تشهد باكستان أزمة حادة في الدقيق، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، الأمر الذي زاد من الصعوبات المعيشية التي يواجهها الكثير من المواطنين، في ظل تدهور قيمة الروبية الباكستانية مقابل الدولار الأميركي.
وقفز سعر عبوة الدقيق، التي تزن 20 كيلوغراماً، في الكثير من المناطق، من 700 روبية (نحو 5 دولارات) إلى 1200 روبية (8 دولارات)، بزيادة بلغت نسبتها 71.4 في المائة، بينما تضاعف السعر في بعض المناطق، خاصة النائية.
ويقول أحد تجار الدقيق في إقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان، لـ"العربي الجديد"، إن "المعضلة الأساسية أننا نعتمد في كثير من الاحتياجات على إقليم البنجاب، فهو يصدّر لنا القمح والدقيق، وعند حدوث أي أزمة هناك، فإن الخطوة الأولى التي تتخذها الحكومة الإقليمية هي كبح التوريد إلى الأقاليم الأخرى، وعلى رأسها إقليم خيبر بختونخوا، وهذا ما حصل بالضبط هذه المرة، ما أدى إلى شح الدقيق في السوق وارتفاع الأسعار".
ويضيف التاجر الباكستاني الذي عرّف نفسه باسم عبد الباري، أن "المواطن بدأ ييأس من أداء الحكومة، فهو يتصور أن أزمة الدقيق الحالية ترجع إلى الفساد الموجود، حيث يتم تهريب الدقيق إلى أفغانستان، كما أن التجاذبات السياسية أيضا أحد أهم الأسباب وراء أزمة الدقيق الحالية، حيث إن معظم مطاحن وشركات الدقيق تابعة لحزب الرابطة الإسلامية المسيطرة على تجارة وصناعة إقليم البنجاب، وبالتالي هو عمد إلى خلق أزمة للضغط على الحكومة".
ويتابع أن بعض قيادات الحزب الحاكم، الذين هم رجال الأعمال في الأساس، ساهموا أيضا في خلق الأزمة، حيث إن الدقيق موجود في المخازن ولا تخرج إلى الأسواق إلا كمية قليلة كي تباع بأسعار باهظة.
وهكذا يصبح المواطن بين أطماع رجال الأعمال، والسجال الموجود بين الأحزاب السياسية، تحديداً بين الحكومة والمعارضة، وفق التاجر الباكستاني.
وكانت عظمى بخاري، القيادية في حزب الرابطة الإسلامية، جناح نواز شريف، أول من رفع القضية على الصعيد السياسي وتساءلت، في بيان صحافي مؤخرا، حول أداء الحكومة ووقوع أزمة الدقيق في البلاد، تحديداً في إقليم البنجاب، وهو ما أتاح الفرصة للكثير من الساسة المعارضين للحكومة لتوجيه الانتقادات.
بينما أقدمت الحكومة المحلية في إقليم البنجاب على خطوة غريبة، حيث قادت إدارة مراقبة الغذاء شاحنة محملة بأكياس الدقيق، وبإفراغها أمام منزل القيادية في حزب الرابطة الإسلامية، بينما كان رجال يرافقون الشاحنة ينادون بأعلى الصوت "جئنا لك بالدقيق".
وتعليقا على الحادث، قالت بخاري، في بيان صحافي، في 22 يناير/كانون الثاني الجاري: "أثرت القضية لأنها قضية شعب، بينما أقامت الحكومة المحلية مسرحية أمام منزلي لتؤكد بذلك أنها حكومة غير مسؤولة".
لكن عمر تنوير، المسؤول في إدارة مراقبة الأغذية، قال إن "بخاري ذكرت أن الدقيق لا يوجد في السوق، وبالتالي قررنا أن نثبت لها أنه موجود ونقلنا شاحنة إلى منزلها".
غير أن هذه الخطوة لم يكن مرحبا بها حتى عند أنصار الحزب الحاكم ومناصريه، وهي صبت الزيت على الجدل المتواصل بين الحكومة والمعارضة. كما زادت الأزمة الفجوة بين الحكومة المركزية (يقودها حزب حركة الإنصاف بزعامة رئيس الوزراء عمران خان) وحكومة إقليم السند (يقودها حزب الشعب الباكستاني، بزعامة الرئيس الباكستاني السابق أًصف علي زرداري)، حيث إن الأخيرة حمّلت الحكومة المركزية مسؤولية خلق الأزمة.
وقال إسماعيل راهو، وزير الزراعة في الحكومة المحلية بإقليم السند، في بيان له مؤخرا، إن "الحكومة المركزية قررت استيراد الدقيق والقمح من الخارج لاحتواء الأزمة، ونحن بدورنا نرفض الفكرة ونرى أن الأزمة مصطنعة والحكومة المركزية تسببت في ذلك، كيف تقول إنها تصدّر 40 ألف طن من القمح إلى أفغانستان، في حين أن بلادنا بحاجة إلى استيراد نفس الكمية ونحن نملكها، لذا نرفض الفكرة لأن القمح المستورد سيصل إلى بلادنا في مارس/آذار، وحينها سوف يأتي إلى السوق قمح الإقليم".
وبعد أن تحولت الأزمة إلى جدل سياسي كبير، دعا الناشطون ووسائل إعلام محلية، إلى التوجه نحو احتواء الأزمة، بدلا من استغلالها للنيل من الخصم. وقال رئيس الوزراء، إن بعض السياسيين في البلاد وبمساندة كبار المسؤولين في الإدارات المعنية خلقوا الأزمة عمدا ووفق خطة ممنهجة، وإن مسؤولين في إدارة الأغذية تعرّضوا لضغوط سياسيين، وآخرين لم يكونوا أكفاء، مطالبا الجهات الأمنية باتخاذ إجراءات لازمة في حقهم.
وتدخلت المحكمة الباكستانية، تحديداً محكمة إقليم البنجاب، أكبر الأقاليم الباكستانية، وطلبت من الحكومة المركزية ومن حكومة إقليم البنجاب تقديم إجابات عن ما يحدث في شأن الدقيق ومعاناة المواطنين.
وانعكست الأزمة على الأسواق بشكل عام، حيث رافقها شح في أنواع مختلفة من العدس، الذي يستخدم بشكل كبير ويومي في باكستان، وارتفعت أسعار السكر بصورة كبيرة أيضا.