تصاعدت التحذيرات من جانب كبار المزارعين المصريين والخبراء الزراعيين، من أزمة كبيرة ستتعرض لها الأسواق بشأن محصول البطاطس خلال الموسم الزراعي القادم، بسبب الممارسات والإجراءات التي تقوم بها أجهزة الدولة الأمنية والتنفيذية للتغطية على أزمة محصول البطاطس، وارتفاع أسعارها في الأسواق لمستويات غير مسبوقة، بعد أن قفز سعر الكيلوغرام إلى نحو 15 جنيها في الأيام الأخيرة (0.8 دولار).
وقال خبير في مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعية في تصريحات خاصة، إن أجهزة الأمن ترتكب جريمة في حق المواطنين والمزارعين على حد سواء، موضحا أنه أمام الضغط الإعلامي بسبب ارتفاع أسعار المحصول لأسباب لها علاقة بنقص العروة الصيفية (موسم الزراعة الصيفية) بعد عزوف الفلاحين عن زراعة المحصول في أعقاب تعرضهم لخسائر كبيرة الموسم الماضي، قامت قوات الشرطة بمصادرة كميات كبيرة من أطنان البطاطس المخصصة كـ"تقاوٍ" للزراعة، خلال العروة الشتوية، وطرحها في الأسواق كبطاطس مخصصة للاستخدامات الغذائية.
وأضاف الخبير الزراعي، أنه نظرا لطبيعة التعامل المختلف مع تقاوي البطاطس من حيث التخزين فإنها تكون بخصائص مختلفة عن خصائص المحصول المخصص للطعام، مشيرا إلى أن التقاوي يتم تخزينها في ثلاجات عملاقة مخصصة لهذا الغرض في درجات حرارة مختلفة عن مثيلاتها المقرر طرحها في الأسواق.
ولفت إلى قيام قوات الأمن بمداهمة غالبية ثلاجات تخزين تقاوي البطاطس ومصادرة الكميات المتواجدة بها وطرحها في الأسواق، بزعم قيام أصحابها بتخزينها لتعطيش السوق وتحقيق أرباح إضافية، وهو أمر مخالف تماما للواقع، مشددا على أن نتيجة تلك التصرفات ستظهر جليّة خلال الأشهر القليلة القادمة، حيث لن يكون أمام الفلاحين والتجار سوى الاستيراد لتغطية العجز الكبير في تقاوي المحصول، وهو ما يعني تثبيت الزيادة في سعر كيلو البطاطس للمستهلك عند مستويات مرتفعة.
وقال أحد المزارعين بمحافظة الشرقية: "أي فلاح يعرف أن ما يتم نشره في الإعلام وما تقوم به وزارة الداخلية مجرد عملية نصب كبرى سيتحمل الجميع سلبياتها خلال الأيام القادمة"، متابعا "لا يوجد "تقاوٍ" الآن بعد مصادرتها من الثلاجات وطرحها في الأسواق عبْر منافذ وزارة الداخلية".
وشنّت جمعية رجال الأعمال هجوما شديدا على جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، بسبب مداهمته لمقر المجلس التصديري للحاصلات الزراعية.
وقالت الجمعية في بيان لها نهاية الأسبوع الماضي، إن الجهاز قام بصحبة قوات من جهاز الشرطة بمداهمة "بوليسية" لمقر المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، ومن قبلها لغرف تجارية وصناعية ومجالس تصديرية بالرغم من كونها هيئات عامة خدمية.
وأضافت الجمعية أنها "تستنكر ما يحدث في الآونة الأخيرة من قيام بعضٍ من أجهزة الدولة باتخاذ إجراءات غير مسؤولة وغير مدروسة تحمل في طيّاتها فكرا هدّاما يهدف إلى الخروج عن المسار الاقتصادي الذي تتبناه وتؤكد عليه القيادة السياسية خلال الأربع سنوات الماضية، كما أن من شأنها تعطيل هذا المسار، وهو أمر غير مقبول تماما".
