أسئلة "ولاء" ورغباتها

05 ديسمبر 2018
الفلسطينية ولاء والكندية كريستي غارلاند (فيسبوك)
+ الخط -
"ماذا تريد ولاء". يخلو العنوان من علامة استفهام. وثائقيّ الكندية كريستي غارلاند (1968) يُحدِّد هدفه منذ البداية: المسألة غير معنيّة بسؤال، بل بحالة مفتوحة على ارتباكات مشاعر وتفكير، تعيشها الشابّة الفلسطينية ولاء، المُقيمة في مخيم بلاطة للّاجئين (نابلس). غارلاند غير راغبة في إجابات. خلو العنوان من علامة استفهام دليلٌ على أن النصّ البصري مفتوح على احتمالات شتّى، ورغبات كثيرة، ومسارات عديدة. لن يبقى الفيلم (إنتاج كندي دنماركي مشترك، 2018) ـ المُشارك في المسابقة الرسمية للدورة الـ31 (14 ـ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) لـ"مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية" ـ انعكاسًا لسيرة حياة شابّة في 5 أعوام، بل محاولة لتبيان معالم العيش في المخيم، وفي البيئة الفلسطينية الأوسع، عبر عينيّ ولاء، وعبر عيون شخصيات أخرى أبرزها لطيفة أبو درع، والدة ولاء، والمناضلة المسجونة لدى المحتلّ الإسرائيلي 11 عامًا.

التفاصيل الصغيرة عماد نصٍ يكتفي بمرافقة ولاء في يومياتها. حركة الشابّة وحيويتها وضحكاتها وتوترها وانفعالاتها نواة جوهرية لحكاية تبغي توثيقًا لسيرة فردية، وتبيانًا لحالة بيئة. لن يظهر الإسرائيلي كثيرًا، لكن حضوره العنفيّ ماثلٌ في مفارق وأقوال ومشاعر. تُصرّ ولاء على الانتساب إلى جهاز الأمن الوطني الفلسطيني. تمازح صديقاتها بالقول إنها ستُشهر مسدسها عليهنّ وتزجّ بهنّ في السجن. ساخرةٌ متمكّنةٌ من حسّها الانتقادي الحادّ، لكنها عاجزة عن الخضوع المطلق لأي سلطة، ولكلّ تدريب. مع هذا، تنجح في نهاية المطاف، وتُصبح شرطية تتابع المشاكل العادية واليومية لأناس كثيرين.

يُحافظ الفيلم على بساطة التصوير والمونتاج، تاركًا لولاء حرية تحرّك وقول وتصرّف وبوح. المقصود واضح: فَهْم هذه الشخصية، اللافتة لانتباه كريستي غارلاند في زياراتها العديدة إلى فلسطين المحتلّة. فَهمٌ يستدعي تعرّفًا ومتابعة ولقاءات جمّة. تقول غارلاند: "عندما أُخرج فيلمًا وثائقيًا، أسعى إلى اكتشاف العالم بعيون أبطاله". علاقتها بولاء نتاج موقف كهذا. فلسطين، بصداماتها الدائمة مع المحتلّ، تبدو أقوى حضورًا وأعمق تأثيرًا. المحتلّ الإسرائيلي غير ظاهر فظهوره المباشر غير مهمّ لأن الأهم حكاية ولاء. شخصية الوالدة لن تكون أقلّ أهمية وتأثيرًا انفعاليًا من شخصية ابنتها. أعوام السجن لن تذهب هباءً، وعندما تُعتَقل ولاء أيامًا قليلة لدفاعها عن شقيقها ضد جندي إسرائيلي، تكتشف الابنة الشابّة معنى العيش في زنزانة، وتُقدِّر ضمنيًا تضحيات أم وأهل وأناسٍ.

فيلم بسيط وجميل، يمتلك خصوصية السلاسة في سرد حكاية شابّة فلسطينية في مواجهة أسئلتها ورغباتها وأحلامها وعلاقاتها.
المساهمون