15 مايو 2024
أزمة كردستان وصناعة الكراهية
تطورت مجريات الأمور في الأزمة التي افتعلها رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، بإصراره على إجراء الاستفتاء الجماهيري للانفصال عن الوطن الأم، العراق، في 25 من سبتمبر/ أيلول الماضي؛ فبرزت إلى السطح معادلات جديدة، وقوى عديدة، وتحولت قضية أكراد العراق من شعبٍ طالب، وبوسائل عدة، بالحصول على حقوقه السياسية والثقافية والحقوقية، إلى قضية ينظر إليها العالم، وربما كل العالم، باستثناء إسرائيل ودولة الإمارات، على أنها محاولة من قيادات هذا المكون العراقي المهم لقلب موازين الصراع والنفوذ في الإقليم نحو مزيد من الفوضى والتدخلات الدولية والإقليمية، وأيضا لإيجاد غطاء سياسي وأمني لتسلل قيادات تنظيم داعش الإرهابي ومسلحيه في العراق وسورية.
خطورة الأزمة التي وصلت إلى طرق معقدة، وتفاعل دولي أفضى إلى أن يكون لمجلس الأمن الدولي أكثر من موقفٍ تجاه إدارة إقليم كردستان العراق، كان بعضها للتحذير من مغبة المضي في إجراء الاستفتاء، والآخر بالتحذير والتهديد المبطن لهذه القيادة من تداعيات استمرار عنادها، وتغليب منطق الأمر الواقع على العراق بشكل خاص، ودول الإقليم المجاورة للعراق بشكل أعم.
هل أيقن رئيس إقليم كردستان، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، خطورة ما أقدم عليه؟ وهل شاهد ولمس ما أفضت إليه خطوته غير الناضجة، والمتسرعة، والانفرادية، من نتائج عليه وعلى عائلة البارزاني أولا، وهم رموز مهمة في مسألة النضال
المسلح والسياسي لأكثر من خمسين عاما، للحصول على مكاسب تم تأمينها للأكراد في مراحل تاريخية عدة؛ كقانون الحكم الذاتي 1970، وتضمين حقوقهم القومية والسياسية في دستور العراق الجديد (2005). أيضا يفترض برئيس إقليم كردستان أن يكون قد أفاق من ظنه أن الإقليم وشعبه يعتبره "القائد الأوحد"، وأنه سيمضي وراءه حيث يريد! فتجربة كركوك والمناطق المتنازع عليها وطريقة تمكين القوات العسكرية العراقية (والحشد الشعبي منها) باتت على لسان كل كردي، سواء من كان مفتخرا بها، كأكراد السليمانية، أم من اعتبرها "خيانة عظمى" كأكراد أربيل، وهو ما سيمهد الأرضية لتقسيم إقليم كردستان إلى منطقتين، ستكون إحداهما إقليما جديدا ربما (السليمانية – حلبجة – كركوك)، والثانية لن تكون إقليما (أربيل – دهوك).
خطير جدا ما قام به مسعود البارزاني، بمشاركة قياداتٍ في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (السليمانية)، وفي مقدمتهم أرملة الرئيس العراقي السابق الراحل جلال طالباني، هيرو إبراهيم أحمد، وآخرون، حيث ألهبوا حماسة شعب العراق الكردي صوب "حلم الانفصال"، وبات هذا الأمر وكأنه تحرّر من العراق وشعبه العربي، وكذلك من بقية المكونات القومية والإثنية فيه. وبتنا نسمع في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عبارات عاطفية، بعضها هستيري وغاضب تجاه العراق وشعبه، وصلت إلى الإساءة إلى العلم العراقي، برفع علم إسرائيل، والإشادة بدورها في دعم انفصالهم عن البلد الأم، ووسم الإدارات العراقية المتعدّدة بالتخلف والطائفية، على الرغم من أن القائمين على هذه الحكومة هم من اختاروا التحالف معها منذ أكثر من ربع قرن. ومن الطرف الآخر، في جنوب كردستان العراق، بدأت ماكنة التحشيد العاطفي السلبي تجاه أكراد العراق والإقليم واضحة، حتى بدت وكأن قياداتٍ بعينها تريد أن تحطم النموذج الكردي الناجح الذي برز بوضوح بعد تدهور جميع صور المدنية في بقية مناطق العراق، ومنها العاصمة بغداد منذ عام 2003.
التوظيف السياسي لصناعة الكراهية خلال أزمة الاستفتاء وبعده هو أخطر أغراض هذه العملية التي ساهم في تنفيذها وترويجها مسعود البارزاني، وبشكل بدا فرديا ولافتا لجميع المراقبين.
وبحسب الباحثة الإعلامية في جامعة بغداد، نزهت حمود الدليمي، فإن "صناعـــة الكراهيـــة والعنـــف والتحريـــض هي أبـــرز أهداف الحرب النفســـية كأســـلوب اتصالـــي مؤثـــر فـــي المتلقين، يـــؤدي إلى اختـــراق العقـــول والمشـــاعر وتوجيهها، وفق تخطيـــطٍ دقيـــقٍ، يهدف إلى كســـر المعنويات، وشـــل الإرادة والتفكيـــر العقلاني والمتـــوازن باتجاه تدميـــر البـــلاد، وتخريبهـــا سياســـيا واقتصاديا واجتماعيـــا وثقافيا". ولعل ما رافق عمليات دخول القوات العراقية والحشد الشعبي إلى كركوك صورة واضحة المعالم لهذه الأجواء المختزنة بالعواطف السلبية، سواء تمثل هذا بالتعامل مع علم كل طرف، أم في الخطابات التلقائية أو المتلفزة لكل طرف على حدة.