وأضافت أن "هذه المداهمات من شأنها فقدان الثقة بين مجتمع الأعمال والحكومة، وتدمير المناخ التصديري والاستثماري، بالرغم من تأكيد رئيس الجمهورية على الحكومة للقيام بكل الجهد المطلوب لزيادة الصادرات المصرية".
وقالت "إن تلك الإجراءات تبعث برسالة عدم طمأنة للمستوردين من السوق المصري وكافة المستثمرين المتعاملين معه بالداخل والخارج، كما سيؤدي إلى خسارة أسواق بُذل فيها الكثير من الجهد والوقت لاكتسابها، وما يمثله ذلك من أحد أهم مصادر العملة الأجنبية، وكلنا نعلم أننا في أمسّ الحاجة لتلك المصادر الدولارية".
وكانت جهات حكومية قامت بعدة حملات خلال الأيام الماضية على بعض مخازن وثلاجات البطاطس، وضبطت عددا من الكميات، وذلك بعد ارتفاع أسعار البطاطس في السوق المصري خلال الفترة الأخيرة والتي وصلت إلى حدود 15 جنيها للكيلوغرام.
التعامل الحكومي مع الأزمة أثار غضب عدد من نواب البرلمان، حيث تقدم النائب عن حزب الوفد محمد فؤاد بطلب إحاطة، أكد خلاله تجاوز بعض أجهزة الدولة لاختصاصها، قائلا إن جهاز حماية المنافسة قد تخطى الأسباب المنطقية لأزمة البطاطس وداهم مقر المجلس التصديري للحاصلات الزراعية بحجة وجود ممارسات احتكارية، رغم أن نسبة الصادرات لا تتعدى 15% فقط من إجمالي إنتاج البطاطس في مصر.
وأضاف أن أكبر 5 مصدرين للبطاطس يسيطرون على أقل من 60% من نسبة الصادرات أي أن نسبة إنتاجهم لا تتعدى 8% من إجمالي المنتج، فكيف يمكن لمن يملك 8% أن يفرض شروطا على السعر أو يكون سببا واضحا لأزمة البطاطس مؤخرا، بالإضافة إلى أن أكثر من 70% من الأصناف المصدرة ليست مطلوبة في السوق المحلي، وتتم زراعتها بغرض التصدير.
وقامت وزارة الداخلية المصرية مؤخرا بطرح الكميات التي قامت بمصادرتها من التجار والمصدرين، عبر سيارات ومنافذ متنقلة في الميادين الكبرى بـ 5 جنيهات للكيلو، دون أي ذكر عن تعويضات لأصحاب الكميات المصادرة.
وأقدمت الحكومة على إجراءات مؤلمة لمحدودي الدخل والفقراء منذ إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي نهاية 2016 لاقتراض 12 مليار دولار، حيث قامت بتعويم (تحرير) سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، ما أدى إلى صعود سعر صرف الدولار للضعف مقارنة بالمستويات السابقة، فضلا عن زيادة أسعار الوقود والكهرباء والغاز وجميع الخدمات بشكل متكرر منذ ذلك التاريخ، ما أدى إلى موجات غلاء غير مسبوقة في الأسواق.
ووصل معدل تضخم أسعار المستهلكين إلى نحو 33% في 2017، ما دعا صندوق النقد الدولي آنذاك إلى التحذير من تبعات ارتفاع التضخم، لتصدر الحكومة بعدها بيانات تظهر انخفاض التضخم، بينما يقول خبراء إن هذه البيانات تفتقد إلى الشفافية.
ووفق بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ارتفع التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن 16% في سبتمبر/ أيلول، مقابل 14.2% في أغسطس/ آب.
وأشار البنك المركزي في وقت سابق من العام الجاري، إلى وجود مخاطر محلية وأخرى خارجية تهدد النظرة المستقبلية لأسعار المستهلك (التضخم)، مرتبطة بالزيادات المرتقبة في أسعار الوقود، وزيادة أسعار الفائدة العالمية.