أسئلة بشأن القوة العربية المشتركة

31 مارس 2015
+ الخط -
تتمثل النتيجة الأبرز للقمة العربية التي عقدت في شرم الشيخ، قبل أيام، في قرار إنشاء "قوة عربية مشتركة للتدخل العسكري السريع"، حسبما جاء في نص البيان الختامي للقمة، الهدف الأساسي منها هو الاضطلاع "بمهام التدخل العسكري السريع، وما تكلف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية، وتشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية، بناء على طلب من الدولة المعنية".
أسئلة كثيرة تفرض نفسها، بعد هذا القرار، وكلها مشروعة، ومرّدها أمران، أولهما البعد السياسي في مسألة إنشاء هذه القوة المشتركة، وأعني به الأطراف التي تقف وراء الفكرة نفسها، ومصلحتها من إنشاء مثل هذه القوة. وثانيهما، البعد الفني والاستراتيجي لهذه القوة، وما يتعلق بأهدافها، ومقرها، وقياداتها، وأطرافها، وموازنتها، ونطاقها الجغرافي.
من جهة أولى، جاءت مبادرة إنشاء هذه القوة المشتركة، بالأساس، من مصر، حيث قام الجنرال عبد الفتاح السيسي، طوال الشهرين الماضيين، بمحاولة تسويق الفكرة، والضغط من أجل إقرارها وتنفيذها، خصوصاً بعد شنه، منفرداً، ضربات عسكرية على مدينة درنة الليبية، انتقاماً للجريمة التي قام بها تنظيم داعش تجاه مصريين أبرياء كانوا يعملون في ليبيا، وتم احتجازهم وذبحهم رهائن. وقد لاقت الفكرة، وقتها، عدم ترحيب، ورفضتها بعض دول عربية، بما فيها حلفاء للجنرال السيسي. وجاءت أزمة اليمن والحرب على جماعة الحوثيين لتعطي الفكرة زخماً جديداً، ما ساعد في تمريرها، والموافقة عليها في القمة العربية أخيراً.
 
من جهة ثانية، يبدو السؤال حول الطرف، أو "العدو" المستهدف من إنشاء هذه القوة المشتركة، مهماً لتحديد مدى نجاحها، أو إخفاقها. فحسب الصيغة التي خرج بها القرار، سوف تتصدى هذه القوة لأي تهديد لسلامة الدول العربية وأمنها. وهنا يبرز السؤال المنطقي: هل ستدخل إسرائيل ضمن نطاق الأهداف أو الأعداء؟ أم سيقتصر الأمر على إيران؟ وهو سؤال تتفرع عنه أسئلة أخرى، مثل من الذي سيحدد طبيعة الأهداف، وعلى أي أساس؟ وما العمل فى حالة نشوب خلافات بين الدول الأعضاء حول تحديد طبيعة الهدف أو العدو؟ أما السؤال الأهم، في هذا الصدد: ما العمل، إذا كان مصدر التهديد والخطر هو أحد الأنظمة العربية المشاركة في تشكيل هذه القوة، خصوصاً إذا ما قامت ثورة أو انتفاضة ضده؟ هل سيجري قمعها من خلال القوة العربية المشتركة، أم سوف تنحاز هذه القوة للشعوب؟
ومن جهة ثالثة، يبرز تساؤل حول من سيقود هذه القوة المشتركة، هل هي مصر أم السعودية أم دولة أخرى؟ وما هي أسس اختيار هذه القيادة؟ وهل ستقبل الدول العربية التي لديها خلافات مع مصر أو السعودية بذلك أم لا؟ ويرتبط سؤال القيادة بسؤال المقر، فكيف سيتم اختيار دولة المقر وعلى أي أساس؟ هل على أساس حجم مشاركة كل دولة، كماً وكيفاً، أم حسب حجم الخطر والتهديدات التي تواجه هذه الدول؟
ومن جهة رابعة، ثمة سؤال مهم حول أطراف القوة العربية المشتركة. فحسب قرار الإنشاء، ستكون العضوية في هذه القوة اختيارياً، ما يفتح الباب واسعاً حول إشكالات وتساؤلات عديدة. أهمها هل سيتم استخدام هذه القوات ضد دولة أو دول غير مشاركة فيها؟ وما هو العمل في حالة قيام نزاع بين دولتين طرفين في هذه القوة؟ ولأيهما ستنحاز بقية الدول؟ وهل قرارات هذه القوة المشتركة ستكون ملزمة لبقية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، أم للمشاركين بها فقط؟ وما العمل إذا عارضت دولة عربية عمل هذه القوة المشتركة؟
ومن جهة خامسة، تبدو مسألة تمويل هذه القوة المشتركة مهمة، ليس فقط لأنها ستحدد أوزان الدول المشاركة فيها، وإنما أيضاً لأنها قد تؤثر على التوجهات السياسية والاستراتيجية للدول الأعضاء. وكيف سيتم التغلب على عدم التوازن المالي بين الدول الأعضاء؟ وما الذي يضمن ألا تتحول هذه القوة لمليشيا تخدم من يتكفل بتمويلها ووضع موازنتها، أم ستكون مستقلة عمن يدفع؟
من جهة أخيرة، ثمة تساؤل كبير حول النطاق الجغرافي والاستراتيجي لهذه القوة المشتركة، وما إذا كانت ستستهدف المنطقة العربية فحسب، أم سوف تستهدف دولاً أخرى فى الإقليم، مثل إيران؟ ومن سيكون المسؤول عن تحديد هذا النطاق الجغرافي والاستراتيجي؟ وما العمل إذا لم يكن هناك إجماع حول تحديد هذا النطاق الجغرافي؟ فمثلاً، ماذا سيحدث لو قررت دولة مشاركة في هذه القوة التدخل فى العراق، أو في ليبيا، لتحقيق مصلحة خاصة بها فقط، وليست مصالح الدول الأخرى؟ وما العمل إذا كان هناك انقسام جغرافي واستراتيجي في بلد ما، إلى أي الطرفين سوف تنحاز هذه القوة المشتركة؟ ولعل السؤال الأبرز، في هذا الصدد، يتعلق بالتصدي للتنظيمات الإرهابية، من الذي سيحدد هذه التنظيمات، وعلى أي أسس؟ وما ضمانات عدم تسييس مسألة الإرهاب واستخدامها في اللعبة السياسية الداخلية، كما الحال في مصر؟
تشير هذه الأسئلة، وغيرها، إلى أن مسألة إنشاء القوة العربية المشتركة، وإن بدت ظاهرياً جيدة ومفيدة، إلا أنها قد تؤدي مستقبلاً إلى مشكلات وخلافات وانقسامات كثيرة. ويبدو جلياً أنها لم تأخذ وقتا كافياً للدراسة والنقاش، ما يعني أننا قد نكون على أعتاب إخفاق عربي جديد، يُضاف إلى سلسة طويلة من إخفاقات وقعت طوال النصف الأخير من القرن الماضي، وذلك ما لم تتم الإجابة على الأسئلة السابقة، بصراحة وشفافية.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".