قد تنتهي المظالم والاستحقاقات التي تخص أي طرف في المعادلات السياسية الوطنية أو الدولية بزوال أسبابها، لكن تكريس الكراهية في نفوس الأجيال المتعاقبة يضع حاجزا نفسيا عميقا وخطيرا جدا لا يمكن إزالته بأي وسيلة كانت، وهي كما وصفها الفيلسوف المصري مصطفى محمود "نمو إلى تحت، وليست نموا إلى فوق، إنها نمو يتغذّى على نفسه ويأكل بعضه". وهو ما يحصل الآن في العراق، حيث تسعى جهاتٌ، ربما تمتد جذورها إلى خارج حدود البلد بكثير، إلى جعل القضية الكردية التي تمت معالجتها بكثير من الانسيابية والأريحية إلى خنجر مغروس في خاصرة العراق، لن تسمح له بالاستقرار والتخطيط السليم في كل مرحلةٍ تتطلب تعميق هذا الخنجر، ليحدث الألم والنزف المطلوبين لهذا البلد، ورحم الله جلال الدين الرومي حين قال "محظوظ من لا يحمل الحقد مرافقا له".
خطورة الأزمة التي وصلت إلى طرق معقدة، وتفاعل دولي أفضى إلى أن يكون لمجلس الأمن الدولي أكثر من موقفٍ تجاه إدارة إقليم كردستان العراق، كان بعضها للتحذير من مغبة المضي في إجراء الاستفتاء، والآخر بالتحذير والتهديد المبطن لهذه القيادة من تداعيات استمرار عنادها، وتغليب منطق الأمر الواقع على العراق بشكل خاص، ودول الإقليم المجاورة للعراق بشكل أعم.
هل أيقن رئيس إقليم كردستان، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، خطورة ما أقدم عليه؟ وهل شاهد ولمس ما أفضت إليه خطوته غير الناضجة، والمتسرعة، والانفرادية، من نتائج عليه وعلى عائلة البارزاني أولا، وهم رموز مهمة في مسألة النضال
خطير جدا ما قام به مسعود البارزاني، بمشاركة قياداتٍ في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (السليمانية)، وفي مقدمتهم أرملة الرئيس العراقي السابق الراحل جلال طالباني، هيرو إبراهيم أحمد، وآخرون، حيث ألهبوا حماسة شعب العراق الكردي صوب "حلم الانفصال"، وبات هذا الأمر وكأنه تحرّر من العراق وشعبه العربي، وكذلك من بقية المكونات القومية والإثنية فيه. وبتنا نسمع في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عبارات عاطفية، بعضها هستيري وغاضب تجاه العراق وشعبه، وصلت إلى الإساءة إلى العلم العراقي، برفع علم إسرائيل، والإشادة بدورها في دعم انفصالهم عن البلد الأم، ووسم الإدارات العراقية المتعدّدة بالتخلف والطائفية، على الرغم من أن القائمين على هذه الحكومة هم من اختاروا التحالف معها منذ أكثر من ربع قرن. ومن الطرف الآخر، في جنوب كردستان العراق، بدأت ماكنة التحشيد العاطفي السلبي تجاه أكراد العراق والإقليم واضحة، حتى بدت وكأن قياداتٍ بعينها تريد أن تحطم النموذج الكردي الناجح الذي برز بوضوح بعد تدهور جميع صور المدنية في بقية مناطق العراق، ومنها العاصمة بغداد منذ عام 2003.
التوظيف السياسي لصناعة الكراهية خلال أزمة الاستفتاء وبعده هو أخطر أغراض هذه العملية التي ساهم في تنفيذها وترويجها مسعود البارزاني، وبشكل بدا فرديا ولافتا لجميع المراقبين.
قد تنتهي المظالم والاستحقاقات التي تخص أي طرف في المعادلات السياسية الوطنية أو الدولية بزوال أسبابها، لكن تكريس الكراهية في نفوس الأجيال المتعاقبة يضع حاجزا نفسيا عميقا وخطيرا جدا لا يمكن إزالته بأي وسيلة كانت، وهي كما وصفها الفيلسوف المصري مصطفى محمود "نمو إلى تحت، وليست نموا إلى فوق، إنها نمو يتغذّى على نفسه ويأكل بعضه". وهو ما يحصل الآن في العراق، حيث تسعى جهاتٌ، ربما تمتد جذورها إلى خارج حدود البلد بكثير، إلى جعل القضية الكردية التي تمت معالجتها بكثير من الانسيابية والأريحية إلى خنجر مغروس في خاصرة العراق، لن تسمح له بالاستقرار والتخطيط السليم في كل مرحلةٍ تتطلب تعميق هذا الخنجر، ليحدث الألم والنزف المطلوبين لهذا البلد، ورحم الله جلال الدين الرومي حين قال "محظوظ من لا يحمل الحقد مرافقا له".