات شعبه في الأيام العادية، فكيف في حالات الطوارئ. من حقّ كل فرد طرح الأسئلة الوجودية والتشكيكية، وربما من حقه التوصّل إلى نهاية سوداوية، بناء على ما يحلّله وما هو موجود أمامه، لكن الأوضاع ليست بالضرورة كذلك، فلو كانت البشرية عموماً أكثر ميلاً إلى السلبية في وجودها على كوكب الأرض لانتهى أمرها في بداياتها. بالتالي، ما هو الحلّ الذي يُمكن تنفيذه؟ في البدء، لا يمكن ادّعاء أن لا شيء يحصل أو كأن الأمور لم تتغير. علينا الاقتناع بذلك والتصرّف على أساسه. ثم، علينا البدء بالتفكير بأن فيروس كورونا عابر ولن يستمر، سواء بالتعايش معه أو مع إيجاد لقاح له. وبعد، يمكن التراجع خطوة إلى الوراء في أنانيتنا المفرطة، خصوصاً ببناء شبكة أمان اجتماعية، لا تحتاج بالضرورة إلى دولةٍ أو منظومة حزبية في حال غياب الدولة. ليست كل الدول ألمانيا أو النرويج، بل نحتاج إلى الجهد الشخصي عبر تعديل طريقة تفكيرنا التقليدية، وتفادي الهلع غير المبرّر الذي يفاقم المشكلة ولا يحلّها. طبعاً من الصعب حصول ذلك فوراً، لكن لا بدّ منه عاجلاً أم آجلاً.
وبما أن الإنسان كائن عاطفي، انفعالي، لا يُمكن منعه من التفكير بحزن أو الشعور بالاكتئاب، بل علينا إقناع هذا الفرد بأن الأمور لن تستمرّ على ما هي عليه. طبعاً، لا يمكن الاكتفاء بالكلام فحسب، بل نحتاج إلى التصرّف سريعاً وبالموارد المُتاحة. لم نعد بشراً بدائيين، لكن لا مانع من الاقتداء بهم من أجل مستقبلنا.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".