أزمة وجبات غذائية مدرسية في تونس

23 نوفمبر 2018
يستمتعون بوجبتهم (العربي الجديد)
+ الخط -
"أعمل في منطقة داخلية، أبطالها صغار يكابدون الظروف المزرية للمبيت بعيداً عن العائلة. هنا بالكاد يجدون مصروفهم اليومي ليشتروا قارورة الماء حينما يسوء لونه ويتغيّر طعمه في مبنى المبيت. سألتهم عن الوجبة بعد تأسيس ديوان للخدمات المدرسية يعنى بالوجبة المخصصة للتلاميذ فقالوا: زادونا علبة زبادي لا غير". تتحدّث المعلمة نورة كنزيزي، من منطقة كسرى بولاية سليانة عن ظروف التلاميذ في المبيتات (الداخلي)، وما يعانيه أغلبهم مع الوجبات المدرسية البسيطة التي تغيب في العديد من المناسبات.

من منطقة أولاد شامخ في محافظة المهدية، يقول محمّد، وهو أحد معلمي المنطقة، إنّ التلاميذ ينامون في بعض الليالي بأمعاء خاوية، والسبب غياب الوجبة المدرسية، كنتيجة لعدم إيجاد رئيس مطبخ يعوّض سابقه، ونقص تزويد المطبخ بكلّ المستلزمات. يجد بعضهم الخبز والجبن لسد الرمق، وأحياناً تغيب أيضاً تلك اللقمة البسيطة عن بعض التلاميذ، وفق قوله.

عانت المطاعم المدرسية في ولاية الكاف من كثير من النقص في الآونة الأخيرة، ما أثار احتجاج أولياء الأمور. يشير أحدهم، عبد الكريم بوغانمي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الأكلة المدرسية في المبيتات بالمدارس والمعاهد تغيب أحياناً بسبب عدم توافر التجهيزات الكافية للطبخ، لعدّة مشكلات مع المزودين، وتأخّر ديوان الخدمات المدرسية في صرف مستحقات المزودين، وفق ما أبلغ الأولياء إثر الشكاوى التي تقدموا بها. وهكذا يجد التلاميذ أنفسهم مكتفين فقط ببعض الخبز والجبن، كما يقول.



من جهتها، تشير لطيفة عيفي، وهي والدة أحد التلاميذ، إلى سوء الوجبة المدرسية، وعدم توافرها أحياناً. تضيف أنّ أغلب التلاميذ يكتفون ببعض الوجبات الخفيفة في الشارع، خصوصاً أن أغلبهم يسكن في المبيتات بعيداً عن العائلة. تضيف أنّ أزمة الوجبة المدرسية ليست بجديدة، بل هي مشكلة تتكرّر سنوياً. وتقدَّم في كلّ مرة تبريرات حول نقص التمويلات أو عدم انتداب عمال مطبخ.

يذكر أنّ المدارس والمعاهد كانت تتعامل مباشرة مع المزودين لتأمين مستلزمات الوجبات المدرسية. لكن بعد تأسيس ديوان الخدمات المدرسية وتعاقده مع مزوّدين من جهات متعددة ظهرت مشكلات عدة، ما جعل الوجبات متدهورة في بعض الأحيان أو غائبة من جراء عدم توافر السلع، لتقتصر الوجبات فقط على بعض الخبز والجبن والسلطة، علماً أنّ الأكلة المدرسية تتضمّن عادة أحد الأطباق التونسية مع تقديم السلطة وبعض الفواكه والخبز والجبن. وقد تعهدت عدّة جهات خلال الدورة العشرين للمنتدى العالمي حول التغذية الذي عُقد بتونس في الشهر الماضي، بتأسيس مطاعم مدرسية ثابتة وأخرى متنقلة، وتأسيس مطاعم مدرسية على النمط الإيطالي. لكن بقيت مشكلة الوجبة المدرسية تثير جدالاً، لا سيما في المناطق الداخلية، حيث لا يقيم بعض التلاميذ مع أهاليهم بل في مبيتات، بسبب بعد المعاهد والمدارس عن منازلهم.

وبالرغم من تعهد وزارة التربية كلّ سنة بتحسين الوجبة المدرسية فإنّ هناك إشارات إلى سوئها، بل غيابها أحياناً. يحتج عدد من أولياء الأمور في عدّة جهات، لا سيما الداخلية، بسبب غياب الوجبة المدرسية، إذ يكبدهم ذلك مصاريف كبيرة، نظراً للجوء أبنائهم إلى الأكل في بعض المطاعم أو الاكتفاء بالوجبات الخفيفة.

يذكر أنّ وزير التربية، حاتم بن سالم، أكد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 أنّ من أهم مرتكزات الإصلاح في المدارس المطاعم المدرسية التي اعتبر وضعها غير مرضٍ، وقد أشار إلى أنّ الحكومة تسخّر 42 مليون دينار (14 مليوناً و465 ألف دولار أميركي) للتغذية المدرسية سنوياً. كذلك، أكد أنّ الوزارة تسعى إلى وضع منظومة غذائية تكفل الكرامة للتلاميذ وتمكّن كلّ الأطفال من مختلف الشرائح الاجتماعية من الجلوس إلى طاولة الأكل نفسها، وتناول وجبة أفضل من الوجبات المقدمة سابقاً.



أعلن الوزير قبل شهرين عن تأسيس بنك غذائي مدرسي لأوّل مرة في تونس، والترفيع في قيمة الوجبة المدرسية إلى قرابة نصف دولار. وذلك لضمان انتظام تزويد المطاعم المدرسية بالمواد الغذائية، خصوصاً في ظل الصعوبات في الوصول إلى بعض المؤسسات. تابع أنّ تمويلات البنك سيتأتى جزء منها من ميزانية وزارة التربية، إلى جانب المجتمع المدني وأصحاب المساحات الزراعية الكبرى الذين عبّروا عن استعدادهم لتزويده.

يذكر أنّ في تونس 2435 مطعماً مدرسياً للصفوف الأساسية و450 مطعماً للصفوف الثانوية، من جملة أكثر من 4 آلاف مدرسة، وتؤمن وجبات لـ 352 ألف تلميذ.

من جهته، يقول حسين النصري، الكاتب العام المساعد لجمعية "مرافقة التلميذ" لـ"العربي الجديد" إنّ المطاعم المدرسية في عدة جهات في حاجة فعلاً إلى مراقبة مستمرة، خصوصاً من الجانب الصحي. يؤكد أنّ كثيراً من المطاعم المدرسية في المناطق النائية تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب أو تعاني من نقص ربطها بشبكة الكهرباء، ما يجعل ظروف حفظ الأكل فيها متردية. على صعيد آخر، يلفت إلى التقصير الكبير في مراقبة تلك المطاعم وحسن التصرف في ميزانية الوجبة المدرسية، مع منع المجتمع المدني من متابعة ومراقبة ما يتوافر للتلاميذ.
المساهمون